على أهمية الدلالات السياسية للنتائج التي حملتها عمليات الفرز في محافظتي الشمال وعكار وخصوصا في المواقع ذات البعد السياسي، بدا من دون شك ان تطلعات الشارع لم تعد بعد الاستحقاق البلدي والاختياري عموما تتقاطع مع اتجاهات رياح التحالفات السياسية سيما منها «محدلة الثنائيات» التي تعرقلت في اكثر من بلدة وقرية في المحافظات كافة وآخرها في طرابلس والقبيات وتنورين وبرزت في مواجهتها موجة تواقة الى تغيير الواقع المتحكم باللعبة الانمائية والسياسية في البلاد منذ عقود.
فالمرحلة الرابعة التي انتهت الى مزيد من المفاجآت، شكلت بحد ذاتها وبحسب مصادر متابعة، مزيجا من الحسابات النيابية والرئاسية والوزارية، خيضت معاركها السياسية بامتياز تحت شعارات الانماء، في حروب تحديد أحجام مشاريع النواب، أو لمقاعد السرايا ولمقعدها الأول تحديدا، أو حتى لمرشحي الرئاسة، والتي خرجت إلى العلن، سجالا نيابيا في تنورين والقبيات، وسجالا وزاريا بطعم السرايا في طرابلس، بين ميقاتي وريفي، وصولا إلى السجال بالصدى الرئاسي بين جبران باسيل وسليمان فرنجية، لتنتهي بخلاصات تعدّدها المصادر بالآتي:
-اسقطت الانتخابات البلدية كل الحجج والمحاذير الامنية والاتهامات التي سيقت طوال الفترة الماضية في حق تلك المنطقة من طرابلس ومحاورها الى القرى الحدودية وقيل عن اصوليات وامارات وقرى خارج الشرعية، اذ مر اليوم الانتخابي دون اي اشكال يذكر في تلك القرى او حتى اي ظهور مسلح او تصرف مخالف للاصول الديمقراطية، وهو ما توقفت امامه المراجع المعنية باهتمام.
– الخريطة السياسية الجديدة التي أفرزتها الانتخابات البلدية والاختيارية في الشمال وعكار سوف تتحكم بمسار الانتخابات النيابية المقبلة فيهما، لا سيما على صعيد مؤشرات تبدل موازين القوى والتحالفات المستجدة في أقضية ومناطق مختلفة.
– هناك أزمة واضحة بين الناس والأحزاب، كل الأحزاب. وأخطر ما في هذه الأزمة عودة بعض الناس إلى أطر أشد تخلفا من الأحزاب المشكو منها، مثل الاستتباع لعائلات أو بيوتات تحميهم في غياب دولة الحق.
– الناس تواقون إلى التعبير عن رأيهم. وأن الانتخابات النيابية يجب أن تحصل سريعا وقريبا. وأن كل ما خالفها منذ ثلاث سنوات حتى اليوم، ساقط شرعيا وشعبيا.
– تبدّل المزاج السني تجاه «تيار المستقبل» الذي تلافى خوض معارك انتخابية مباشرة سواء في القرى او حتى مدينة طرابلس حيث خاض المعركة في وجه وزير العدل تحت ستار التوافق الطرابلسي، مخففا بذلك حجم الخسارة التي مني بها.
-تحول اشرف ريفي الى رقم صعب في اي استحقاق مقبل اقله في السنوات الثلاث المقبلة، كما اصبح قبول استقالته التي راهن الكثيرون ان تعقب خسارته للانتخابات امرا صعبا ستكون له تداعيات كبيرة على الساحة السنية الشمالية، فضلا عن تمكنه من استثمار كل مناخ الاحتجاج ضد «المستقبل» وإرباك قيادته وشعاراته وتراجع خدماته وتعمق أزمته المالية، بدليل أنه استدرج التحالف السياسي العريض إلى معركة مع لائحة مكتملة جاءت أرقامها لتثبت أنه لم يعد بمقدور أحد تجاهل حضوره في المدينة، التي قدمت له هدية وفائه لثوابت الرابع عشر من آذار.
-الخسارة المدوية للنائب أحمد فتفت في قريته سير بسبب الصوت المسيحي.
-نجاح تحالف بربر – حنا غريب في اسقاط المرشح التاريخي لرئيس الحكومة السابق عصام فارس والقوى المتحالفة معه سجيع عطية.
