Site icon IMLebanon

الذين حاولوا القضاء على القوات أنظروا إليهم كيف يتساقطون (2من2)

 

 

 

في احتفال إعلان النصر بانتخاب رئيس ونائب رئيس اتحاد بلديات البترون في بلدة كور، في 21 حزيران الحالي، استعرض رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع تاريخ البترون، معتبرًا أنها أثبتت منذ بداية الحرب في لبنان عام 1975، “أنّها كانت قلعة “الجبهة اللبنانية”، وعادت اليوم بعد هذه الانتخابات لتكون مجددًا قلعة “الجبهة اللبنانية” والحرية والسيادة والاستقلال، وقلعة كل شاب وشابة يريدون أن يروا المستقبل أمامهم”. جعجع كان يتحدّث عن مستقبل جديد للبنان من ضمن مستقبل جديد للمنطقة، التي تفتح فيها صفحات جديدة بعد انهيار نظام الأسد في سوريا، والضربة التي تلقّاها نظام ولاية الفقيه في إيران، و”حزب الله” في لبنان. إنها مرحلة انتصارات تقابلها هزائم.

جولة الانتخابات البلدية في الشمال كانت الثانية بعد جولة أولى في جبل لبنان، وقبل الجولتين التاليتين في البقاع وزحلة وبيروت وفي الجنوب. كانت نتائج هذه الانتخابات تُقرأ قبل حصولها من خلال التحوّلات الكبيرة التي حصلت، وتستمرّ في الحصول، في لبنان والمنطقة. الطلائع الأولى لنتائج هذه الانتخابات كانت بدأت تظهر في جبل لبنان من خلال التحوّلات الكبيرة في الرأي العام، والتوازنات في الشارع المسيحي خصوصًا. فقد أظهرت الجولة الأولى افتقار “التيار الوطني الحر” إلى التحالفات، واضطراره إلى خوض معارك في ظل شخصيات أو أحزاب أخرى، حتى لا تنعكس عليه الخسارة مباشرة، وحتى يتبنّى أي فوز في أي بلدية، حتى لو كان من خلال عضو في المجلس البلدي. وهذا ما دأب رئيسه جبران باسيل على إظهاره بعد كل جولة. ولكن سرعان ما كانت النتائج تأتي في الغالب عكس ما يحاول أن يروجه.

 

من زحلة إلى البترون

 

قبل احتفال كور في البترون توجه رئيس “القوات” إلى زحلة في 25 أيار للمشاركة أيضًا في الاحتفال الذي أقيم هناك، بعد الفوز الكبير في بلدية المدينة الذي كان بطعم سياسي واضح، وبفارق كبير في الأصوات، في معركة تحالف فيها الكثيرون من اليمين واليسار ضد “القوات”، وتوقّع فيها كثيرون لها الهزيمة، قبل أن يتأكّد انتصارها.

في البترون استعرض جعجع فصلًا من تاريخ المواجهة مع النظام السوري، ومن بعده مع المحور الإيراني و”حزب الله”. قال بوضوح: “إن المواجهة بدأت بكمين لجيش الأسد على جسر كور وانتهت بكمين في سرايا البترون، حيث تم إخراج أزلام الأسد من المنطقة وأُعيدت قلعة من قلاع “الجبهة اللبنانية””.

 

بخلفية الاحتفال بالنصر قبل أن تكتمل جولات الانتخابات البلدية وتحديدًا بعد جولة زحلة، وقبل جولة الحرب ضد إيران في 13 حزيران الحالي، كان جعجع في 22 أيار يستقرئ، في لقائه مع الكوادر القواتية، النتائج الشاملة لهذه الانتخابات وللمرحلة التي ستأتي بعدها، بانتظار الجولة الحاسمة في انتخابات أيار 2026 النيابية، التي يجب أن تُحدِث التحوّل الكبير على مستوى التمثيل السياسي.

