Site icon IMLebanon

التوطين يطلّ من بوابة «الأونروا»

 

وصدر القرارُ الأميركي بوقف المساهمة في وكالة «الأونروا» التي تهتمّ باللاجئين الفلسطينيين والتي تُقدَّر بنحو 360 مليون دولار أميركي سنوياً، ليسبّبَ على الأرجح تردّداتٍ خطيرةً على الدول المضيفة للاجئين وعلى رأسها لبنان.

لم يكن هذا القرارُ مفاجئاً للمسؤولين اللبنانيين والعرب الذين يتابعون هذا الملفّ، لأنّ واشنطن تريد إتمامَ صفقة القرن، وأمامها كانت هناك عقبتان رئيستان هما، مسألة القدس وأزمة اللاجئين.

وبالنظر الى تطوّرات الأمور، فإنّ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن نقلَ السفارة الأميركية الى القدس والاعتراف بها عاصمةً لدولة إسرائيل ما دلّ على أنّ الإدارة الأميركية مرّرت موضوعَ القدس بفعل قوّة الأمر الواقع.

وبالنسبة الى اللاجئين، فإنّ أحد الممرّات الأساسية للقضاء على حقّهم بالعودة هو إنهاء مهمّات «الأونروا» التي تهتمّ بقرابة 5 ملايين لاجئ فلسطيني يتوزّعون بين الضفة الغربية وقطاع غزّة ولبنان وسوريا والأردن، وفرطُ هذه المنظمة سيؤدّي الى ويلاتٍ على لبنان.

ولبنان يعاني من أزمةٍ اقتصادية تطال كل شرائحه، فهو يغرق بالنزوح السوري واللجوء الفلسطيني وبات عددُهم يقدّر بنحو ثلث سكانه الحقيقيين، وأما وقفُ مساعدات «الأونروا» حسب المسؤولين عن هذا الملف فقد يسبّب أزمةً في المخيمات الفلسطينية، تنعكس تظاهراتٍ واضطراباتٍ وأزماتٍ معيشيّة، ما قد يؤدّي الى اضطراباتٍ أمنية، وتشكيل بيئة حاضنة للإرهابيين، مع العلم أنّ تجربة مخيّم نهر البارد ما تزال ماثلةً أمام عيون اللبنانيين، إضافة الى أنّ مخيّم «عين الحلوة» هو بؤرةٌ عصيّةٌ على الدولة، ويستغلّ الإرهابيون والخارجون عن الأمن فيها عوز الناس وحاجاتهم من أجل إيوائهم.

ومع تفاقم الأمور، وإذا تخاذلت «الأونروا» عن القيام بدورها، فإنّ هذا الأمر سيؤدّي الى انتقال ملفّ اللاجئين منها الى المفوّضية السامية لشؤون اللاجئين، مع العلم أنّ «الأونروا»، وعلى امتداد السنوات الماضية، كانت من أنجح المنظمات الدولية.

وفي السياق، فإنّ خطر التوطين يداهم لبنان إذا تمّ هذا الأمر، خصوصاً أنّ شروط الإيواء ستتغيّر مع تحوّل الاهتمام باللاجئين الى المفوضيّة السامية، وعندها ستتعقّد القضية أكثر خصوصاً أنّ حقّ العودة سيسقط لأنّ هناك ثلاثة احتمالات تصبح أمام اللاجئين وهي: إمّا العودة الى بلدهم الأمّ الذي هربوا منه وهذا مستحيل حالياً، أو التوطين في البلد المقيمين فيه وهذا الأمر يرفضه لبنان رفضاً قاطعاً وهو مذكور في مقدّمة الدستور، وإمّا البحث عن بلدٍ ثالثٍ لنقلهم إليه وهذا متعذّرٌ حالياً.

وأمام هذه الاحتمالات الثلاثة يبقى الاحتمال الثاني، أي التوطين، يراود الدولَ الكبرى وعلى رأسها أميركا، ما يزيد الخطر على لبنان. وفي السياق، يؤكّد رئيسُ لجنة الحوار- اللبناني الفلسطيني حسن منيمنة لـ»الجمهورية» أنّ «خطرَ التوطين الفلسطيني قائمٌ في هذا الوقت أكثر من أيِّ وقت مضى، وعلى الدولة اللبنانية التحرّك لمواجهة قضية «الأونروا» وحلّها، وإلّا فالأزمةُ ستتفاقم، ولم تعد هناك سبلٌ للمواجهة»، مشدّداً على أنّ «خطر التوطين هذه المرّة ليس بمزحة وسط ما يحصل في المنطقة من صفقاتٍ وتطوّرات وأحداث».

لكنّ السؤال الأكبر الذي يحضُر أمامنا هو ماذا يتوجّب على الدولة اللبنانية أن تفعل؟

في معرض رصد المواقف والأفعال، إنّ المسؤولية الأولى تقع على الدولة اللبنانية لأنّ لبنان يعاني هذه الأزمة منذ تاريخ النكبة، فالوضعُ في سوريا والأردن مغايرٌ، حيث إنّ الديموغرافيا وتركيبة تلك البلدان مغايرة لتركيبة الوضع اللبناني وحساسيّته، لذلك يتوجّب على لبنان تصعيدُ الموقف والتنسيق مع السلطة الفلسطينية والدول المستضيفة للاجئين، ودعوة جامعة الدول العربية لاجتماعٍ طارئٍ لمواجهة هذه الأزمة، وإجراء اتّصالات دوليّة من أجل إنقاذ الوضع.

لكنّ سؤالاً آخر أهمّ يَطرح نفسَه وهو هل إنّ توقّف أميركا عن دعم «الأونروا» يعني نهايتها؟

الردّ هو بـ«كلّا»، لأنّ «الأونروا» تأسّست بقرارٍ من الجمعيّة العامة للأمم المتحدة تحت رقم رقم 302، وتُجدّد ولايتها كل 3 سنوات وقد جدّدت أخيراً، وليست مؤسّسة تابعة للولايات المتحدة الأميركيّة، ويتمّ تمويلُها بالكامل من خلال التبرّعات الطوعية التي تقدمها الدولُ الأعضاء في منظمة الأمم المتحدة، وبالتالي فإنه يتوجّب على لبنان العمل مع الدول المانحة والصديقة لتأمين الدعم اللازم للأونروا وعدم ترك هذا الموضوع، مع أنّ العجز الذي سيتركه عدمُ التمويل الأميركي هو كبير جدّاً ويحتاج الى تعاونٍ كبيرٍ من أجل سدّه.