Site icon IMLebanon

“القوات” والإستحقاق البلدي: من هنا ينطلق مشروعنا الإستراتيجي

 

لا توجد مؤشّرات في الأفق تدلّ على قرب انتهاء حرب غزة وإغلاق جبهة الجنوب. ويتأثّر البلد بشكل كبير بالحروب المتنقّلة. وهناك شبه اتفاق على إطالة فترة الحرب إذا لم يتمّ التوصّل إلى تسوية سياسية برعاية الولايات المتحدة الأميركية. وفي هذه الأثناء تتقدّم الملفات الداخلية الضاغطة بالتوازي مع اشتعال جبهة الجنوب، وليس آخرها مصير الانتخابات البلدية والاختيارية.

 

كشفت الأزمة التي حلّت بلبنان منذ العام 2019 أهمية وجود بلديات قوية. فجزء منها حلّ مكان الدولة المنهارة، في حين حُلّ نحو 120 مجلساً بلدياً لم تستطع مواجهة التحديات والأزمات. ومع كثرة الحديث عن إحتمال تأجيل الإنتخابات البلدية مرة ثالثة، برز موقف لافت لرئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، محذّراً من خطورة تأجيل الإنتخابات وما ستتحمّله البلدات من عدم تجديد في مجالسها البلدية أو إنتخاب مجالس أخرى مكان المنحلّة.

 

وتحذير جعجع ناجم عن عدم جديّة الحكومة في إجراء الإنتخابات، فعند تأمين التمويل باتت الذريعة هي الحرب، وبالتالي تكشفت نوايا السلطة الحاكمة في ضرب إستحقاق يطال حياة الناس مباشرةً، ليُضاف إلى سلسلة الفراغات التي تضرب الموقع الأول في الجمهورية اللبنانية.

 

تتحضّر «القوات» وكأن الإنتخابات ستجرى غداً، لكن هذا التحضير لا يعني وجود قرار أو معلومات بإجرائها، بل الأجواء توحي العكس. لكن حزب «القوات» الذي يُصنّف من أكثر الأحزاب تنظيماً ويملك ماكينة إنتخابية هي الأقوى والأكثر تماسكاً يعمل وفق الجهوزية الكاملة، وقد انصرف فور إنتهاء إنتخابات 2022، للتحضير لإنتخابات 2026.

 

إذاً، يعمل حزب «القوات» وكأنّ الإنتخابات حاصلة، وتنشط المنسّقيات والمكاتب في المدن والبلدات من أجل التحضير على الأرض، لكن أجواء وزارة الداخلية، إضافةً إلى مواقف القوى الأساسية تؤكّد الذهاب إلى تمديد جديد. خاضت «القوات» معركة رفض التمديد العام الماضي الذي حصل برأيها ليس بسبب الحرب، بل بعد تقاطع بين فريقين، الفريق الأول هو «التيار الوطني الحرّ» الذي كان وضعه الشعبي في العام الماضي أفضل من هذا العام، فذهابه حينها إلى إنتخابات بلدية سيكشفه شعبياً وسيفقده مواقع سيطرة جديدة، خصوصاً بعد تراجعه في الإنتخابات النيابية الأخيرة وخساراته في الجامعات ذات الأغلبية المسيحية.

 

ويضاف إلى الرفض العوني، رفض «الثنائي الشيعي» إجراء الإنتخابات سابقاً وحالياً، فهذه الإنتخابات كارثة عليه، فسيصطدم «حزب الله» بحركة «أمل» في البلدات، ويدخل «الشيعي التقليدي» في المعركة، وتزاحم العائلات القوى السياسية الشيعية. لذلك نزل «التيار الوطني الحرّ» العام الماضي إلى المجلس وأعطى شرعية مسيحية للتمديد في ظل غياب رئيس الجمهورية. ويتذرّع «الثنائي الشيعي» والحكومة هذا العام بالحرب من أجل التمديد مرة ثالثة للمجالس البلدية والمخاتير، وهنا ترفض «القوات» هذا التعامل مع الإستحقاق.

 

وتعتبر «القوات» مسألة البلديات استراتيجية بالنسبة إليها، ليس فقط لأنها إستحقاق ديموقراطي ويجب إحترام تلك الإستحقاقات من أجل تداول السلطة، أو باب جديد للتنافس القواتي – العوني وتجديد الربح. تذهب «القوات» بعيداً في مقاربتها للإستحقاق البلدي الذي قد يوازي الإنتخابات النيابية، وتؤكّد أنّ البلديات هي الإطار الذي يمكن التأسيس عليه لتثبيت الوضعية في البلدات والمدن. والرهان هو في تجديد المجالس البلدية لتحقيق أهداف كبرى مثل ضبط النزوح السوري، وتأسيس بلديات صلبة بأجهزتها كافة وضبط الأرض، وفتح الباب أمام اللامركزية الموسعة، لذلك تشدّد «القوات» على أن مدخل اللامركزية المنشودة هو البلديات.

 

وتُصرّ «القوات» على إعادة الجسم البلدي الذي يقسم بين بلديات منحلّة وأخرى هرمت، وبلديات لا تقوم بواجباتها، ولذلك تُصرّ «القوات» على أهمية تجديد البلديات، لأنّها في صلب مخططها لتطبيق اللامركزية الموسّعة وتطبيق استراتيجيتها الجديدة القائمة على تفعيل دور المجتمع عبر الهيئات المحلية والتأسيس للمشروع الذي تعمل «القوات» على الذهاب إليه. تدعو «القوات» الحكومة ووزارة الداخلية إلى التحضير للإنتخابات، فحجة الحرب ساقطة، لأنه يمكن إستثناء بلدات الشريط الحدودي التي تدور فيها معارك من الإنتخابات، وبالتالي ستضغط «القوات» مع قوى معارضة أخرى للتصدّي للتمديد الذي يضرب الأمل في التجديد.