Site icon IMLebanon

يتصارعون على السلطة.. بكل الوسائل

 

 

التداعيات كارثيّة وهذه عيّنة مما ينتظر المواطن

 

عبارة «الغاية تُبرّر الوسيلة» هي عبارة نستخدمها بكثرة في لغتنا اليومية لكن لا نعلم بالضرورة أنها تختصر الفلسفة السياسية لعمل الباحث السياسي الإيطالي «نيكولا مكيافيلي». يحمل مصطلح الـ «مكيافيلية» في اللغة العصرية مفهومًا للسياسة يدافع عن «غزو السلطة والحفاظ عليها بكل الوسائل». هذا المصطلح الذي أطلقه الباحث هنري إستيان في العام 1611 على فلسفة «مكيافيلي»، تمّ استخراجه من أطروحة «الأمير» والتي كتبها «مكيافيلي» في العام 1532. في هذه الأطروحة يقول «مكيافيلي»: «غالبًا ما يكون الأمير ملزمًا، من أجل الحفاظ على الدولة، بالعمل ضد الإنسانية، وضد الصدقة، وضد الدين نفسه. يجب أن (…) ما دام أنه يستطيع ألا ينحرف عن طريق الخير، ولكن إذا لزم الأمر يعرف كيف يدخل طريق الشر». بمعنى أخر، من أجل الإحتفاظ بالسلطة يجب أحيانًا معارضة القيم والأخلاق والحقوق الإنسانية!

 

في أطروحته بعنوان «الأمير»، يسرد «مكيافيلي» جميع السلوكيات والتدابير التي يجب اتخاذها لحكم الإمارة بشكل جيد والحفاظ على السلطة وتتضمّن وصفا للوسائل التي يمكن استخدامها مثل الإعدام الوحشي والقاسي والعلني للمعارضين، بهدف ضرب أي فكر معارض للسلطة. بالنسبة لـ «مكيافيلي»، تتميز السياسة بـ «الحركة والانقسامات العنيفة والصراع». وإذا كان استخدام القوة هو احتمال مطروح ومقبول، إلا أن مهارات أخرى مطلوبة من رجل السياسة وعلى رأسها المهارات الخطابية من أجل إقناع الآخرين.

 

يقول الباحث «ريموند آرون» أن «المكيافيلية هي محاولة لاختراق نفاق الكوميديا ​​الاجتماعية، وإخراج المشاعر التي تحرك الرجال حقًا، وفهم الصراعات الحقيقية التي تشكل نسيج التطور التاريخي، وإعطاء رؤية مجردة من كل الأوهام عن ماهية المجتمع حقًا «.

 

الخلاف بين الباحثين على تفسير أعمال «مكيافيلي»، دفعت إلى معارضة شديدة لأعماله لدى البعض حيث أاتهِمَ بازدراء الله، والغدر، واللواط، والاستبداد، والقسوة، والنهب، وغيرها من الرذائل. في حين أن البعض الاخر قال عنه ان مؤلفاته كانت بهدف السخرية وانتقاد الواقع القائم وهو المطرود من مهامه كموظّف حكومي انذاك.

 

في الواقع، ما يميّز أعمال «مكيافيلي» هو فصل السياسة عن الأخلاق والدين. وبالتحديد على هذه النقطة نرى الانقسام الأكبر بين الباحثين حيث يرى البعض أن «مكيافيلي» هو «معلم الشر»، في حين يرى البعض الاخر أن هذا الفصل بين السياسة والأخلاق، يرسم الحدود بين الفلسفة السياسية الكلاسيكية والفلسفة السياسية الحديثة. وهنا يجب ذكر الباحث «ماكس ويبر» الذي قال ان هذا التمييز يضع رجال السياسة في مواجهة صراع بين أخلاقيات المسؤولية وأخلاقيات العقيدة في كل قرار أو إجراء سياسي.

 

المقدّمة أعلاه تهدف إلى تسليط الضوء على الأداء السياسي في لبنان والذي تُظهر التحاليل أنه يتجذّر من الفلسفة « المكيافيلية «. فالتاريخ يخبرنا حتى يومنا هذا أن القوى السياسية لم تتوار يومًا عن القيام بأي شيء للحفاظ على السلطة. من صراعات سياسية إلى مواجهات مسلّحة مرورًا بالتعطيل والفساد…، كل الأمور مسموحة عملًا بمبدأ «الغاية تبرّر الوسيلة».

