Site icon IMLebanon

جلسة وزارية للسلاح: الحدّ بين الخلاص والخراب… “التنفيذ”

 

شعر المسؤولون اللبنانيون بـ”السخن” بعد زيارة المبعوث الأميركي توم برّاك الأخيرة إلى بيروت وما أعقبها من مواقف صارمة أطلقها، دلّت على أن الإدارة الأميركية ومعها إسرائيل لم تعجبهما لا ورقة لبنان – الرسمي، ولا مقاربته لملف سلاح “حزب الله” ولاتفاق وقف النار.

 

وارتفع منسوب قلق أهل الحكم، بعد سماع رئيس الحكومة نواف سلام تنبيهات فرنسية في قصر الإليزيه، من خطورة عدم التجاوب مع الورقة الأميركية والمبادرة سريعًا إلى خطوات فعلية في مسار حصر السلاح بيد الدولة، وهي تحذيراتٌ سمعها أيضًا رئيس الجمهورية العماد جوزاف عون في البحرين الأسبوع الماضي، في وقت نقل وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان ومسؤول الملف اللبناني في المملكة يزيد بن فرحان والسفير السعودي وليد البخاري، في أكثر من محطة، تأييدَ الرياض ورقة واشنطن وخشيتَها من ارتدادات عدم تنفيذها على أمن لبنان، مع تنبيهٍ من أن بقاء ميليشيا “حزب الله” قوية في بيروت، سيعني أن لا دعم دوليًا لها.

 

الجلسة – المخرج

 

وجد لبنان الرسمي نفسه إذًا أمام جدار عالٍ وصلب، وأمام صفّ دولي مرصوص يستعجله جمعَ السلاح غير الشرعي و”إلا”… ففهم أنه لا بد له من القيام بأمر ما، لإظهار جديته وإبعاد شبح الحرب الإسرائيلية أو القطيعة الدولية.

 

المتنفّس الذي وجده في جلسةٍ لمجلس الوزراء الثلثاء المقبل يبحث فيها ملف سلاح “حزب الله” ويتخذ قرارًا بتسليمه إلى الدولة وفق جدول زمني يتم إقراره. الخطوة قيد الدرس بين بعبدا وعين التينة والسراي من جهة، وبين القوى السياسية الوزارية من جهة ثانية، لا سيما بين معراب والصيفي وكليمنصو، لتوحيد الموقف.

 

خشبة الخلاص

 

لكن وفق ما تقول مصادر سيادية لـ “نداء الوطن”، فإن الجلسة العتيدة قد تكون خشبة خلاص للبلاد، لكنها قد تكون أيضًا، سقطة إضافية، وربما قاتلة، للبنان. فبغضّ النظر عن مشاركة وزراء “الحزب” فيها أم مقاطعتهم، إذا خرجت بمقررات سيادية واضحة، وبخطة حاسمة، وشرع الجيش اللبناني في تطبيقها على أرض الواقع بعد أمرٍ سياسي، سيكون لبنان اجتازَ قطوع الحرب ووضع أخيرًا “رجله” الأولى، في قطار التسوية الإقليمية الكبرى المقبلة إلى المنطقة.

 

اللعب بالنار

 

أما إذا كان الغرض من الجلسة، تأكيد قرار حصرية السلاح “لفظيًّا” أو وضع خطة لهذا الموضوع، لتبقى لاحقًا حبرًا على ورق، بمعنى آخر، إذا كان هدف الجلسة الهروب إلى الأمام وشراء الوقت و”الضحك” على المجتمع الدولي من خلال اتخاذ قرار ومن ثم عدم تنفيذه، كما حصل في قرار جمع سلاح المخيمات الفلسطينية مثلًا، فعندها سيحترق  لبنان بالنار التي يلعب فيها، إن لم يكن ذلك على يد إسرائيل، فمِن خلال عزلةٍ عربية – غربية.

 

برّاك كان واضحًا: الأفعال أهمّ من الأقوال. وهذا الأمر يسري أيضًا على القرارات الحكومية. النوايا والبيانات لم تعد تكفي، والمجتمع الدولي يريد رؤية ترسانة “حزب الله” تُفكّك. فحذارِ التذاكي، تختم المصادر.

 

 

ماريانا الخوري

الحياة في لبنان: قبل ولاية الفقيه وبعدها

 

 

من الانفتاح إلى الأدلجة الطائفية… كيف غيّرت الثورة الإسلامية وجه المجتمع؟

 

في لبنان، لا شيء بقي على حاله. فمن مجتمع متنوع، متصالح مع ذاته، منفتح في عاداته وتقاليده، تحوّل الواقع تدريجيًا إلى مشهد تغلب عليه المظاهر الأيديولوجية والانقسامات العقائدية. لم يكن في شوارع بيروت حضورٌ واسع لما يُعرف اليوم باللباس الشرعي بالشكل الذي نراه الآن، ليس تقليلاً من شأن الحجاب أو انتقاصًا من خيارات فردية مشروعة، بل توصيفًا لتحوّل اجتماعي عميق، نقل الدين من مساحة شخصية إلى مشروع سياسي جامع بين العقيدة والسلاح.

 

العام 1979 لم يكن مجرد سنة عابرة في التاريخ المعاصر. لقد شكّل انتصار الثورة الإسلامية في إيران لحظة مفصلية في تغيير طبيعة المجتمع الشيعي، ليس في إيران وحدها، بل أيضاً في لبنان، الذي تحوّل تدريجيًا إلى ساحة لتصدير الفكر الثوري الإيراني تحت راية ولاية الفقيه.