 

 

سنبقى هنا حاملين الراية

 

قال جعجع  بما معناه أنه “إذا نحنا هون اليوم لأن في شباب استشهدوا. ولذلك سنبقى حاملين الراية ولن نتركها في أي لحظة من اللحظات”. وتابع: “المسار الذي سرنا عليه كان يجب أن يوصلنا إلى ما وصلنا إليه اليوم. كان هناك عدو ضدنا، نظام سوريا الأسد، من الأب إلى الابن. حافظ الأسد كان يبتزّ العرب. يأخذ منهم الأموال ويهدّدهم. وأكثر من ذلك يتحالف مع إيران ضدّهم ويتحكّم بالوضع في لبنان، ولم يكن أحد يجرؤ على مواجهته. وكان هناك عدو ثانٍ هو الجمهورية الإسلامية في إيران تحاول أن تغيّر طبيعة لبنان وهويته من خلال “حزب الله”. إيران لولا التدخل الأميركي لكانت سيطرت على كل الشرق الأوسط. كانت تمدّ نفوذها من سوريا إلى لبنان واليمن والعراق، ووصلت في المراحل الأخيرة إلى ليبيا والسودان. صحيح واجهتنا ظروف صعبة في هذه المواجهة ودفعنا أثمانًا كبيرة، ولكن التاريخ اليوم يعود لينصفنا ويقف معنا ويُسقط الذين حاربونا وحاولوا القضاء علينا. أنظروا إليهم اليوم كيف يتساقطون ويخسرون ويختفون عن المشهد كله”.

لم يتعلق الأمر بإيران ونظام الأسد في سوريا فقط. كان على “القوات” كما قال جعجع، “أن تخوض أيضًا مواجهة مع الحالة التي مثلها العماد ميشال عون في قلب المناطق التي كانت عاصية على الاحتلال السوري والإيراني. غشّ عون اللبنانيين والمسيحيين. وهم “انغشوا” فيه. اليوم بعد أربعين عامًا بدأت تظهر الحقائق، وبدأ الناس يكتشفون أن رهاناتهم عليه كانت خاطئة، وأن “القوات” هي التي يمكن أن تصنع التغيير المطلوب لكي يستعيد لبنان دوره وتاريخه وهويته. الحروب التي خيضت ضد “القوات” كانت لأنها بقيت تمثل قوة الدفاع عن لبنان والكيان. طوال المراحل الماضية كان هدف النظام السوري من حافظ الأسد إلى بشار الأسد، وإيران و”حزب الله”، مع كل العاملين معه في لبنان ضرب “القوات” وصورة “القوات”، في كل مواجهة وعندما كان أي مسؤول لبناني، بين هلالين، يزور سوريا وفي أي استحقاق، كان الطلب السوري “افعلوا أي شيء حتى لا تربح “القوات””. هذا ما أراده حافظ الأسد مثلًا بعد عملية 13 تشرين وهذا ما طبقته سلطة الوصاية السياسية والأمنية التي أقامها في لبنان، وهذا ما فعله “حزب الله” من خلال تحالفه مع عون وجبران باسيل”.

 

طلبوا دائمًا ضرب “القوات”

 

هذا كان جوهر الاتفاق مع الجنرال ميشال عون قبل عودته إلى لبنان عام 2005. بدأ الاتفاق أواخر العام 2004 قبل اغتيال الرئيس رفيق الحريري. تبييض سجلّ عون القضائي مقابل التحالف مع أتباع النظام السوري ضد قوى 14 آذار. عون لم يفعل هذا الأمر بعد عودته فقط. فعل مثله وأكثر عندما كان رئيسًا للحكومة العسكرية. طلبوا منه في سوريا أن يضرب “القوات” ليقبلوا به رئيسًا. قام بعملية 14 شباط 1989 ضد “القوات”. ولكنهم لم يقبلوا به. فارتدّ على النظام السوري وأعلن حرب التحرير التي كانت فاشلة وخاسرة بكل المقاييس وأوصلت إلى اتفاق الطائف. وحتى بعد كل الهزائم العسكرية وعلى رغم مساندة “القوات” له في هذه الحرب، ارتد عليها في “حرب الإلغاء” لكي يؤمّن بقاءه في قصر بعبدا. عندها دعمه النظام السوري حتى يكمل الحرب ضد “القوات”. وقبل أن تحصل عملية 13 تشرين كان شرط الأسد أن يخسر عون ولكن ألا تربح “القوات”.