 

التاريخ الحديث للبنان حافل بالصراعات السياسية على السلطة، واخرها وأحدثها الصراعات السياسية التي تواكب الانتخابات النيابية المقبلة. الخطاب السياسي المعتمَد هو خطاب تدميري بامتياز على أنقاض دولة منهارة على كل الأصعدة. ولعل تجويع الشعب من خلال عدم إقرار خطة إنقاذية ووصف هذا الأمر بـ «الكساد المتعمّد» من قبل البنك الدولي، يجعل السياسيين في لبنان يضيفون وسيلة جديدة على الوسائل التي اقترحها «مكيافيلي» للحفاظ على السلطة!

 

الإنتخابات النيابية المقبلة وعلى الرغم من أهميتها الدستورية، والديموقراطية، والدولية كأحد شروط مساعدة لبنان، لن تُغيّر شيئًا في المعادلة الحالية حيث ان الصراعات والمحاصصات باقية بعد الإنتخابات ولن يكون المواطن أولوية في أجندات القوى السياسية كما ينصّ عليه العمل السياسي.

 

لا يمكن وصف لبنان بديموقراطية كما هي ممارسة في الدول الديموقراطية الأخرى، والدليل على ذلك أن تركيبة المجلس النيابي المقبل أصبحت معروفة بنسبة تفوق المنطق الديموقراطي حتى قبل الإنتخابات! فالمواطن اللبناني أسير خيارته السياسية المحدودة بانتمائه المذهبي والعائلي والعشائري، وبالتالي لا مخاوف (تقريبًا) من قبل القوى السياسية على تمثيلهم النيابي ولا ضغوط شعبية لتعديل الأداء السياسي لهذه القوى يكون فيه المواطن أولوية في الإجراءات التي ستتخذها الحكومة بعد الإنتخابات.

 

الواقع الحالي مؤلم، وللأسف التصويت في الإنتخابات النيابية المقبلة لن يتأثر بما يعانيه المواطن حاليًا! الأسباب لهذا التصويت عديدة وعرضها يحتاج إلى منهجية علمية تعتمد على أرقام غالبًا ما تكون غير متوافرة. لكن توصيف الواقع الحالي كافٍ لمعرفة الكارثة التي يرتكبها المواطن اللبناني بحق نفسه من خلال التصويت الذي ينوي القيام به. فالمواطن اللبناني أصبح عاجزًا عن تأمين غذائه، ومحروقاته، وكهربائه، وطبابته… التي من المفروض على الدولة أن تكون الضامن الأول لتأمينها. 40% من العائلات اللبنانية تعيش حالة من الفقر المُدقع وأكثر من 80% تعيش فقرًا متعدد الأبعاد.

 

السياسات التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة لم تُجدِ نفعًا والدليل الوضع الذي وصلنا إليه، وبالتالي هناك ضرورة لتعديل هذه السياسات تحت طائلة مزيد من الكوارث!

 

كثيرًا ما يُعطى مثال الضفدع في الماء لوصف حالة المجتمعات التي لا تثور ضد الأنظمة الحاكمة غير العادلة. المواطن اللبناني تمّ وضعه في ماء بارد على نار خفيفة وإذا لم يثر سلميًا من خلال الإنتخابات النيابية المقبلة، فإن التداعيات ستكون كارثية أكثر مما هي عليه اليوم بدءًا من الفقر والهجرة وليس ختامًا بالعنف والجريمة وغيرها من الممارسات التي وصفها ابن خلدون بقوله الشهير «عند الفقر، تفقد الشعوب أخلاقها».

 

العزل الدولي للبنان عدّلت وستُعدّل من الحياة الإجتماعية للبنانيين والاحتمالات بأوضاع اجتماعية أسوأ مما هي عليه اليوم عالية جدًا. الخروج من هذه المحنة ممكن بوعي المواطن ورغبته في تعديل ظروف الحياة القاسية التي يعيشها اليوم من خلال الإنتخابات النيابية المقبلة التي من المفروض أن تُعدّل من سلوك القوى السياسية من سلوك «مكيافيلي» إلى سلوك تكون فيه «الفضيلة» بوصلة العمل السياسي.