IMLebanon

أمرُ اليوم: الثأر!

 

«ثقافة الموت، هي عندما تكون أسداً فتُواجه وتُقتل، فيأتي أولادك ليسلّموا رؤوسهم وأيديهم إلى الجلاد. أمّا ثقافة الحياة، فعندما يُقتل الليث منا، يعرف الأبناء عدوّهم فيتقدّمون للأخذ بالثأر»

 

السيد حسن نصرالله – 2008

 

 

للمقاومة في لبنان وفلسطين والمنطقة تاريخ طويل ومتجدّد مع الظلم والبطش والقتل والتنكيل. كما لها تاريخ طويل مع ردّ الظلم ودفعه، وتدفيع العدو ثمن بطشه، وردّ الكيد إلى أهله. وممّا علّمنا الشهيد السيد حسن نصرالله، أن الثأر يُطلب ولا يُتنازل عنه حتى لو تعاقبت عليه الدهور. وممّا علّمنا أن الثأر لا يكون انتقاماً غرائزياً انفعالياً، بل يكون مدروساً وحكيماً، يخدم السياق والقضية، ويصبح طلبه دافعاً دائماً ومستمراً لحركة المقاومة، فكرةً ومساراً وبرامج عمل. على أن ما سبق، لا يعني التهاون أو التنازل عن حقّ طلب الثأر المباشر والواجب، بما يعنيه من دم مقابل الدم.

 

في تشييع الشهيد السيد، أمس، اختلطت مشاعر الحاضرين، بين الشعور بمرارة الفقد والخسارة، والحزن العميق الذي تجلّى دمعاً في العيون، والقلق من القادم بعد غياب القائد الاستثنائي. ولكنّ الأهمّ من كل هذه المشاعر، والأكثر طغياناً، كان الشعور العارم بالغضب، والرغبة بالثأر. كان يمكن أن ترى ذلك بوضوح في عيون الحاضرين، رجالاً ونسوةً وصغاراً وكباراً، لبنانيين وعرباً وأجانب، من المقاومين وجمهور المقاومة ومريديها ومن يؤمنون بجدواها المستمرّة. وكان يمكن أن ترى ذلك بوضوح، في الدمع الحارق الذي ينسلّ من وراء النظارات الشمسية التي يضعها جرحى «البايجر»، ومن أيديهم التي كانت ترتفع، فتظهر بلا كفوف أو أصابع. وكان لك أن تشعر بغضب كل هؤلاء، لحظة خرقت طائرات العدو الحربية سماء بيروت، وكادت تلامس سطوح المباني المرتفعة، فيما ارتفعت قبضات المشيّعين وصرخاتهم، حتى كادت القبضات تُسقط الطائرات، والصرخات تخرق جدار الصوت.

 

لن تنفع العدو تقنيّاته المتقدّمة وعملاؤه في فهم كيف يفكّر ويشعر أهل المقاومة وأبناء الشهيد السيد

 

 

الذين حضروا أمس، كانوا يعرفون من فقدوا. ويعرفون أن أكثر من 30 عاماً من عمر المقاومة، مِلؤها الانتصارات والإنجازات، بقيادة السيد نصرالله، قد انقضت. ولأنهم يعرفون من فقدوا، على المستوى الشخصي لكل منهم، كانوا يبكون كما لم يبكوا من قبل، ويلوّحون بأيديهم للنعش الذي شقّ حشود قلوبهم، قبل حشود أجسادهم. ولأنهم يعرفون من فقدوا، كانوا يعرفون أيضاً، كأبناء وإخوة للسيد، أن وصيّته لهم، هي المقاومة والبلاد وأهلها، وأن واجبهم، كما علّمهم هو، أن يعرفوا عدوّهم، وأن يطلبوا الثأر، وأن يبحثوا عنه في كل زمان ومكان، ولو طال الطلب والبحث.

 

ربما، على ما خبرناه خلال الحرب، لدى العدو ووسائطه وتقنيّاته المتقدّمة، قدرات هائلة على الإحصاء والتتبّع والكشف وتحديد بصمات الوجوه والأصوات وغير ذلك. وربما لديه من العملاء والعَسس ما يكفي، ليجمعوا له معلومات عن كل ما يتعلّق بالمقاومة وأهلها، على المستويين الأمني والمدني. وربّما يستفيد العدو من بعض الكارهين وعديمي المروءة من اللبنانيين، لتحديد الأولويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي على العدو العمل عليها لضرب المقاومة ومحاصرة جمهورها وليّ ذراعهم. لكن كل هؤلاء، لن ينفعوا العدو في فهم كيف يفكّر ويشعر أهل المقاومة وأبناء الشهيد السيد في هذه الأيام.

 

وكيف ترك الأب والأم بحثهما المستمرّ، منذ أيام وأسابيع، عما قد يكون تبقّى من أثر لابنهما الشهيد في إحدى القرى الحدودية في الجنوب، وقطعا المسافات وتكبّدا عناء ازدحام الطريق، وتحمّلا البرد القارس والانتظار الطويل في عراء الطرقات والباحات، فقط لكي يودّعا السيد، ويعاهداه على الاستعداد للمزيد من التضحية، ويجدّدا البيعة للمقاومة ونهجها. والأهم، أن كل هؤلاء، لن ينفعوا العدو في اكتشاف ما يدور في أذهان الآلاف من الفتية والشبّان وحتى الأطفال، حول الطريقة الأنسب والأسرع، للثأر لدماء الشهيد السيد.

 

ستنشغل وسائل الإعلام في لبنان وخارجه بشكل التشييع والتنظيم، وأعداد المشاركين، والخطابات التي أُلقيت، والشعارات التي رُفعت، وباليوم التالي لحزب الله على المستوى السياسي. وستتحوّل مشاهد الأمس، في لبنان بشكل خاص، إلى مادة للجدال السياسي وبرامج «السهرات» السياسية التي لا طعم لها ولا لون. ولكن، بعيداً من هؤلاء، وقريباً منهم أيضاً، ستنشغل مراكز الدراسات والاستخبارات، وغرف التحليل وجهات التقدير في إسرائيل، منذ اليوم وحتى إشعار آخر، بالإجابة عن سؤال واحد: كيف سينتقم حزب الله؟