وتطبيقًا لهذه الاستراتيجية التي حملها دائمًا النظام السوري استمرّت الحرب ضد “القوات”، فتم حلّ الحزب واعتقال سمير جعجع. ولكن النتيجة كانت معاكسة تمامًا للهدف الذي وضعه النظام السوري، الذي خرج بجيشه ومخابراته من لبنان قبل أن يخرج جعجع إلى الحرية ويستعيد دوره السياسي، وتستعيد “القوات” قوة حضورها وتمثيلها حتى وصلت إلى هذه المرحلة التي عاد فيها إليها حقها الطبيعي.

 

انقلاب المقاييس

 

لم يقتصر الأمر عند هذا الحد. فقد خرج نظام الأسد من سوريا وقام محلّه نظام جديد معاكس له ولتوجهاته وتحالفاته السابقة. وهذا بحدّ ذاته مكسب كبير لـ “القوات اللبنانية” وللبنان، الذي يقف للمرة الأولى تقريبًا متحرّرًا من أيّ تدخّل سوري مباشر فيه، خصوصًا أنّ الرئيس أحمد الشرع كان أعلن بعد تولّيه السلطة الانتقالية أنّه يحترم سيادة لبنان و”أنّ سوريا لن تمارس بعد اليوم نفوذًا سلبيًا في لبنان”.

قال جعجع: “أنظروا أين أصبحنا اليوم. معركة زحلة مثلًا غطّت على كل الانتخابات البلدية. باعتراف كل وسائل الإعلام تكرست “القوات” الممثل الرئيسي الأول، إن لم يكن الوحيد، للمسيحيين. علينا أن نأخذ عبرة مما حصل معنا. أن تبقى متمسكًا بقناعاتك مهما قويت العاصفة. أملنا الكبير أن نبقى على طريق الصواب. “غمّضنا عين فتّحنا عين لاقينا حالنا هون”. وأردف: “كنا نقول إنّنا نربح المعركة عندما يصير معنا 51 % من التمثيل المسيحي. صار معنا هيك وأكثر. كنا مثلًا نعرض على كثيرين أن يترشّحوا معنا وكانوا يتهرّبون ويرفضون. أنظروا ماذا يحصل اليوم؟ قيادات وشخصيات سياسية تقليدية وغير تقليدية أتت إلينا وعرضت أن تتحالف معنا. هذا تحوّل كبير بحدّ ذاته. صار معنا قوة سياسية كبيرة سيكون لها دور رئيسي في استعادة الأمل بلبنان. وين ما بتروح بلبنان، بأي بلدة أو قرية زغيرة، أو بأي دولة بالعالم بتلاقي قدامك قوّات”.

 

 

 

قال جعجع هذا الكلام قبل 20 يومًا من الضربة التي تعرض لها النظام في إيران في 13 حزيران وانتهت بخضوعه للإملاءات الأميركية والإسرائيلية. بعد سقوط نظام الأسد يسقط هذا النظام أيضًا ويعود إلى داخل إيران، بلا برنامج نووي، وبلا أذرع، وبلا صواريخ باليستية، وبلا مشروع تصدير للثورة في المنطقة. وهذا الأمر ينعكس حتمًا على وضع “حزب الله” في لبنان. بعد هذه الضربة سيتغيّر مشهد الشرق الأوسط ومن ضمنه المشهد في لبنان. ستتغيّر أمور كثيرة ومنها دور “حزب الله”، حتى لو لم يسلم سلاحه. أين هو هذا السلاح اليوم؟ وأين هي “القوات”؟