Site icon IMLebanon

هل يدفع لبنان ثمن “حرب الذئاب”؟

 

إسرائيل و”حزب الله” والإلتزام بقواعد الإشتباك

 

 

هل انتقل منفّذ عملية مجدّو، جنوب حيفا داخل إسرائيل، من لبنان أم لا؟ هل “حزب الله” هو الذي جنّده ودرّبه وأرسله لتنفيذ العملية؟ هل هو فلسطيني أم لبناني؟ ما كان هدف العملية؟ ولماذا أُعطيت هذا الحجم من الأهمية والتغطية الإعلامية بعد التعتيم الإسرائيلي على المعلومات؟ ولماذا هذا الصمت المقابل عند “حزب الله”؟ هل سارت العملية كما خُطِّط لها؟ أم أنها انكشفت قبل انتهائها؟ وهل تريد إسرائيل و”حزب الله” كسر قواعد الإشتباك التي يلتزمان بها منذ حرب تموز 2006؟

 

في 27 كانون الثاني الماضي قُتل سبعة إسرائيليين في هجوم مسلّح نفّذه شاب فلسطيني في قلب حي استيطاني شمالي القدس، ووصفته الشرطة الإسرائيلية بأنّه الأعنف من نوعه منذ سنوات. وقد تمكّنت الشرطة الإسرائيلية من قتل منفّذ الهجوم أثناء فراره من الموقع، وهو خيري علقم (21 عاماً) من سكان القدس الشرقية، وكشفت من خلال التحقيق الأولي أنه نفّذ الهجوم منفرداً. وذكرت وسائل الإعلام الإسرائيلية نقلاً عن الجهات الأمنية أنّ المنفّذ لا ينتمي لأي فصيل فلسطيني معروف، وإنما هو «ذئب منفرد» يحمل هوية إسرائيلية وأطلق النار من مسدس بحوزته وهو يقود سيارته قرب كنيس يقع وسط حي النبي يعقوب. وقد حاول الفرار من الشرطة قبل أن تلاحقه وتقتله بالرصاص.

 

هذه العملية وُصفت بأنّها أخطر هجوم من نوعه داخل إسرائيل منذ العام 2008. اضطر معه وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت إلى قطع زيارته إلى الولايات المتحدة، والعودة إلى إسرائيل. وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أنّ حكومته قررت اتخاذ إجراءات فورية رداً على هجوم القدس. لم يكن هذا الحادث هو الأخير، ولكن على ما ظهر لاحقاً كان بداية لسلسلة جديدة من العمليات الأمنية التي نُفِّذت داخل إسرائيل. والإشكالية التي ظهرت بعد كل هذه العمليات طرحت السؤال حول ما إذا كانت تحصل ضمن خطة أمنية جديدة منظّمة، أم هي من ضمن عمليات منفصلة ينفّذها «ذئاب» منفردون كما تمّ وصف منفّذ عملية القدس؟ وبالتالي هل أرادت إسرائيل أن تحدّ من خطورة هذه العمليات في ظلّ الوضع السياسي غير المستقر فيها؟

 

لغز عملية حيفا

 

كان يمكن أن تنطوي صفحة عملية القدس والعمليات التي نُفِّذت بعدها عبر نسبها إلى «ذئاب» منفردة وأن تنتهي عمليات الثأر التي نفّذها مستوطنون إسرائيليون ضد الفلسطينيين، لو لم تأتِ المفاجأة الأمنية الثانية الأكبر من مجدّو جنوب حيفا في أراضي 1948 المحتلة يوم الإثنين 13 آذار الحالي من خلال تفجير عبوة ناسفة أدّت إلى جرح مستوطن إسرائيلي. المفاجأة كانت في المعلومات التي كشفتها إسرائيل عندما أعلنت أنّ العملية اعتمدت طريقة جديدة لم تكن معتمدة في العبوات التي فُجِّرت سابقاً، وأنّها تحاكي العمليات التي كان ينفّذها «حزب الله» في جنوب لبنان، وأنّها تمكّنت من قتل منفّذ العملية بعدما كانت فرضت تعتيماً إعلامياً على المعلومات المتعلّقة بها.

