توجه الرئيس سعد الحريري فجر أمس، على رأس وفد رسمي، وزاري وعسكري وأمني، الى العاصمة الايطالية، روما، للمشاركة في افتتاح وترؤس أعمال مؤتمر روما -2 المخصص لدعم الجيش اللبناني، وسائر القوى الامنية و.. بحضور دولي وعربي لافت، ووسط تطورات دولية (خصوصاً أميركية) لافتة ومثيرة للقلق تمثلت باقالة الرئيس الاميركي دونالد ترامب وزير الخارجية ريكس تيلرسون، وعين مكانه مدير وكالة الاستخبارات المركزية (الموصوف بتشدده) مايك بومبيو.. حيث أثارت هذه الخطوة مخاوف عديدين، على المستويات الداخلية والدولية، خصوصاً، وان في قراءة عديدين، ان هذه الخطوة لم تأت من فراغ، وستكون لها تداعيات ومفاعيل حتمية على منطقة الشرق الاوسط، ومن بينها لبنان، خصوصاً وان ترامب ربط إقالة تيلرسون بالملف النووي الايراني، بما يشير الى ان الادارة الاميركية ستعيد فتح هذا الملف من جديد، ما يضع المنطقة، أمام مشهدية بالغة الغموض ولن يكون لبنان بعيداً عن ذلك بسبب «التمديد الايراني» ممثلاً بـ»حزب الله» وما يحيط به لاسيما لجهة تفرده بالقرار العسكري وامتلاك قدرة عسكرية خارقة حضرت بقوة في مناسبات عديدة، وآخرها في النزاع اللبناني – الاسرائيلي على الثروة النفطية – الغازية في المياه الاقليمية اللبنانية، وتحديداً البلوك رقم 9، كما وفي الجدار الاسمنتي..
لأيام مضت، حاول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وبما توفر لديه من معلومات، ان يقطع الطريق على أية محاولة تستهدف لبنان عبر ما يثار حول سلاح «حزب الله» الموصوف بأنه «غير شرعي».. كما «تستهدف توفير الطمأنينة للعديد من الدول – خصوصاً الخليجية منها – المشاركة في مؤتمر روما -2 داعياً الى توفير الدعم المطلوب للجيش وسائر القوى الامنية لكي تتمكن من القيام بواجباتها كاملة، في حفظ الامن والاستقرار وبسط سلطة الشرعية على كامل الاراضي اللبنانية..» ومعتبراً ان مشاركة الدول العربية الشقيقة، والصديقة، كما والهيئات الدولية في هذا المؤتمر دلالة على الثقة التي مايزال لبنان يتمتع بها، كما ودلالة على الرغبة الدولية والعربية في حصر مواجهة التحديات القائمة والمرتقبة بالمؤسسات العسكرية والامنية (الشرعية) من دون غيرها، تمهيداً لوضع «الاستراتيجية الدفاعية» موضع التنفيذ بعد اجراء الانتخابات النيابية لمعالجة «اشكالية السلاح غير الشرعي» وتحديد لـ»حزب الله» الذي هو محور خلاف حاد بين الافرقاء اللبنانيين.
في المعلومات، ان إتصالات بعيدة عن الأضواء، جرت بين الرئيس العماد عون والامين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله، تناولت بند «الاستراتيجية الدفاعية» وربط العودة اليها بانجاز الانتخابات النيابية.. فلم يظهر السيد نصر الله أي تحفظ، فأعلن رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة»، النائب محمد رعد أنه «لا يمكن مواجهة الازمات والتحديات المصيرية والخارجية إلا بصلابة التمسك بمعادلة الجيش والشعب والمقاومة» مشدداً على ضرورة تعزيز قوة الجيش اللبناني وتسليحه، وهذا يستدعي «اجماعاً وطنياً..».
لقد كانت «المعادلة الذهبية» (الجيش والشعب والمقاومة) سبباً رئيسياً في تباعد الرئيس السابق ميشال سليمان عن الحزب، وقد وصفها بأنها معادلة كرتونية، او صدئة.. واعتبرت في غير مكان، أنها سبب أساسي في إضعاف المؤسسات العسكرية والامنية، خصوصاً وأن «السلاح غير الشرعي» لم يلتزم سياسة «النأي بالنفس» عن الصراعات العربية – العربية خصوصاً، مع العديد من دول الخليج، وبالتحديد المملكة العربية السعودية والبحرين..
يتطلع اللبنانيون عموماً، ومن غير حماسة تذكر، الى ما ستكون عليه الانتخابات النيابية المقبلة، وما ستكون عليه التحالفات لتوفير الاغلبية في المجلس الجديد والامساك بالقرارات الاستراتيجية.. ولم يخف متابعون حذرهم من ان تكون نتائج روما -2 مرتبطة بما ستؤول اليه الانتخابات..
في جلسة خاصة مع وفد بقاعي، دعا الرئيس بري الى «التعامل بواقعية مع أي ملف، وعدم تكبير الاحجار، أكثر كثيراً مما يحتمل لبنان..» من دون ان يستبعد ان يشهد لبنان عهداً جديداً مع المجلس النيابي الجديد..
في قناعة عديدين، ان ما قبيل الانتخابات وما بعدها لن يكون كما قبلها خصوصاً وأن «النسائم الخليجية» التي عادت وهبت على لبنان، توحي بأن العلاقات اللبنانية – الخليجية، وتحديداً مع المملكة العربية السعودية، ستعود الى ما كانت عليه في الازمنة الصعبة التي مرت على لبنان الذي لم يجد حاضناً سوى الرياض.. وقد حمل القائم بأعمال السفارة السعودية في لبنان وليد البخاري خلال زيارتيه (أول من أمس) الى الرئيس نبيه بري والرئيس سعد الحريري رسالة واضحة المعالم خلاصتها «حرص المملكة ودعمها للحفاظ على أمن لبنان واستقراره.. كما وتعزيز العلاقات بين لبنان والمملكة والمشاركة في مؤتمر روما بكل ايجابية.».
قد يكون من السابق لأوانه الجزم بما ستؤول اليه التطورات الاميركية الاخيرة وما يمكن ان تتركه من تداعيات سلبية في المنطقة لن يكون لبنان بمنأى عنها، وقد كان النائب وليد جنبلاط مصيباً في «تغريدته» عندما قال: «ان إقالة ريكس تيلرسون بهذه الطريقة يعني ان العالم سيدخل مرحلة من التوترات وربما الحروب، ومنطقتنا من الاراضي الخصبة وذات القابلية العالية.. انها مرحلة ستكون أسوأ من أيام الحرب الباردة.. الله يستر..».
