Site icon IMLebanon

بري… والإنتصار فوق الخراب

 

يُشكر الرئيس بري لأن كمية الرصاص التي أطلقت فرحاً بانتخابه أتت أقل مما تعودناه في مناسبات مماثلة. فلم يُبلَّغ هذه المرة عن عويل أمهات. لكن دولة الرئيس يعلم أن نجاحه أتى بطعم الهزيمة، ويستوجب “مباراة اعتزال”. صحيح أنه احتفظ بالمطرقة، لكن اليد التي تمسكها وَهَنت الى حد كبير واللهجة الآمرة ذكرياتٌ “من الزمن الجميل”.

 

ظُرف الرئيس بري يلازمه، لكن المضمون فارَقَ بلاغته. ولهجة التصالح بعد الظَفر بـ”أكثرية مهينة” ليست سوى لزوم المناسبة. فلو كان تصالحياً فعلاً لأتاح فوز غسان سكاف ولمَا تابع مع توأمه وغريمه نهج الاستئثار. هو في سدة البرلمان من ثلاثين عاماً، أجاد الأدوار ولعبة التسهيل والتعطيل وانتزع لقب “صمام الأمان”، بيد أن الناس حرموه أخيراً نصف أصوات النواب بعدما تحققوا من أن المجلس كان عصب التحاصص، منَعَ المحاسبة وغطى مسار الهدر والنهب والانهيار وأفقد الدولة مقوماتها وسيادتها.

 

يمكن للرئيس بري ونائبه الاحتفال بقدرة “المنظومة” على الصمود في وجه أمل اللبنانيين بالتغيير، والسخرية من بعض “التغييريين” الذين فضحتهم السذاجة وأغوتهم الشعبوية. لكن لا يمكن للرئيس بري عدم قراءة الرسائل القوية التي وجهتها الجلسة شكلاً ومضموناً الى فريقه السياسي، ليس في ضآلة النتيجة التي حصل عليها أو في تعثره في إدارة العملية الانتخابية فحسب، بل في نوعية الاعتراض سواء بالورقة البيضاء أو بالأوراق التي تطالب بالعدالة لضحايا المرفأ وتقترع للقمان سليم وتندد بشرطة مجلس النواب.

 

يُفترض بالرئيس بري الاستنتاج بأن رفع يد المنظومة عن القضاء مطلبٌ لن يسقط لا بمرور الزمن ولا بالإصرار على “تحصين” المطلوبين للتحقيق بتفجير المرفأ، وبأن المدخل الحقيقي الى الإصلاح ليس في تضييع الأولويات بأوهام إلغاء الطائفية السياسية والدولة المدنية أو تغيير قانون الانتخاب، بل في احترام مؤسسات الدولة وإعادة القرارات الاستراتيجية الدفاعية والسياسية اليها وعدم الضغط لا على قضاء عدلي لتمييع جريمة 4 آب ولا على مجلس دستوري للأخذ بطعون تكرس أكثرية محور ايران.

 

يعود الرئيس بري “صمام أمان” إذا اعترف بأن نجاحه الهزيل يفرض عليه مد اليد الى معارضيه السياديين والتغييريين للإلتقاء عند مشروع استعادة الدولة. وخلاف ذلك إصرارٌ على توسيع شقة الخلاف يعزز نزعة الإنفكاك. فوحدة لبنان التي تعهَّد العمل في ظلها لا تقوم على متابعة الاستقواء على الدولة وسائر المكونات، ولا في الصفقات لانتاج حكومات “وحدة وطنية” تدير الانهيار، ولا في انتخاب رئيس جهنمي آخر يرى أن السيادة وجهة نظر وأن تعليق لبنان على جلجلة الوضع الاقليمي يمكنه الاستمرار.

 

دولة الرئيس، مبروك انتخابك لولاية سابعة. أما لبنان فلا يحتاج وعوداً وتمنيات واحتفالات. الكهرباء معدومة، والأكثرية تحت خط الفقر، والهجرة نزفٌ لا يعوض بالمسكنات، والودائع منهوبة، والمعابر مشرَّعة…

 

تذكَّر عندما تخلو الى نفسك مَن حكمَ البلاد بالطول والعرض وأوصلنا الى المأساة، علَّك تعمل على هذا الأساس. وانتبِه الى أن منظومتكم انتصرت فوق كومة خراب.