Site icon IMLebanon

عندما يَسقُط قناع الشرعية في الشارع!

 

ثمانية أيام تعكس سنوات من الحرمان والقهر والآمال المبددة والأحلام المتكسرة، انتفض الشعب على مساحة الوطن، كاسرا قيود الطائفية والحزبية التي حرصت الطبقة السياسية على ترسيخها بشتى الطرق لابقاء سطوتها على جمهورها، متحكمة بفكره السياسي ولقمة عيشه، موهمة إياه ان وجوده مرتبط بوجودها وقوتها… الا ان السحر انقلب على الساحر، واكتشف اللبنانيون، من مختلف الأطياف والمناطق ان وجعهم واحد وخيبتهم واحدة، وانهم جميعا اسرى طبقة تآمرت فيما بينها لاقتسام جبنة الحكم، تاجرت وباعت واشترت باسم شعب لبنان العظيم من دون ان ينال الحد الأدنى على الأقل من حقوقه، حقوق منهوبة وحّدت من فرقهم الخطاب الطائفي على مدى سنوات وعطل نمو البلد وحول مراكز الدولة الى أوراق مقايضة بين الأحزاب والطوائف دون أي اعتبار للكفاءات المهدورة والتي لم تجد سبيل سوى الهجرة اذا ما رفضت الاستزلام.

 

قد يطول الحديث صفحات وصفحات اذا تطرق الى معاناة الناس ومطالبهم  بأبسط الحقوق من كهرباء لا تنهب ميزانية الدولة وطبابة تمنع المرضى من الموت على أبواب المستشفيات وضمان شيخوخة يخرج الشيوخ من حاويات القمامة وزوايا الطرقات وتعليم بمتناول جميع الطبقات ينقذ جورج زريق والآلاف الذين يحترقون كل ساعة لتأمين ادنى متطلبات العيش لأولادهم، وجمع نفاياتهم التي احتلت الشوارع وباتت اول صورة تمثل لبنان الأخضر بعدما قضمت الكسارات جباله الشامخة ولوثت بيئته والى ما لا نهاية وصولا للفساد العلني والسرقات الموصوفة باستخفاف تام كون هذه الطبقة السياسية استولت على كل  السلطات، فنحرت الديمقراطية وضاعت كل طرق المحاسبة  والمحاكمة!

 

لقد وحد سوء اداء هذه السلطة من امتهنت تفريقهم وزرع الخوف من الاخر والرفض له وربط وجوديته بمحو أخيه في المواطنة، ولأول مرة شدت عصب الوطنية بدلا من الطائفية، فتكسرت الحواجز وفكت «الكمامة» التي لطالما أسكتت صرخات الألم والجوع والحرمان… الا ان المسؤولين لم يتوقعوا صمود اللبنانيين في ثورتهم، وبالتالي كانت اول مهلة ٧٢ ساعة والتي سرعان ما جاءت المعالجة لتكشف تخبط السلطة في التواصل مع جمهورها على أرض الواقع ووضع خطة واضحة للخروج من المأزق الشعبي والذي بدوره سوف يخرج لبنان من دوامته الاقتصادية ويعيد ثقة الشعب اولا والمجتمع الدولي ثانيا لمؤسسات الدولة،  فجاءت ورقة الإصلاحات باهتة دون ان تلامس لب المشاكل وتغلق اكبر مزاريب الهدر، فكانت اشبه بجائزة ترضية لا قيمة فعلية لها… ومن ثم جاء الخطاب التهديدي لامين عام حزب الله الذي أعلن مسبقا ان هذا التحرك لن يفضي الى اي تغيير في الحكومة ولا إسقاط للعهد وان جمهور المقاومة لم يقل كلمته في الشارع والأفضل الا يفعل.. واخيرا، بعد ثمانية أيام جاء خطاب رئيس الجمهورية بعد طول انتظار على أمل ان يشفي غليل المقهورين في الشوارع، الا انه لامس المطالب دون تقديم الحلول، بل طلب من الشعب ان يثق بطبقة قد عجزت حتى الساعة من تأمين ادنى واجباتها تجاه مواطنيها، ومن ثم ظهر جمهور حزب الله في ساحة رياض الصلح في مشهد بعيد كل البعد عن التظاهر السلمي الذي ميّز ثورة لبنان عن سائر شقيقاتها في العالم العربي وحتى الغربي!

 

هل دقت ساعة ثورة السلطة ضد وحدة اللبنانيين وباتت الحلول التخريبية في الشارع اسهل وأفضل من التجاوب للمطالب المحقة؟ الا تخجل الطبقة الحاكمة والأحزاب المشاركة بمجلس النواب والحكومة، دون استثناء، من سماع مطالب الناس وهي ماء وكهرباء وطبابة وتعليم وفرص عمل؟ هل سينجح كم الأفواه في محو صرخات الألم والتمرد على هذا الواقع المزري؟ وهل سينسى السياسيون المعنيون بالفساد والتعطيل السباب والشتائم التي عبرت عن كسر المحرمات لمن كرسوا أنفسهم آلهة ليرموا بشعبهم الى الجحيم؟

 

اليوم، وبعدما بات واضحا ان الطبقة السياسية قررت ان تصم آذانها وتدير نظرها عن صرخة شارعها باتت كل الاحتمالات مفتوحة وعلى جمهور الثورة ان يكون حاضرا لكل السيناريوهات لدرء الفتن والحفاظ على ما تم تحقيقه من قوة في الوحدة، ولا بد ان يتحرك المنظمون لشحذ كل الطاقات الفكرية والاستراتيجية لرسم خارطة طريق للمرحلة المقبلة، ما هي ملامح حكومة التكنوقراط المنشودة، من هي الوجوه التي تحظى بثقة الناس، حتى تكمل بالدفع بطرح رئيس الجمهورية بتعديل الحكومة وبالتالي طرح قانون جديد لإجراء انتخابات مبكرة على أساس دائرة واحدة لكسر حواجز الطائفية، وإعداد قانون لإعادة الأموال المنهوبة، وتحرير القضاء من قبضة السياسيين.

 

كلمة اخيرة، فلتبقوا ما شئتم على كراسيكم الا أنكم في الواقع سقطتم في ساحات الثورة على مساحة الـ١٠٤5٢ كلم٢ وفي غابات لبنان التي احترقت وانتم اعجز عن اطفائها، وسقطتم عند كل شاب آثر ان يكون عاطلا عن العمل من ان يكون مستزلما  لكم، وسقطتم عند دعوة كل مظلوم ومقهور بسبب عجرفتكم واستباحتكم للقمة عيشه، وسقطتم امام اعين المجتمع الدولي. انها الفرصة الكبرى لصناعة مجد لبنان من الداخل وليس من الخارج!