-تكرار تجربة بيروت مع الناشط زياد عبس في بلدة منيارة ،حيث واجه الوزير السابق يعقوب الصراف المعين حديثا في منصب قيادي في التيار الوطني الحر لائحة التحالف العوني-القواتي بدعمه مرشح الكتائب سليم الزهوري.
-في القبيات نجحت العائلات في صد الهجوم العوني – القواتي المركز وان كان على حساب سقوط المرشحين الكتائبيين، وقد علم في هذا الاطار ان ابنة الجنرال ميراي عون الهاشم اشرفت شخصيا على المعركة في تلك البلدة الى جانب الماكينة الحزبية للتيار، كذلك رئيس حزب «القوات» الذي تولى شخصياً إدارة المعركة في وجه خصمه التاريخي النائب السابق مخايل ضاهر والخصم المستجد النائب الحالي هادي حبيش، كما ان اتصالا أعقب صدور النتائج بين الرابية ومعراب للبحث في ما اسفرت عنه المعركة، حيث طالب العماد عون بتقديم طعن فيما فضل الحكيم التريث لجمع المعطيات كافة، خاصة ان رد وزارة الداخلية حول الاشكال الذي حصل في الحي الغربي لم يكن مشجعا.
-معركة تنورين التي شكلت نقطة فاصلة في المواجهة بين الوزير بطرس حرب والثنائي المسيحي خصوصا في ظل الحملة التي تشن ضده على خلفية تأمينه الحماية لمدير عام اوجيرو عبد المنعم يوسف، حيث جاءت الخسارة مدوية للعونيين، خصوصا اذا ما قيست بميزان «الصهر»، الذي خاض معارك ناجحة في المتن وكسروان ليخسر في بلدته، ما سيكون له بالطبع تداعيات مستقبلية، في ظل حديث رئيس الحزب البرتقالي عن عدم التزام حزبي بلائحة القيادة.
– نجاح الصهر الثاني في اثبات وجوده بدعم قواتي في البترون مخرجا تيار المردة من اللعبة البترونية بعد يوم طويل من الرد والرد المضاد بين الطرفين.
-انحسار تيار المردة الى حدود زغرتا التي نجح في الحفاظ على وجوده فيها من خلال تحالفه مع آل معوض، ليعود بذلك الى حيث انطلق والى الحجم الذي طالما تحدث عنه الوطني الحر بحسب مصادره.
-اما ام المعارك طرابلس فبعيدا عن انتصار ريفي المدوي وغير المفاجئ، فقد لاحت في افق المدينة مخاطر جدية نتجت عن خروج المسيحيين والعلويين من البلدية لحساب المرشحين السنة من لائحة التحالف، وهو ما سيستدعي في الايام المقبلة معالجة خاصة.
نتائج طرابلس حددت الأحجام، كما هي حال القبيات العكارية وتنورين البترونية وبشري وسير الضنية ورحبة العكارية، حيث انحصرت المنافسة السياسية في كسر تحالف حبيش – الضاهر الزحف «العوني» – «القواتي»، وانتصر حرب على التحالف الثنائي المسيحي، واجهضت رحبة بفورتها الشيوعية تجديد الولاء لفارس، كل ذلك بينما كانت التصريحات السياسية تؤشر إلى حجم التوتر المتصاعد بين «المردة» و«التيار الوطني الحر».
هكذا انتهى شهر الانتخابات البلدية والاختيارية، التي بقيت حتى اللحظة الأخيرة مدار تجاذب بين أن تجري أو الا تجري. لكنها في نهاية المطاف جرت لتخلط كل الأوراق السياسية والحزبية والعائلية، فالتصدعات لم يسلم منها أحد، لا مرجع ولا حزب ولا حتى عائلة، والاهم انه قد يكون لهذا الاستحقاق الفضل في نسف دوامة التجديد والتمديد للمجلس النيابي، والفضل في تحفيز القوى الحية على الاسراع في انهاء مهانة الشغور الرئاسي وتعرية المتسببين به.
أما الخلاصة الأبرز في هذه الانتخابات، فهي ان آحادية المراجع قد سقطت، إما لمصلحة الثنائيات، وإما لمصلحة تلاقي الخصوم، وإما لمصلحة تحالف الضرورة، وإما لمصلحة ان المصيبة تجمع. والخلاصة الثانية ان السياسة تغلب الانماء، وإن أوحى الجميع انهم انمائيون، فيما الاصطفافات بينت عكس ذلك.