 

في البيان المشترك للمتحدثة باسم الجيش الإسرائيلي والمتحدثة باسم الشاباك والمتحدثة باسم الشرطة الإسرائيلية، أعلنّ أنّ القوات الأمنية حيّدت منفّذ العملية قرب مفترق مجدّو، وكشفت أنه قدم من لبنان. وذكرت أنّه أثناء عمليات التفتيش وإغلاق الطرق، أوقفت سيارة في منطقة موشاف يعارا. وخلال توقيف السيارة، شكّل المنفّذ المسلّح خطراً على الشاباك وقوات الجيش الإسرائيلي الذين حيّدوه وقتلوه. وعُثر بحوزته على أسلحة وأحزمة ناسفة جاهزة للاستخدام وأشياء أخرى.

 

وتشير التقديرات إلى أنّ تحييد المسلح حال دون وقوع هجوم آخر. كما تبيّن وفق البيان أنّه بعد الهجوم قرب مفترق مجدّو أوقف المسلح سيارة وطلب من السائق قيادتها شمالاً، في إيحاء الى أنّه كان ينوي العودة إلى لبنان. وذكرت إسرائيل أنها تحقق في مسؤولية «حزب الله» عن هذه العملية الخطيرة.«ذئاب منفردة» أم منظّمة؟

 

بالتزامن مع هذا الإرتباك الإسرائيلي في البحث عن هوية منفذ العملية وعن طريقة تنفيذها صدر بيان باسم المجلس الثوري لـ»قوات الجليل- الذئاب المنفردة» يتبنى فيه المسؤولية. ولكن هذا البيان لم يضع حدّاً للبحث عن تفاصيل هذه العملية وخلفياتها وعن مسؤولية «حزب الله» عنها. لأنّه على ما يبدو يظهر أنّ «الذئاب المنفردة» ليست منفردة وأنها تتحرّك ضمن تشكيل أمني مترابط وإن كان يتشكّل من خلايا منفصلة. والخطير في هذا الموضوع مدى تمكّن إسرائيل من ربط هذه العملية وغيرها بـ»حزب الله» وإعطائها أهمية أكبر من عملية القدس.

 

قبل عملية مجدّو طرأت تطورات هامة على الحدود بين لبنان وإسرائيل عندما أعلن الجيش اللبناني، يوم الأحد، 5 آذار الحالي، أنّه أجبر دورية عسكرية إسرائيلية على التراجع عن الحدود الجنوبية بعد خرقها الخط الأزرق في بلدة عيتا الشعب بمسافة متر واحد تقريباً، وهي كانت تعمل على ما تعتبر أنه نقاط فراغ تسمح بالتسلل عبر الحدود إلى داخل الأراضي التي تسيطر عليها. وكانت حصلت أكثر من عملية من هذا النوع في المرحلة الأخيرة ذهاباً وإياباً بالإضافة إلى استمرار الكشف عن عمليات ضبط أسلحة ومخدرات تُهرَّب من لبنان إلى إسرائيل عبر أكثر من نقطة حدودية. وقد عملت القوات الإسرائيلية في تلك المنطقة على جرف الأراضي ونصب شريط شائك. فهل كان الأمر يتعلّق بمعلومات أمنية عن خرق عبر الحدود قبل تنفيذ عملية مجدّو؟ وهل للتدابير الإسرائيلية علاقة بهذا الأمر؟

 

فوق الأرض أم تحتها؟

 

من غير الواضح بعد ما إذا كان العبور يحصل من فوق الأرض أم من تحتها. في 13 آب 2021 قالت إسرائيل إنها كشفت عن شبكة أنفاق تابعة لـ»حزب الله» تمتدّ عبر لبنان ومخصّصة لنقل الأفراد والأسلحة، تمّ حفرها بمساعدة كوريا الشمالية وأنّه بدأ بهذا العمل بعد حرب تموز 2006. وتمكّنت إسرائيل من تحديد عدد من هذه الأنفاق ومن تدميرها من دون أن يصدر في المقابل أي تحقيق حولها من جانب قوات الأمم المتحدة أو من جانب الجيش اللبناني. واستراتيجية الأنفاق طبّقها «حزب الله» كما فعلت «حركة حماس» في قطاع غزة، واعتُمِدت بشكل كبير سابقاً في منطقة رفح بين مصر وقطاع غزة، وكان «حزب الله» يستخدمها للوصول إلى القطاع وتهريب الأسلحة بالتزامن مع نقل هذه الأسلحة أيضا عبر البراميل في البحر قبالة شاطئ غزة.

