قد لا يحتاج مارسيل غانم إلى من يدافع عنه أمام القضاء، فهذا الإعلامي العريق يملك مساراً فريداً في حقل الإعلام والحريات، وهو جاء أصلاً من دراسة الحقوق ليجعل من الإعلام سلطة رمزية طبعاً، متكئاً على وعي عميق في شؤون السياسة وعلى التزام لقضايا الناس كما يدل عنوان برنامجه الشهير في تلفزيون ال بي سي، ولعل الخيمة التي نصبها رفاقه في التلفزيون وفي الإعلام على اختلافه، أمام قصر العدل في بعبدا لحظة دخوله إليها صباح أمس، لم تكن خيمة مارسيل وحده بمقدار ما كانت خيمة الحريات الإعلامية التي يسعى بعض المراجع السلطوية إلى تدجينها أو قمعها في طرق شتى، معلنة أو مضمرة، مباشرة أو مداورة. تحت تلك الخيمة التقى أهل الإعلام والسياسة والقانون ومواطنون وطلاب، وفدوا جميعاً تحت المطر ليقفوا وقفة تأييد للإعلامي الذي يعدونه صوتاً وطنياً ومواطنياً جعل من برنامجه منبراً مفتوحاً لكل القضايا والشؤون التي تعني الفرد والجماعة. كانت الخيمة خيمة الحريات اللبنانية التي ما برحت مهددة على رغم المضي «الشكلي» لعهد الوصاية أو الاحتلال غير المعلن وعهد القمع والتلفيق السياسي والتحايل على القانون… لكنّ آثار تلك «العهود» لا تزال منتشرة في النفوس والعقول، وكأنها باتت تقليلداً من تقاليد السلطة.
اللافت في قضية مارسيل غانم أولاً هو إحالته إلى القضاء الجنائي عوضاً من أن يحال إلى محكمة المطبوعات كما يقضي القانون، وهي مولجة بكل شؤون الإعلام المكتوب والمرئي والمسموع، بل هي المرجع القانوني الذي لا يمكن تجاوزه في هذا القبيل. لكنها المبادرات الاستنسابية التي لا معايير لها ولا شروط، تأخذ سبيلها من غير مساءلة أو محاسبة. الاستنساب لا يزال في لبنان سيد الموقف رغماً عن القانون وأخلاقياته. واللافت ثانياً أن مارسيل غانم في الحلقة التي جعلها القضاء ذريعة للادعاء عليه مارس دوره كإعلامي رصين وديموقراطي، غير قمعي وغير ديماغوجي مثل بعض الإعلاميين الحزبيين والطائفيين الذين يملأون الشاشات الصغيرة والفضائيات وبعضهم يفتقد إلى الصدقية والنزاهة. مارس غانم دوره كإعلامي يؤمن بالحوار ويستمع إلى ضيوفه ويناقشهم بهدوء خارج الانفعال والصراخ والاتهام، ونجح في اعتماد الموازنة في تلك الحلقة عندما استضاف فيها أيضا نائب رئيس مجلس النواب السابق إيلي الفرزلي الذي كان صوتاً سياسياً وإعلامياً «ملتزماً»، ولم يكن عليه إلا أن يرد على الضيوف الآخرين رداً مقبولاً، ولو لم يخل من الانفعال والمغالاة. بدت الحلقة على مقدار من الاتزان وكان الضيوف الآخرون أحرارا في إبداء آراء خاصة تم نقدها أو نقضها من خلال مداخلة الفرزلي. لم يكن غانم على الحياد بل فتح باب الحوار وشارك في توجيه المواقف ومناقشتها بهدوء ولم يكن مجرد حكم أو شاهد بل مثّل شخص الإعلامي الديموقراطي بامتياز. إلا أن رد الفعل القضائي الذي عبر عنه وزير العدل وتبعه ما تبعه من استدعاء ادى إلى نشوب قضية مارسيل غانم والحريات. وكان وزير العدل اعلن مرة ان القضاء هو قضاء رئيس الجمهورية، تيمنا به، ما جعل على سبيل المثل، رئيس المجلس النيابي يرد على هذه المقولة في طريقة غير مباشرة. طبعاً لم يكن منتظراً رد الفعل المنفعل هذا، وكان ممكناً التعليق على مواقف ضيوف الحلقة ونقضها سياسياً وإصدار بيان في هذا الشأن. لكنّ بعضهم وجد في الأمر مناسبة لتأديب الإعلام وتدجين الحريات… وهذا ما ذكّر ويذكّر بقضية تلفزيون الجديد وقضايا المواطنين الفيسبوكيين الذي يساقون حيناً تلو آخر إلى المحكمة. أما الفادح فهو غياب نقابتي الصحافة والإعلام عن الخيمة، وكذلك المجلس الوطني للإعلام، وليس بمستغرب هذا الغياب، ما دامت النقابتان غير معنيتين بمعارك الحرية في لبنان.
خيمة مارسيل غانم لم تكن خيمته وحده بل كانت خيمة أهل الإعلام جميعاً، خيمة الحريات التي لا يمكن المساس بها. إنها خيمة سلطة الإعلام التي لا يمكن أي سلطة أن تنتصر عليها.