Site icon IMLebanon

مهمّة حتّي محفوفة بالتحدّيات… فهل يُحرّر “الخارجية”؟

 

يدخل السفير ناصيف حتّي قصر بسترس اليوم رسمياً كوزير خارجية لبنان، إذ إنه لم يحصد فقط حقيبة سيادية يقاتل الجميع من أجل الحصول عليها، بل إنّ هدية هذه الحقيبة كرة نار مرافقة لها، حيث يُعتبر فكّ الطوق العربي والدولي من أولى مهماته.

 

من يراقب عمق الأزمات اللبنانية المتتالية يكتشف دوماً أن الخارج بكل فروعه كان وراء اشتعال نيران التقاتل الداخلي، لكن الذنب الأكبر يقع على عاتق السياسيين أنفسهم الذين يجرّون التدخلات الخارجية نتيجة عجزهم في القيادة ومفاخرتهم بالاستقواء بعضلات الغريب.

 

من الظلم تحميل ما سيحلّ بالبلد من انهيارات متوقعة لحكومة الرئيس حسّان دياب، إذ انّ ما نعيشه هو نتيجة تراكمات عمرها 30 سنة إن كان على صعيد الإدارة الداخلية الهشة والنهب الممنهج للمال العام، وإن بالنسبة إلى السياسة الخارجية التي اتبعها وزراء الخارجية منذ العام 1990.

 

لا شكّ أن السفير حتّي يرث “تركة” ثقيلة مجبولة بالمشاكل والأزمات في وزارة الخارجية، فهو خليفة الوزير السابق جبران باسيل الذي حوّل الوزارة منصة لرحلاته الاستكشافية الاغترابية من دون أن تعود هذه الرحلات بمردود يذكر على الوطن، وكذلك بالنسبة إلى ضرب علاقات لبنان بالدول العربية والغربية.

 

ولعلّ أبرز “الوزنات” الثقيلة أمام حتّي هي محو تلك الآثار السلبية، فمعروف منذ القدم، وهذا الأمر دخل كتاب التعليم، أن لبنان شكّل منذ ما بعد الإستقلال مصيف العرب ومستشفاهم وجامعتهم، كما أنه نقطة وصل بين الشرق والغرب وبالتالي لا يستطيع أن يتمركز في محور ضدّ الآخر.

 

ويعترف كثر من السياسيين وحتى الديبلوماسيين أن أحد أهم أسباب الأزمة المالية التي تفجّرت الآن هو سوء إدارة السياسة الخارجية اللبنانية، وهنا لا يتحمل باسيل وحده المسؤولية بل إنّ “حزب الله” هو من سبّب هذه الأزمة، لكن باسيل كان وزير خارجية “الحزب” ومن خلفه المحور السوري – الإيراني.

 

إعادة ما انقطع مع الخليج

 

كل تلك الأخطاء الخارجية ساهمت في توتّر العلاقات بين لبنان والبلدان العربية، وبلغت الذروة في مطلع العام 2016 عندما قرر باسيل النأي بنفسه عن التصويت إلى جانب الإجماع العربي على إدانة الإعتداء على القنصلية السعودية في إيران، ومعلوم أن عائدات السياحة، والتي كان يشكل السائح الخليجي القسم الأكبر منها، بلغت نحو 7 مليارات دولار أميركي منذ سنوات، إضافة إلى المساعدات الخليجية السنوية، كل تلك العائدات توقّفت بسبب سياسة “حزب الله” وتغطية باسيل له.

 

ويُعتبر إعادة ما انقطع بين لبنان والخليج من أهم التحديات التي تواجه حكومة دياب ووزير خارجيتها، فالمهمة ليست سهلة، إذ إنّ السعودية لم تعد تعطي لبنان اهتماماً كافياً، وهناك غضب سعودي، في حين أن حكومة دياب تعتبر حكومة اللون الواحد، وبالتالي حتّى لو ذهب دياب وحتّي إلى الرياض فان النجاح يتحدّد بمدى مردود الزيارة وليس بحصولها فقط، وسط التسريبات عن ان الرياض قد تمتنع عن سداد ما تعهدت به في مؤتمر “سيدر 1”.

 

ومن جهة أخرى، فان أمام حتّي مهمة ثانية ليست أسهل من الأولى وهي إبراز استقلالية السياسة الخارجية اللبنانية عن المحور السوري – الإيراني، والالتزام فعلاً بمبدأ “النأي بالنفس”، من هنا فان المهمة لا تقع فقط على عاتق دياب وحتي فحسب، إذ إن المعني الأول هو “حزب الله” الذي يريد أن يكون خطّ الدفاع الأول عن إيران خصوصاً بعد اغتيال قائد فيلق القدس قاسم سليماني، فاذا استمرّ باتباع السياسة نفسها في التدخل في شؤون الدول العربية ونيته مواجهة أميركا خدمة لإيران فان الجميع يرى أن لا مجال لإصلاح ما أفسد سابقاً.

 

أما المهمة الثالثة والأساسية أيضاً أمام حتّي فهي مخاطبة أوروبا والغرب والمجتمع الدولي، إذ إن لبنان بأمس الحاجة إلى أموال “سيدر”، كذلك يحتاج إلى دعم صريح من أميركا، وكل الشعارات التي تطلق من قبل “حزب الله” لمواجهة أميركا ليست واقعية، إذ كيف يمكن لبلد مفلس وشعبه يقاتل من أجل الحصول على دولاره من المصارف أن يواجه واشنطن، في حين أن الأخيرة أكبر مسلّح للجيش اللبناني، كما أن اقتصادنا مدولر إلى أقصى حدّ.

 

من هنا فان التحدّي الكبير أمام حتي هو تطبيق السياسة الواقعية التي تتناسب مع الواقع اللبناني الذي أنتجته ثورة 17 تشرين والأزمة المالية الخانقة، فالإستحقاقات ستتوالى على لبنان، وقد تكون موجة العقوبات الجديدة على أفراد من “حزب الله” وحتى بعض حلفائه من التحديات الكبيرة التي تواجه الخارجية اللبنانية.

 

ويشكّل ملف النازحين السوريين أبرز الملفات العالقة والتي تحتاج إلى إدارة خارجية ذكية، وليس الإكتفاء فقط بالبروباغندا ورفع الشعارات الرنانة، خصوصاً أن هذا الملف كان له أثر سلبي على البنى التحتية اللبنانية، واستمراره يضرب التوازنات الداخلية وسط المخاوف من التوطين.

 

مرّ على قصر بسترس رجالات دولة كبار أمثال حميد فرنجية، شارل مالك، فؤاد بطرس، وكانت الديبلوماسيّة اللبنانية مفخرة هذا البلد، لكنّ أخذها إلى اتجاه واحد منذ العام 1990 ساهم في تراجعها ووصلت إلى مستويات متدنية من الإنحطاط، وربما امام حتي فرصة لإعادة إظهار الوجه الحقيقي للديبلوماسية اللبنانية، خصوصاً بعد فضيحة حرمان لبنان من حقه في التصويت في الأمم المتحدة بسبب عدم دفعه مستحقاته.

 

وبالتالي، فان التحدّيات أمام حتي كثيرة، في حين يتساءل البعض هل بإمكانه قيادة ديبلوماسية سياسية سيادية همها مصلحة لبنان، لا ديبلوماسية تخدم أهداف المحاور الخارجية التي تنظر إلى لبنان بأنه ورقة في يدها.