Site icon IMLebanon

البوصلة مواجهة السلاح… فلا تضيّعوها

 

مع اندلاع أحداث السويداء في سوريا انطلقت حملات إعلامية وسياسية اختلط فيها الحابل بالنابل، هدفها تشويه صورة الإدارة السورية والطعن بها وصولًا إلى وصم السنة بالإرهاب… والغاية الأخطر والأهم إبعاد الأولوية عن سلاح “حزب الله” واعتبار الأحداث في سوريا مبرِّرًا لـ “حماية لبنان” وتحديداً الشيعة والمسيحيين من الخطر السني الآتي من خلف الحدود، وقد انزلقت إلى هذا الفخّ شريحة محدودة من المسيحيين، الذين وصلت بهم الحال إلى إعلان “التعاطف مع سلاح الحزب” كما فعل النائب نديم الجميل، وإلى الوقوع في فخّ التصنيف المسيء للسنة ولأهل عكار كما فعلت الوزيرة السابقة مي شدياق، وبينهما لعبت رياح الغرائز فنشأت هوّة ومساحة تثير القلق بين الرأي العام السني والشارع المسيحي، ردمها التدخل السريع لـ “القوات اللبنانية”.

 

لا بُدّ من المصارحة بأنّ ما فعلته أبواق الفتنة في لبنان من وئام وهاب إلى “وجوه الدعاية الصفراء” المنتشرة في وسائل الإعلام والتواصل، أدّى في موجته الأولى إلى إحداث اضطراب كبير على مستوى الثبات الوطني لدى الكثير من الشرائح، ومع التقاء “فصيل” مسيحي مع خطاب “حزب الله” عادت نغمة الإحباط السني والتشكيك في جدوى الاستمرار في الدولة اللبنانية التي لم يعرف معها السنة سوى التهميش والإذلال والظلم، حتى في ذروة حكم تيار المستقبل، فحقوقهم مهدورة بالذات، ومناطقهم محرومة بشكل منهجي ومزمن والعدالة تطردهم والاستبداد يطاردهم منذ فجر الاستقلال حتى اليوم، وهذا ما لم تره الوزيرة مي شدياق عندما استهجنت أن يُنجب أهل عكار (السنة) عشرين ولداً.

 

لا بُدّ أن يصل إلى الجميع أنّ السنّة شعروا في الأيام القليلة الماضية بعودة حلف الأقليات لاستهدافهم، وبأنّهم مهما رفعوا شعار “لبنان أولاً” فإنّهم سيبقون في آخر الرّكب اللبناني، خاصة أنّ خيبات الأمل بدأت تتصاعد من هذا العهد الذي كان يُرتجى منه الإنصاف ومن رئيس حكومته إعطاء الأولوية لحلّ معضلات المناطق التي جاء إلى الحكم باسمها، ولم تستطع هذه الحكومة ضمان أمن طرابلس “عاصمة السنة” ولم تتمكن من تحقيق إنجاز في أي ملف، بل العكس، جاءت التعيينات المبنية على المحاصصة لتؤكد الانطباع السائد عن تهميش السنة في مواقع الدولة.

إذا استمرّ انزلاق شريحة من المسيحيين في لبنان نحو خطاب التعاطف مع “حزب الله” وسلاحه، فإنّ هذا سيخلق موجات انتكاس لدى السنة عن هويتهم الوطنية، لأنّ الخطاب المذهبي والطائفي بلغ عنان السماء، وسحق دعاة الوعي بين طوفان الغرائز الملتهبة، وهذا أمرٌ شديد الخطورة.

 

حسناً فعلت “القوات اللبنانية” بإصدار بيانها الذي تبرّأت فيه من كلام الوزيرة شدياق وأكدت علاقتها المتينة بالسنة وبمجمل النسيج اللبناني، وهو موقف شجاع يُحسب لقيادة “القوات” في خضمّ هذا السعار الطائفي المنفلت، وقد أسهم في إطفاء الكثير من الحرائق الجانبية التي نشبت على حافتي طريق التلاقي الإسلامي والمسيحي، وعلى طريق التحالف الطبيعي السني المسيحي الذي يناضل لإقامة الدولة، وهنا الأولوية وهنا البوصلة.

 

البوصلة هي السلاح غير الشرعي لـ “حزب الله” فلا ينبغي لأحد أن يضيّعها، ومن غير المسموح التفريط بالتماسك الوطني ضدّ هذا السلاح لصالح نزعات شخصية أو هلوساتٍ لدى بعض الذين يبدو أنّهم بحاجة إلى الكثير والكثير من دروس السياسة.