Site icon IMLebanon

لبنان يتعرّض للتحرّش الإسرائيلي في النفق الإيراني

 

للمرة الثانية خلال 5 أسابيع، إسرائيل تطلب غطاء أميركياً للعمل ضد «حزب الله» في لبنان. فهل العملية العسكرية التي أطلقتها تحت عنوان «تدمير الأنفاق التي حفرها «حزب الله» في المقلب الإسرائيلي من الحدود مع لبنان» ستشكّل تغطية لعملية أكبر وأخطر؟

 

في نهاية أيلول الفائت، إلتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي الرئيس دونالد ترامب في واشنطن، على هامش أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، حيث عرض بنيامين نتنياهو «مخاوفه» ممّا وصفته إسرائيل «مصانع لتطوير الصواريخ كي تصبح دقيقة التوجيه» أقامتها إيران ويديرها «حزب الله»، في بيروت وفي محيط المطار تحديداً.

 

التقارير التي وردت عن الاجتماع أشارت إلى أنّ نتنياهو طلب غطاء أميركياً لتنفيذ عملية عسكرية ضد هذه الأهداف. وتردّد أنّ الولايات المتحدة لا تمانع في توجيه إسرائيل لضربات محدّدة ضد أهداف عسكرية في لبنان تعتبرها خطرة على أمنها، شرط أن تكون محصورة بالهدف وألّا يمسّ ذلك بالاستقرار اللبناني.

 

في الموازاة، نقل الإسرائيليون، عبر أقنية فرنسية وأميركية رفيعة، رسائل صريحة إلى الحكومة اللبنانية تدعوها إلى بذل جهودها لدى «حزب الله»، كي يعمل على تعطيل أي ذريعة إسرائيلية، وإلّا فإنّ إسرائيل ستقوم بتسديد ضربات إلى مواقع في الداخل اللبناني.

 

وقبل يومين، جَدّد نتنياهو، في اللقاء الذي عقده في بروكسل مع وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، شكواه من الصواريخ، لكنه عرض أيضاً شكوى من نوع آخر: هناك أنفاق هجومية (على غرار تلك التي أقامتها «حماس» في غزة) أقامها «حزب الله» على الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، وهو تجاوَز فيها الأراضي اللبنانية ليدخل إلى الجانب الآخر.

 

طبعاً، لا يحتاج نتنياهو إلى تغطية أميركية إذا كان يريد تدمير هذه الأنفاق في الجزء الواقع داخل الأراضي الإسرائيلية. ولكن، بالتأكيد، يقع الإسرائيليون في مأزق إذا قرّروا تدمير الأجزاء الواقعة في لبنان لأنهم سيخرقون الحدود والسيادة اللبنانية والقرار 1701 ومناطق انتشار «اليونيفيل». ولذلك، سارعَ الجيش الإسرائيلي إلى عملية عسكرية محصورة بالداخل الإسرائيلي.

 

السؤال هو: ماذا يريد الإسرائيليون اليوم من كل هذه العراضة السياسية والإعلامية؟ هل هي مجرّد رسائل للضغط السياسي واستعطاف واشنطن في اللحظة الحرجة من المواجهة الأميركية – الإيرانية؟ أم هي فعلاً تمهيد لمغامرة عسكرية ضد لبنان؟

 

وفي الدرجة الأولى، يجدر السؤال: هل يملك «حزب الله» فعلاً مصانع للصواريخ الموجّهة في بيروت، كما تقول إسرائيل، وهل من المعقول أن ينشئها «الحزب» في الأحياء الشيعية الأكثر كثافة؟ وهل هو حَفَر الأنفاق فعلاً، كما فعلت «حماس» في غزة، أم انّ الأمر مجرد دعاية سياسية يُراد منها تبرير التصعيد؟

 

طبعاً، لا ينشر «حزب الله» أي معلومات عن طبيعة ترسانته أو مخططاته العسكرية. لكنّ أمينه العام السيد حسن نصرالله كان قد أعلن بوضوح، مراراً، أنّ «الحزب» يمتلك ترسانة صاروخية باتت أقوى مما كانت عليه في أي يوم مضى، وأنه قادر على استهداف المدن الإسرائيلية حتى البعيدة منها عن الحدود اللبنانية. لكنّ ذلك لا يعني أنّ هناك مصانع للصواريخ الدقيقة التوجيه في بيروت.

