Site icon IMLebanon

حين تُمتحن الفراشة ميّ شدياق كما الذهب في النار

 

 

لا، ليست سيئة الحظ ولا “منحوسة” بل إمرأة مؤمنة واثقة بأن الذهب يُمتحن في النار. ينادونها في البيت “ميوش” ويصفها معارفها “بالفراشة” ويجزم كل من تعرّف اليها أنها امرأة حساسة جداً وقوية جداً جداً.

كثيرون لا يحبّونها “والدنيا أطباع وأذواق وشخصيات ومصالح وانتماءات” لكن هناك من يكرهونها ويشمتون بها ويشتمونها وهي تُردّد في سرّها: من يفرح بسقوط الآخرين لن يرتفع أبدا.

 

لا تسكت عن ضيم لكنها تسامح، ولا تنام على حرير بل تُدرك تماماً أن الحياة مليئة بالتجارب، مثلها مثل بحّار على قارب صغير في محيط لامتناهٍ. أمواج وخضات وتيارات وعواصف لكن ثمة شاطئاً يلوح. “ميوش” الفراشة أبحرت منذ نعومة أظفارها في البحر اللبناني الهائج، ولم تختر الإعلام عن عبث، بل دفاعا عن “مظاليم الأرض” حتى بالدمِ والعمر واليد والقدم. وإيمانها خلّصها مرة واثنتين وثلاثاً وسيُخلّصها اليوم. هي تُردد هذا ممسكة بصورة مار شربل وبمسبحة تتلو عليها، في زمن الصوم، الأبانا والسلام.

 

أتاها كورونا. ومن هو “كورونا” هذا؟ كوفيد 19… الفيروس الخبيث… اللئيم… المنتشر كما النار في مهبّ الرياح… لا يهمّ ما دام مار شربل معها. هناك من يبتسم لتكرارها إسم القديس العجائبي لكنها لا تهتم “فحين يكون معها مار شربل لا أحد سيقدر عليها”. هي اتكلت عليه قبل نحو 5300 يوم، في عصر ذاك الأحد الأيلولي لحظة دوى فيها الإنفجار، وتجاوزت الحرق والبتر والنزيف وتشلع الشرايين وعادت أقوى. صحيح أن مناعتها الصحية قد تكون انخفضت قليلا لكن إيمانها السماوي اشتدّ. وهذا الإيمان نفسه سيُخلّصها هذه المرة أيضاً.

 

لم يكن خبراً عابراً إصابة ميّ شدياق بفيروس كورونا، ليس لأنها ميّ شدياق بل لأنها المرأة التي عانت في حياتها، بسبب حبها للبنان، الأمرّين واستمرت، كما طائر الفينيق، تنهض من جديد، مرددة في أكثر اللحظات صعوبة: متل ما الله بيريد. واليوم، يحتاج كلنا، في كلّ الأرض، أن نتّكل أكثر على السماء.

 

اليوم هو 25 الشهر، وليلة استوت في سريرها كما الطائر الجريح كانت 25 الشهر، وهي واثقة أنه لن يأتي 25 الشهر المقبل إلا وتكون قد قهرت الفيروس. سرّ هذه المرأة أنها تعجز عن إخفاء مشاعرها وتأبى أن توارب. وكثيرون يتذكرون يوم أطلّت على شاشة المؤسسة اللبنانية للإرسال، بعد عشرين عاما، لتقول “أنا صار لازم ودعكن”. وهي التي كانت أوّل من أطل، في أول نشرة أخبار على المحطة، في الثالث والعشرين من آب العام 1985. هكذا هي تلك الفراشة تعرف متى تضع نقطة وتبدأ على سطر جديد.

 

اليوم، في حجرها في مستشفى أوتيل ديو، تُخطط “لبكرا”. ستعود ميّ شدياق لتقول “للأعور” أعور. هي وعدت والدتها “إيفو” (إيفيت) بذلك. قالت لها “بشوفك بخير”. ووالدتها هي حياتها وخلجات روحها والرئة واليد والذراع والقلب. هي السند الذي اتكأت عليه قبل العصا.

 

كثيرون يحبّونها وكثيرون لا، لكن أن يخرج من يجلدها ويجرح مشاعرها بسبب فقدانها قدماً وذراعاً، بانفجارٍ أراد مدبروه من خلاله قتلها، فهذا “فوق طاقة إنسان على تحمله” لكنها تحملته حتى ولو اخترق الكلام صدرها كما السهم فنزف حزناً. لكن، عرفت الفراشة كيف تدافع عن نفسها بنفسها. نظرت الى المرآة ورددت: “نحن لا نستسلم، نقاوم حتى ولو على رجل واحدة”. بهذه العبارة أجابت على تغريدة لنائبة رئيس تيار تصفها فيها “بصاحبة الإعاقات الجسدية والنفسية”. يا لهولِ هكذا كلام.

 

الفراشة ستعود وتحلّق من جديد بعد أن تزول غمامة الفيروس الخبيث. هي وعدت “بأن الدرب لا يزال طويلا”. ونحن نثق بقدرتِها دائما على تخطي الصعاب والتجارب ومتابعة الدرب.

 

البارحة، إبتسمت الفراشة لشقيقتها ميشا (بعقليني) التي لم تتركها لحظة وأوصتها: انتبهي على “إيفو” وعلى الجميع. وميشا هي الكتف الأخرى التي تتكئ عليها ميّ وكانت ترافقها في رحلتها الباريسية قبل أسبوع من أجل تأهيل اليد والقدم الإصطناعيتين. ومناعة ميشا الجسدية حمتها.

 

ميّ، المرأة الصلبة، التي لم تغب عن عينيها تلك المسحة الحزينة منذ توفي شقيقها الوحيد، مثال حيّ عن “المطبات” التي قد يمرّ بها الإنسان في شكلٍ متتالٍ “والعظمة في القيام بعد كل تعثر”.

 

مي شدياق، ميوش، الشهيدة الحيّة، الإعلامية، الوزيرة، الصريحة الصريحة الصريحة “شدي حالك” فالعمل المقبل كثير.