Site icon IMLebanon

الصراع على بلاد الشام

 

 

العودة إلى تاريخانية الصراع على بلاد الشام، ضرورية للغاية، لفهم أوالية هذا الصراع بعد «سايكس-بيكو»، والبدء به، من خلال الدول والأنظمة والمنظمات، والأيدلوجيات والأصوليات، التي هبّت رياحها على فلسطين و العراق وسوريا ولبنان. وندّت عنها بلاد شرق الأردن، أو ما يعرف حديثا، بالمملكة الأردنية الهاشمية.

للتاريخ، نقول إن أول من فكر بإحياء بلاد الشام التي كانت الدولة العثمانية، أول من بستطها، طيلة أربعة قرون، منذ معركة مرج دابق، حتى موقعة ميسلون، هو حزب البعث. سارع إلى خطفها من يد الحزب القومي السوري، بعد مصرع الزعيم أنطون سعادة.

 

نجح حزب البعث، في الوصول إلى السلطة، في العراق ومن ثم في سوريا. وكانت الخارطة التي قدّمها حزب البعث لجمهوره ولكوادره، تضم جميع الأوطان التي رسمتها إتفاقية سايكس-بيكو، مضافا إليها بعض البلدان العربية الأخرى في الخليج وفي اليمن السعيد.

 

حاول القائدان البعثيان: صدام حسين وحافظ أسد، الإنطلاق بوحدة العراق وسوريا. ففشلا فشلا ذريعا.

كان البعث في سوريا، في ظل حافظ أسد، يُسمّي البعث في العراق في ظل صدام حسين: «اليمين المشبوه».

جرى إذا، تخوين نظام البعث العراقي، من قبل نظام البعث السوري، خصوصا بعد سقوط الشاه، ووصول الخميني إلى السلطة، وبعد محاولات العراق الحربية، بإسترداد الأغوار وعربستان وكل الإقليم المتاخم له، بإعتباره جزءا من بلاد العراق، وأنه يمثل أرضا سليبة، مثل فلسطين.

بسقوط العراق وسقوط نظام البعث وصدام حسين، نهضت إيران بمشروعها الإمبراطوري، من خلال إنشائها فيلق القدس، ومن خلال تصديرها الثورة الإسلامية، قاتلت تحت راية الحملة الأميركية، مثل نظام الأسد، لإسقاط صدام حسين. ثم تمددت وتبيأت من خلال مشروعها. وجعلت من سوريا – حافظ الأسد سندا لها. وتلاقى الخميني وحافظ الأسد، على فكرة إحياء بلاد الشام، من خلال فتح المعابر ومحو الحدود بين العراق وسوريا، ولو أنها احتفظت بصورة شكلية لها. إذ احتاج العراق إلى سوريا، لأنها كانت تحت المظلة الأميركية. فسهّل الأمر على البلدين، بمحو الحدود، وتسريع وتائر التواصل، بحجة العمل للوحدة القادمة.

كان المشروع الإيراني في إستعادة مجد الامبراطورية الفارسية، قد وضع على نار حامية. وأخذ فيلق القدس كما الحرس الثوري في بناء المشروع الإيراني لحظة بلحظة، ودخل في مزاحمة المشروع الإسرائيلي في المنطقة. ثم سرعان ما إنفجر الربيع العربي في سوريا، فوقعت بلاد الشام، تحت وطأة ثلاثة قوى: الإيرانية والإسرائيلية وداعش (دولة العراق والشام). وكات تركيا تستطلع جميع التحولات في بلاد الشام: في إدلب وفي عفرين، لأنها عادت لتذكر ما خطف من إمبراطوريتها العثمانية في الحرب العالمية.

الصراع على بلاد الشام، إنما هو صلب الخريطة اللوجستية، لجميع هذه القوى. وقد جنّدت إيران ذراعها اللبناني، الذي كان على قاب قوسين أو أدنى، للدفاع عما عرف بالمقدّسات، في دمشق وحمص وحماه وحلب.

فقد تم إحياء خط الإمداد بالرجال من الجنوب و البقاع، وكذلك تم إحياء خط الإمداد بالمعدات واللوازم العسكرية، من إيران عبر البوكمال. وصار الخط إلى دير الزور نافذا بين إيران وسوريا. وصار حلم سوريا باسترجاع الأقضية اللبنانية الأربعة، أقرب إلى التحقيق، في عيون النظام في دمشق.

بعد نكسة الثاني عشر من حزيران، وإنضمام أميركا إلى المعركة في الحادي والعشرين منه، إنهزم المشروع الإيراني والبعثي معا. فرّ الأسد إلى سوريا. وإرعوت إيران بعد أن روّعت. ودخلت إسرائيل إلى لبنان، وفرضت وقف النار بالقوة، وإنصاعت لها الضاحية.

كانت إسرائيل تتقدم كقوة كاسحة كاسرة، في سوريا وفي لبنان وفي العراق وفي اليمن. وكانت تركيا، تتقدم في سوريا من الجهة المقابلة، تستأمن الأكراد. فيأمر عبدالله أوجلان بحرق الأسلحة ويدخل في الصلح مع تركيا. ويتقدم أحمد الشرع، يأخذ في القصر الجمهوري في دمشق صورة تذكارية له.

لم يأتِ توم برّاك من واشنطن، جاء لأول مرة من أنقرة. منحته الأحداث الأخيرة المتسارعة في بلاد الشام، ثقافة متغيّرة. صار يتحدث عن بلاد الشام، لأنها في الأساس، جزءا من ثقافة المنطقة. كان يضع عيونه في عيون محاوريه، ويترحّم عليهم. كان يقرأ ما إستجدّ على الذاكرة، من الإنتصارات الإسرائيلية والأميركية.

ألم يذهب اللبنانيون إلى سوريا يقول برّاك، ما لم يقله، بإعتبارها بلاد الشام. وأن لهم فيها، أولياء وأنسباء ومقدّسات. جاء توم برّاك من العاصمة الأخرى، يقول الكلام الذي كان يتردد على مسمع الأميركيين، طيلة الخمسين سنة الماضية. هو إبن زحلة، رحل عنها حين كانت في بلاد الشام، ثم عاد إليها متعجبا: لا شيء قد تغيّر!.. إنتهت الحرب. حسم الصراع على بلاد الشام. إنظروا مليّا حولكم. لا تدسّوا رؤوسكم في الرمل!

توم برّك، يخاطبنا من الذاكرة، لأنه لم يجد بين يدينا خطابا جديدا. تغيّرت الدنيا حولنا، ونحن لم نتغيّر! نفضّل أن ندسّ رؤوسنا في الرمل، على أن نرى!

 

* أستاذ في الجامعة اللبنانية