 

وطبيعي ألّا يتحدث «الحزب» عن مسألة الأنفاق، إمّا لضرورات السرّية العسكرية إذا كانت هذه الأنفاق موجودة، وإمّا لأنها غير موجودة أساساً. لكنّ إسرائيل لطالما كانت تتحدّث، منذ سنوات، عن أنفاق حدودية يُنشئها «الحزب». فلماذا التزَمت الصمت حيالها طوال هذه المدّة؟ ولماذا انتظرت حتى اليوم لتفجير الأزمة، وفي هذا التوقيت بالذات؟

 

في الأعوام الأخيرة، سَلّط الإسرائيليون الضوء على ما يسمّونه «أنفاقاً هجومية حفرها «حزب الله» عبر الحدود». لكنّ اللافت أنّ إسرائيل بقيت تعلن أنها لم تتمكن من كشف أي نفق فعلاً، على رغم اشتباهها بأنّ «الحزب» يعمل على إقامة أنفاق هناك منذ العام 2012. وحتى اليوم، لم يتحدث الإسرائيليون إلّا عن كشف نفق واحد يمتدّ إلى كفركلا في لبنان.

 

ويربط الإسرائيليون بين أنفاق غزة وأنفاق الحدود مع لبنان. وفي تقدير أحد القادة العسكريين الإسرائيليين أنّ أنفاق «حماس» في قطاع غزة تبدو مجرد لُعَبِ أطفال إذا ما قورنت بأنفاق «حزب الله» في لبنان». ولفت إلى تنسيق في الخبرات بين الطرفين في هذا المجال.

 

ومراراً، أعلن الإسرائيليون عن إجرائهم عمليات بحث عن الأنفاق على الحدود مع لبنان، ولم يتوصّلوا إلى نتيجة. لكنهم لفتوا إلى أنّ «حزب الله» مؤهّل لبناء أنفاق تدخل إلى إسرائيل، بناء على الخبرة التي اكتسبها من بناء الأنفاق التي تصل بين مناطق مختلفة في الجنوب اللبناني.

 

ويشيع بعض المحللين في إسرائيل أنّ الجيش الإسرائيلي استطاع اكتشاف أنفاق «حزب الله» في الوقت المناسب، وقبل أن تصبح جاهزة للعمل. ويقولون إنّ «الحزب» خَطّط للتسلل إلى إسرائيل لخطف جنود، عن طريق تَدفُّق العشرات من مقاتليه.

 

إذاً، الآن، بات التحدّي وشيكاً: هل تقوم إسرائيل فعلاً بتنفيذ ضربات تحت الأرض وفوقها في لبنان، أي تحت عنوانين: «تدمير الأنفاق» و»مصانع الصواريخ»؟

 

في هذا الشأن، كان لافتاً ما يُسرّبه الإعلام الإسرائيلي عن اختلاف في الأولويات في مجلس الوزراء الذي عُقد قبل استقالة وزير الدفاع الاسرائيلي افيغدور ليبرمان، حيث جرى البحث في موضوع الأنفاق. فمنهم مَن رأى أنه من الأفضل عدم الشروع بعملية واسعة النطاق في قطاع غزة والتفرُّغ لتهديد الأنفاق على الحدود الشمالية. وفي المقابل، دعا ليبرمان إلى ضرب غزة أولاً، ثم التفرّغ للتعامل مع الأنفاق في لبنان. وعلى الأثر، تقدّم باستقالته.

 

ولكن، هناك إجماع في إسرائيل على أنّ إيران في صَدد التصعيد في الشرق الأوسط بكامله، وأنها قد تفتح المواجهة من لبنان وغزّة في آن معاً، أي عبر «حزب الله» و«حماس» في آن واحد. ولذلك، تزداد هناك الأصوات الداعية إلى إطلاق الحرب وفق التوقيت الإسرائيلي، وعدم انتظار إيران لترتاح في توقيتها.

 

واليوم، إذ توجّه إسرائيل الرسائل إلى إيران في لبنان، وتحضّر العناوين اللازمة لتحظى بالتغطية الدولية، ولاسيما الأميركية، ثمّة من يخشى ألّا تبقى المواجهة مضبوطة – إذا وقعت – وأن تفتح أبواب الجحيم في منطقة شديدة الاشتعال. ولكن أيضاً، هل المواجهة المحتملة جزء من سيناريو الخيارات النهائية الكبرى في الشرق الأوسط؟