 

أدلجة ممنهجة

قبل 1979، كان الشيعة في لبنان طائفةً كباقي الطوائف، منفتحة اجتماعيًا ومندمجة في النسيج الوطني اللبناني. لكن بعد الثورة، أصبحت الطائفة الشيعية شيئًا آخر. فقد انطلقت عملية أدلجة ممنهجة حوّلت هذه الطائفة إلى بيئة مغلقة، تتغذى على الشعارات العقائدية والتعبئة الدينية تحت ستار «الجهاد» و»مواجهة إسرائيل»

 

تم تنميط المجتمع الشيعي تدريجيًا، لا فقط على المستوى العسكري والسياسي، بل على مستوى الهوية والانتماء والسلوك الثقافي اليومي. حتى المناسبات الدينية، وعلى رأسها عاشوراء، التي كانت تقتصر سابقًا على إحياء اليوم العاشر، أصبحت لاحقًا منصّة للخطاب السياسي العقائدي، تُستخدم لتلقين الجماهير مفاهيم عقائدية وتعبوية تُغذّي الانتماء الأيديولوجي وتشدّ العصب الطائفي.

 

 

الطاعة العمياء

تحت ولاية الفقيه المطلقة، تتحول العلاقة بين الإنسان والعقيدة إلى علاقة استسلام مطلق. فـالولي الفقيه هو «المسدّد بعيون المهدي»، وبالتالي لا مجال لمناقشة ما يصدر عنه. كل من يتلقى هذا الفكر، يتحول إلى متلقٍ بلا نقاش، يسير وفق ما يُؤمر به، لا وفق ما يُقنعه العقل والمنطق.

 

 

 

وليس أجمل أو أفضل من المناسبات الدينية لتلقين الشخص المفاهيم تحت ستارها، فالمناسبة هنا تصبح وسيلة للشدّ الطائفي وتثبيت الولاء، وخلق بيئة تخدم مشروعًا أيديولوجيًا لا يقبل الآخر، ولا يقرّ بالعيش المشترك.

 

 

الجهاد لم يكن فقط ضد إسرائيل

نص الرسالة المفتوحة التي وجهها «حزب الله» إلى المستضعفين في لبنان والعالم في 16 شباط 1985، يشكّل مرجعًا واضحًا لهذه المنهجية، إذ ورد فيه تحريض صريح وشدّ للعصب الشيعي، وتحديد واضح للأعداء: إسرائيل، أميركا، فرنسا. كما وردت فيه المفاهيم الثقافية والفكرية لـ «الحزب»، وكيفية العمل على ترسيخ الفكر الإسلامي في لبنان، استنادًا إلى مفهوم ولاية الفقيه المطلقة.

 

فلم يكن الصراع يقتصر على مواجهة إسرائيل. بل شمل أيضاً ما وصفه «حزب الله» بـ «العدو الصليبي»، في إشارة إلى الكتائب اللبنانية.

 

 

تسويق التطرف السنّي

ما هو لافت أيضاً، أن الثورة الإسلامية في إيران لم تكتفِ بأدلجة المجتمع الشيعي فحسب، بل ساعدت في تسويق التطرف السنّي خاصة في الشمال. ففي العام 1987، صادق الموسوي، أحد أبرز العقول التي كانت تقف خلف فكرة إنشاء الجمهورية الإسلامية في لبنان، رشّح الشيخ سعيد شعبان لرئاسة الجمهورية. «حزب الله» جسّد «يوم القدس» و»أسبوع الوحدة الإسلامية»، وبالتالي ساعدث الثورة الإسلامية في إيران في احتضان وتطوير التطرف عند الطائفة السنية.

 

المرجعية الفكرية المطلقة لولاية الفقيه

ولاية الفقيه المطلقة لم يستحدثها الخامنئي، بل استقاها من مرجع شيعي عاش في القرن السابع عشر في عهد الخراجي، ويدعى المراقي. هذا يعيدنا إلى فهم الجذور الفقهية لهذا المشروع، الذي لم يُبتكر من فراغ، بل بني على منظومة دينية ترى في الفقيه ظلّ الله على الأرض، وبالتالي تحجب عنه النقد والمحاسبة.

 

فخامنئي، الذي ورث نظرية ولاية الفقيه المطلقة عن مرجعيات شيعية في القرن السابع عشر، لم يكتفِ بتطبيقها في الداخل الإيراني، بل جعل منها مشروعًا عابرًا للحدود، يبدأ من العراق، ويمتدّ إلى سوريا، ويترسّخ في لبنان عبر «حزب الله»، كأنهم يقولون للشعوب: «أنتم كفار، ونحن جئنا نهديكم».

 

التحوّل في لبنان ما قبل ولاية الفقيه إلى ما بعدها، ليس تحوّلاً في الزيّ أو الشعارات فقط، بل في البنية النفسية والفكرية والثقافية لمجتمع بأكمله.من الشيعة المتصالحين مع التنوع اللبناني، إلى جماعة مؤدلجة تُشدّ إلى مرجعية دينية خارج الحدود، تغيّر وجه لبنان، وانقسمت الهويات، وتحوّل الدين من مساحة روحانية إلى سلاح تعبوي خطير.

 

إنها قصة أدلجة مجتمع، تبدأ من زيّ شرعيّ، ولا تنتهي بـ»الولاية» أو «الخلافة»، لكنها تمرّ حتماً بتدمير المفهوم الوطني الجامع.