Site icon IMLebanon

من بيّْ الكلّ إلى عمّ الكلّ

 

لعلّ الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون لم يكن يريد في الأساس لقب «بيّْ الكل». كأن أحداً ورّطه به. هو «بيِّ» جماعته فقط، وفي الدائرة الضيقة تحديداً، وهو يفضّل ادخار أبوّته لبناته وأحفاده. والحصّة الأكبر من هذه الأبوّة، بالطبع، تبقى لـ»زينة الدائرة»، الصهر الغالي، جبران باسيل.

 

وعلى ما دلّت سيرة الرجل، منذ إقامته الأولى في «قصر الشعب»، هو يعتبر من ليس معه عدواً تنبغي إزالته عن الخريطة السياسية. وكذلك من كان معه وعارضه أو اعترض على ما لحق به من ضرر وظلم واستبعاد على يد جبران، كاللواء عصام أبو جمرة، رفيق دربه في بعبدا وفي المنفى. لا مكان لوجهات النظر المتنوعة أو الخلافات في الرأي التي يفترض أنّها لا تفسد في الود القضية.

 

لا ودّ في القاموس العوني… حتى تجاه جماهيره ومناصريه الذين لبّوا النداء ونصبوا الخيم في باحة قصر بعبدا، فهم يؤدّون واجبهم بتقديم الولاء له ولصهره ويؤمّنون استمراريته. هم يبصمون على الطاعة العمياء، شأنهم شأن مريدي الزعماء اللبنانيين الذين صنعوا أحزاباً على قياسهم، لا شغل لمن فيها إلّا تطويبهم قدّيسين أنقياء، أتقياء، قمة الكفر أن تتم محاسبتهم على أفعالهم وارتكاباتهم بحق البلد المنكوب والمواطنين المنكوبين.

 

فوظيفة الجماهير تقتصر على تأمين الزعامة لهذه الطبقة من «الديناصورات» السياسية والحزبية ما دام أفرادها على قيد الحياة، إلى أن يأخذ الله أمانته ويرحلون عن الدنيا الفانية.

 

من هنا، لم يعمل عون على الاستثمار في لقب «بيّْ الكل»، لأنّ للأبوة مواصفات لا يريدها، وأولاها الحكم الرشيد والعادل بين الجميع، لذا هو يفضّل تصنيفه على أنه «الرئيس القوي». فالرجل ربما يخاف إن اعتبره أنصاره أو خصومه انساناً عادياً كما باقي البشر، ولم يُظهر قوة وجبروتاً. لعلّهم حينها يستضعفونه، لذا اعتمد التهديد والوعيد والتنديد أسلوباً خطابياً… وصدّق نفسه وصدّق حملة المباخر من حوله، وانتشى وهو يغادر منصبه على إيقاع الهتافات والتصفيق.

 

وهو يعتقد أنّه على حق، بل هو وحده صاحب الحق، ومن يدعمه ويسانده ينتهج نهج الصواب، ومن يخالفه ملعون إلى يوم الدين، حتى لو كان شعباً بأكمله، ومن لا يعجبه يستطيع أن «يفل» وإن لم يستطع… فله جهنم وبئس المصير.

 

هو اختبر الرئاسة واستفاد من خبرته، على ما قال، بالتالي ليس مهماً تحويل المسؤولية والوطن حقل تجارب، قبل المنفى وخلاله وبعده. المهم أنّ التجربة تساهم في نضج خياراته وقرارته، حتى من خلال الإخفاقات المتراكمة، والتي يمكن تجميلها وفلسفتها لتوحي بأنّها إنجازات وانتصارات.

 

المهم التمسّك بالقوة، ابتزازية كانت أو عدمية، أو حتى انتفاعية واستغلالية من خلال الاستثمار في تحالف «مار مخايل» والاعتماد على عضلات «حزب الله» لتحصيل كتل نيابية وحقائب وزارية.

 

لا شيء غير القوة… أيّاً كان مصدرها، ومهما تطلّبت من مسح المواقف السابقة وتحويل عدو الأمس إلى حليف اليوم وبوسام لزوم ما سوف يستجد ليصبّ في صالح قضيته… وبالطبع، ممنوع على أيّ كان أن يحاسبه.

 

أمّا لماذا لم تثمر قوة عون شيئاً على أرض الواقع، ولماذا ازداد اللبنانيون بؤساً في عهده غير الميمون، فالجواب حاضر مع سيناريو المؤامرة ضده وضد صهره، وبتفاصيله المملة.

 

ووفق هذه المعادلات المتضاربة والمقلقة، لا يزال عون ممسكاً بآلية استكمال النضال… فهو جدد عزمه على متابعة المسيرة، حتى ينجح في توريث صهره الغالي، إذا ما ارتأى الحاكم بأمره ذلك ومهّد الساحة لهذه الرؤية بطريقة يجيدها ونعرفها بعدما اكتوينا بنارها أكثر من مرة. حينها يعود «بيّْ الكل» إلى قصر بعبدا، وهذه المرّة بصفته «عمّ الكل» إذا ما تحقق حلمه الوحيد والأوحد برؤية جبرانه «فخامة الرئيس».