Site icon IMLebanon

وداعاً أيها المعلّم

 

قصتي مع دولة الرئيس ميشال المر ونجله الياس قصة عمر، بل أجمل ما في العمر.

 

كنت محظوظاً أنني عايشت هذا الرجل الإستثنائي في اليسير من سيرته، وشهدت على بعض من وقفاته وإنجازاته، وكنت محظوظاً أكثر أن أتعلّم منه وأكسب ثقته ومحبته.

 

عاش العمر سياسة، عشقها، أدمنها، جعل منها فناً. والواقعُ أنّ الحياة السياسية لم تكن منصفة دائماً مع ميشال المر، لكنه كان دائماً منصفاً مع جميع من عرفوه وأحبّوه.

 

وهبه الله نجاحات وخذلته الحياة مرات ومرات، لكنه لا نسي فضل الله ولا انكسر يوماً، لا وقت تفجير سيارة مفخخة بموكبه في انطلياس ولا في أي شدّة عاكسته، وإنما كان يعود في كل مرّة أكثر صلابة وعزماً ونجاحاً.

 

غير انّ صلابة الرئيس المر لم تستطع أن تُغالب عاطفته كإبن وأب، فما حَبَس دمعته في حدثين: لحظة وداع والدته إلى مثواها الأخير، ويوم نُقل نجله الياس، نائب رئيس الحكومة ووزير الدفاع، إلى المستشفى مصاباً في تفجير سيارة مفخّخة استهدفت حياته في انطلياس أيضاً.

 

حَظي بألقاب كثيرة وكبيرة: صانع الرؤساء، الوزير السوبر، الوزير القبضاي، دولة الرئيس… لكن أحبّ الألقاب إلى قلبه كان أبو الياس.

 

أرسى ميشال المر ثلاثية مقدّسة خاصة به وكرّس لها حياته، هي السياسة والعائلة وخدمة الناس. قد يكون ساوم على مواقف في السياسة، وهذا من ضمن قواعد العمل السياسي، لكنه لم يساوم أبداً على خدمة الناس ولا على أولوية العائلة.

 

من الصعب جداً، إن لم يكن من المستحيل، أن تجد سياسياً مثل ميشال المر، يعمل 18 ساعة في اليوم، ويستقبل الناس حتى منتصف الليل في العمارة، ولا شيء يُفرحه أكثر من تلبية طلب أو خدمة أو مساعدة، وفي وقت قياسي.

 

كان مكتبه في وزارة الداخلية يعجّ بالسياسيين والنواب والإعلاميين، في «ديوانية الخميس». كانوا يأتون للتزوّد بالمعلومات وأسرار الدولة والكواليس، ويخرجون محمّلين بالخدمات لكل المناطق والطوائف.

 

مهما تحدّثنا عن إنجازات ميشال المر وبصماته، في حقبة مهمّة وأساسية في تاريخ لبنان، وديناميته وصلابته وصفاته وطيبة قلبه وكرمه الأبعد من الوصف، وما قام به من أعمال خير، لا نفيه حقّه. حتى انّ واقع حالة الطوارئ الصحية في البلاد عاكست رغبة محبيه على مستوى الوطن، وأبناء منطقته وعرينه بتغرين، في إلقاء تحيّة الوداع والنظرة الأخيرة على من وقف إلى جانبهم طيلة 60 عاماً.

 

دولة الرئيس، أرقد بسلام فإنّ الله وحده يفيك حقّك.