Site icon IMLebanon

المناقصات “تتبخّر”… أين الرقابة يا “غجر”؟!

 

ما بين المناقصة الثانية لاستيراد 150 ألف طن من البنزين التي فازت بها شركة “Green Energy”، والمناقصة الاولى للعام الجاري لاستيراد 180 ألف طن من مادة الديزل أويل والتي فازت بها شركة”Pontus Petroleum ” تخبّطات وضغوطات وصفعات متتالية لَفَقَتها وزارة الطاقة بالإنابة عن منشآت النفط في طرابلس والزهراني، ولجنة إدارتها.

فازت شركة “Liquigas Liban” أمس بمناقصة استيراد 180 ألف طن من الديزل أويل بكلفة 17.95 دولاراً (وهو ما يُعرف بالـ premium price) للطن. وهنا لا بدّ من الاشارة الى أنّ الشركة المؤهلة هي التي تقدّم السعر الارخص كبدل كلفة التأمين وسعر النقل والمراقبة في البلد الذي يتم الاستيراد منه وفي البلد الذي يستقبل المواد النفطيّة.

 

أتت مناقصة الامس كدعامة لسابقتها، تحديداً بعدما عجزت شركة “Pontus Petroleum ” عن تأمين الكميّة المطلوبة من الديزل أويل (المازوت) لصالح منشآت النفط، متحجّجة باستحالة فتح الاعتمادات اللازمة بالدولار من قبل مصرف لبنان، ومستغلّة “تساهل” إدارة المنشآت غير المبرّر مع شركات منعدمة الخبرة وفي أوقات كهذه. وإذا كانت “اللجنة” قد نظمت مناقصة ثانية لـ”تغطية” خطيئتها المفتعلة في الاولى، فذلك يعني أنها قد تُعيد طرح مناقصة جديدة لاستيراد البنزين بعدما عجزت شركة Green Energy عن شراء حاجة المنشآت من البنزين.

 

لكن وقبل كلّ شيء، ولمن لا يتذكّر واقعة التسلّم والتسليم بين وزيرة الطاقة السابقة ندى بستاني والوزير الحالي ريمون غجر، ففي تاريخ 24/‏01/‏2020، أعلنت بستاني قرار رفع حصة الدولة باستيراد البنزين من 10% الى 35%، أسوة بالديزل، على حدّ تعبيرها. آنذاك بَدَت الوزيرة مصرّة على استكمال مناقصة استيراد مادة البنزين، باسم الدولة رغم المخالفات القانونية التي غالباً ما تشوب مناقصات الطاقة وتحديداً تلك المرتبطة بمنشآت النفط في طرابلس والزهراني.

 

مرّ الاعلان على مسامع اللبنانيين والمعنيين مرور الكرام. وحتى اللحظة، تبدو حصة “الدولة” في السوق المحلية مجرّد بدعة من بدع الوزارة وهي للمناسبة كثيرة. فبعدما فازت شركة “ZR Energy” بأول مناقصة لاستيراد البنزين لصالح منشآت النفط في طرابلس والزهراني، بـ 39 دولاراً، فازت شركة ” Green Energy” بالمناقصة الثانية في 26 شباط المنصرم. قدمت “Green Energy” سعراً أرخص بنحو 30 $ للطن الواحد (أي 9 $) وذلك يعني بحسب الخبراء أن السعر الزهيد يعود إما لافتقار الشركة إلى أدنى الخبرات في المجال، وإلا لأدركت أن السعر المقدّم سيكبّدها خسائر كبيرة؛ أو أنها تنوي استيراد البنزين من منشأ مجهول المصدر، أو أن مصدر البضاعة سيكون من الجمهورية الإسلامية الإيرانية ما يبرّر السعر المقدّم.

 

من الطاقة المتجدّدة الى طاقة المواد النفطيّة

 

على مقلب آخر، ولنفترض مجاراة نهج ” Green Energy ” الحسابيّ، يتبيّن أن المناقصة الاخيرة يمكن أن تدرّ أرباحاً تناهز 4.5 ملايين دولار إضافية (150.000X30$) لصالح محفظة منشآت النفط، مع الاشارة الى أن الدولة وخزينتها العامة لا تستفيدان بفلس واحد من عمليات التجارة هذه، وإلا لما كانت لجنة ادارة المنشآت متمسّكة بدفاتر حساباتها وميزانياتها بغموض وحذر.