 

اللافت في موضوع عملية مجدّو التعتيم الإسرائيلي حول أهداف العملية. ربّما كان الأمر مقصوداً لاستكمال التحقيق وربّما كان أيضا بسبب نقص المعلومات. يحصل ذلك بينما لم تتوفّر بعد توضيحات لعلامات استفهام كثيرة مرتبطة بالعملية. إذا كان «حزب الله» على علاقة بها فيجب تحديد علاقته بالمنفّذ وبطريقة انتقاله من لبنان إلى داخل إسرائيل ولماذا اختار أن تكون العملية في حيفا مثلاً مخاطراً في اجتياز هذه المسافة الطويلة وكيف اجتازها ومن ساعده؟ وهل اختيار المكان البعيد كان لإبعاد الشبهة عن تسلّله من لبنان؟ ومن كان المستهدف في عملية التفجير؟ هل كانت بهدف قتل أي كان من الإسرائيليين؟ أم كان هناك هدف محدّد لم يعلن عنه؟

 

هل يعقل مثلاً أن تكون العبوة جُهِّزت في لبنان وانتقلت مع حاملها من لبنان وحُضِّرت على طريقة «حزب الله» وزُرعت في حيفا وفُجِّرت لتصيب مستوطناً إسرائيلياً؟ وكيف نجح المنفّذ في الخروج من مسرح العملية؟ وكيف تمكّن من توقيف سيارة لتقله إلى الشمال في طريق العودة إلى لبنان؟ وهل كان فعلاً ينوي العودة إلى لبنان؟ وكيف تمكّنت قوى الأمن الإسرائيلية من تحييده كما قالت ثم قتله على رغم أنّه كان يحمل أسلحة وأحزمة ناسفة؟ وهل كان ينوي تنفيذ عملية انتحارية أم أن يفجر نفسه فقط عندما يتم القبض عليه ولماذا لم يفعل؟

 

لماذا صمت «الحزب»؟

 

عندما أعلنت إسرائيل أن المنفّذ قد يكون فلسطينيا أتى من أحد مخيمات الفلسطينيين في لبنان، هل كانت تريد أن تحافظ على قواعد الإشتباك التي تلتزم بها مع «حزب الله» منذ حرب تموز 2006؟ وهل صمت «حزب الله» يصبّ في الخانة نفسها؟

 

هدّدت إسرائيل برد مناسب على أهداف محددة يمكن أن تحمّلها مسؤولية عملية مجدّو. ولكن لماذا تعطي هذه العملية هذا الحجم من الخطورة والإهتمام؟ ظاهر الردود الإسرائيلية يوحي بالقوة والحزم ولكن في الواقع يبدو أن هذا المستوى العالي من الردود قد ينخفض بحيث يتم التقليل من هذه الخطورة واعتبار أنّ منفّذ العملية تحرّك منفرداً وأنّه «ذئب منفرد» حتى لو كان تلقى تدريبات لدى «حزب الله» مثلاً. و»الحزب» بدوره لن يتبنى العملية ولن يكشف عن أي تفاصيل عنها.

 

منذ اغتيال مسؤوله الأمني القيادي عماد مغنية في 12 شباط 2008 في دمشق، فشل «الحزب» في الردّ المناسب على إسرائيل رغم توعّده الدائم بالإنتقام. بينما نجحت إسرائيل في اغتيال عدد غير قليل من كوادره في لبنان وفي سوريا، في حرب أمنية مفتوحة أمسكت بمفاتيحها لتطوي الصفعة التي تلقّتها في أكبر عملية نجح فيها «حزب الله» في 4 أيلول 1997 في كمين أنصارية في جنوب لبنان، الذي وقعت فيه وحدة كوماندوس إسرائيلية وسقط لها فيها 12 قتيلاً.

 

في حرب «الذئاب المنفردة» أو المنظمة يعود السؤال هل يدفع لبنان الثمن؟ وهل يتحمّل حرباً محدودة أو واسعة؟ وفي ظلّ غياب الدولة وانهيارها من يتحمّل مسؤولية الأمن على الحدود لتجنيب لبنان الدخول في أنفاق لا خروج منها؟