Site icon IMLebanon

مسألة أمن قومي  

 

 

الحرب لإنشاء منطقة آمنة بعمق 30 كيلومتراً في عمق الأراضي السوريّة بالقوّة العسكرية يتم برعاية أميركيّة ـ روسية، هذا أوّلاً، أمّا كلّ المعترضين فليسوا أكثر من مزايدين بحسب درجة الخلاف بينهم وبين تركيا، لا تقبل أي دولة في العالم زرع كيان يتهدّد حدودها وأمنها القومي، وتركيا مثلها مثل كلّ هذه الدّول، ويحقّ لها ما يحقّ لهم، المدهش أنّ أكثر «الشّامتين» بالهجوم على قوات سوريا الديموقراطية الكردية هو النّظام السوري، وأول المتبرّئين من «قسد» هو الراعي الأميركي الذي استخدمهم ثمّ ألقى بهم في مهبّ مصالح الدّول!

 

عندما أجري استفتاء انفصال كردستان في 25 أيلول 2017 لم يؤيّد رغبة أكراد العراق بالانفصال سوى دولتيْن إحداهما إسرائيل والثانية دولة عربية، فيما سارع المجلس الوزاري لجامعة الدول العربيّة «مسايرة للعراق» إلى رفض الاستفتاء والانفصال حرصاً (قال) على وحدة العراق ـ الذي تقبض عليه إيران في كفّها ـ هذه قضية عمرها من عمر «ترسيم» حدود الجمهورية التركية المعاصرة، منذ العام 1923، وفي الأساس تشير كلّ الدول العربية إلى أي كيان كردي مستقلٍ قد ينشأ في أي وقت بأنّه كيان «عميل» للكيان الإسرائيلي، ولا يوفّرون في أحاديثهم عن كردستان العراق تطبيعها مع العدو الإسرائيلي، لذا هذا الهياج في وجه تركيا ليس سببه الخوف على المدنيين الأكراد بل غضباً على رجب طيّب أردوغان وسوء العرقات الديبلوماسية بينهم وبين الدّولة التّركية!!

 

متى كان التعامل في أي دولة مع الأكراد إنسانياً عام 2017 عندما هدّد حيدر العبادي رئيس الحكومة العراقية بضرب حصار جوي ضد كردستان بعدما صوّت أكثر من 90 بالمئة من أكرادها بنعم للانفصال عن العراق في دولة مستلقة، لاقاه تهديد للرئيس التركي رجب طيّب أردوغان «أكراد العراق من أنهم «سيتضورون جوعاً» عندما تمنع تركيا شاحناتها من عبور الحدود»!

 

ليس علينا أن نعود إلى التاريخ البعيد والبحث في أصل الأكراد والمناطق التي جاؤوا منها، ولا إلى مراجع الشيعة كالكليني وسواه التي تنسب إلى الإمام الحسين تحذيره من مخالطتهم أو التزوّج منهم لأنّهم قبيلة من «الجنّ»!! فلنعد إلى 10 آب العام 1920 وإلى معاهدة سيفر والتي نصّت أنّه من حق سكان إقليم كردستان إجراء استفتاء لتقرير مصير الإقليم الذي يضم ولاية الموصل وفقا للبنود 62-64 من الفقرة الثالثة ـ من دون أن نخوض فيما اقترحه شريف باشا (العضو في جمعية صعود كردستان) في مؤتمر باريس للسلام 1919 من خطوط العريضة لحدودها واعتراض بعض الأكراد عليها لأنها لم تضم منطقتهم ـ هذه المعاهدة فيها حقّ مكرّس للأكراد بأن يكون لهم دولة، تجاهل العالم هذا الحقّ ومخططاته اللاحق في معاهدة لوزان الثانية التي تم توقيعها في 24 تموز 1923، تركيا الوليدة على يدي كمال أتاتورك نفّذت مجازر إبادة بحق الأكراد فيها، ألم يرسل طائرة صبيحة غوكشن التي يحمل أحد مطارات تركيا اسمها وهي القائدة الأولى للطائرات الحربية في التاريخ الحديث، لتدكّ المحافظة الشرقية طيلة أيام، وكانت نتيجة هذا القصف مجزرة درسيم التي اعتذر عنها منذ مدّة رجب طيب أردوغان واعترف بحصول هذه المجزرة عام 1937 والتي كان ضحاياها الأساسيون الآلاف من الأكراد!

 

بعد مصطفى كمال أتاتورك أصبحت «تركيا» هي القوميّة، وأصبح كل من في تركيا تركي حسب الدستور التركي، ومعروفة التي الشعارات التي كانت تعلق على على مداخل المدن التركية وساحاتها كانت تعلّق لافتات تقول: «أنا سعيد لأني تركي» وأطلق على الأكراد صفة «أتراك الجبال»، أما مصير كل من يتحدث عن الهوية الكردية أو يطالب بها فكان القتل أو الاعتقال أو النفي، لذا لن يقبل أي رئيس تركي سواء أكان أردوغان أو سواه بزرع «خنجر كردي» في خاصرة تركيا، لن يقبل أردوغان بنموذج كردي مماثل للحوثيين الإيراني على حدوده، لأنّه ببساطة رئيس قويّ لدولة قويّة، وإن لم يعجب هذا دولاً عربية كثيرة!