 

بالنظر الى سيرة “Green Energy” التجارية، يتّضح أن ليس لديها أي خبرة او محفظة بأي عمليات متخصصة بتجارة المحروقات بالأخص تلك المتعلقة بعمليات نقل واستيراد المشتقات النفطية. وهنا تستغرب أوساط متابعة السبب القابع خلف السماح لـGreen Energy بالمشاركة بمناقصة بهذا الحجم، كما وكيفيّة تمرير ملفّها حتى تتمكّن من بلوغ مرحلة التقييم المالي ومن ثمّ الفوز بالمناقصة. فبحسب الخبرة المعلن عنها على موقع الشركة الالكتروني، تعمل “Green Energy” في مجال الطاقة المتجددة، وهي لم تتعاطَ قطّ ومنذ تاريخ إنشائها (21/‏12/‏2011) أي نوع من التجارة بالمواد النفطية التي تتعارض مع نطاق الشركة. لا تنتهي المسألة عند هذا الحدّ، فبالإضافة الى ذلك، لا يتجاوز رأسمالها الـ100 مليون ليرة لبنانية، (أي نحو 35 ألف دولار وفقاً لسعر الصرف اليوم) ورغم ذلك، اشتركت بالمناقصة الثانية لاستيراد البنزين بكمية 150000 طن واستحوذت عليها. ما حصل بعدها أن الشركة الفائزة عجزت عن تأمين الكفالة المصرفية اللازمة حتى تتمكن من البدء في استيراد البنزين وبذلك تكون المناقصة الثانية مستحيلة التنفيذ لا سيّما في ظلّ عدم توقيع العقد حتى الآن وبعد الطلب من وزير الطاقة تمديد المهلة ريثما يُصار الى ايجاد حلّ لأزمة الاعتماد بالعملة الخضراء. المنشآت… “دُويلة الطاقة”

 

كلّ شيء وارد في “دويلة” منشآت النفط في طرابلس والزهراني. حيث تجاهلت اللجنة أو أنها غضّت النظرعمداً عن قضية الغوص في تفاصيل رأسمال “Green Energy” كما و Puntos Petroleum وخبرتها السابقة وملاءتها المالية التي من شأنها ان تؤهلها إدارياً وتقنياً للمشاركة في المناقصة، عملاً بالقوانين المرعية الاجراء المنصوص عليها في قانون المحاسبة العمومية والتي من المفترض أن تلتزم بها الوزارات والادارات العامة لإجراء المناقصات.

 

فكيف لشركة من طراز “Green Energy” ان تفوز بمناقصات بملايين الدولارات وهي عاجزة عن تأمين كفالة مصرفية بمليونَي دولار لحسن سير المشروع وبعدها المباشرة بتنفيذ شروط المناقصة؟ أوليس لديها حسابات خارجية كأي شركة نفطية وتستطيع الارتكاز عليها للايفاء بعقودها والتزاماتها؟ الدولة…ترسب

 

في الواقع، رسبت المنشآت وإدارتها في أول امتحان يؤهلها الى الاستحواذ على 35% من السوق المحلية وذلك بعد الشح في مخزون الديزل أويل، ما دفع برئيس اللجنة سركيس حليس الاسبوع الماضي الى الطلب من موظفي المنشآت في طرابلس التوقف عن الذهاب الى العمل وعدم تسليم أي كميات من المحروقات، على عكس ما أوعز به إلى منشآت الزهراني التي استمرت بالتسليم لكن لمن ينتمي الى نظام المحاصصة ويشكل جزءاً من حلف “الواسطة” المهيمن على المنشآت ككل. بذلك يبدو أن ليس هناك من يحصي المخزون ولا من يُجدول الشحنات ليضمن عدم الشح في الخزانات، أو أن من يحصي المخزون يُفرغه عمداً بغية اللجوء الى طرق ملتوية وتأمين المواد النفطية من مصادر من خارج الاتفاقيات في المناقصات وبعيداً من هامش دفاتر الشروط.

 

أما الخطورة، فظاهرة في الغياب التام لأي لجنة تقنية تدقق في كفاءة وخبرة الشركات المشاركة في المناقصات. وهذا على الاقل ما أكدته مهزلة مناقصتَي “Green Energy” و”Puntos Petroleum” ليبقى الطلاق الحاصل ما بين الادارة العامة و”دويلة المنشآت” فوق أي محاسبة ومساءلة وحتى ملاحقة قضائية. في هذا الاطار هناك احتمال من اثنين لا ثالث لهما: إما أن الوزراء المتعاقبين فشلوا في مكافحة الفساد لان من يدير المنشآت أقوى منهم، أو أنهم باتوا شركاء في نظام المحاصصة والسمسرات رغم الخلاف السياسي بينهم وبين راعي رئيس لجنة ادارة منشآت النفط…وحاميه. وفي كلتا الحالتين، تفاجر المنشآت بالتفرعن فيما الوزارة تكتفي بالتفرّج والتستّر.