Site icon IMLebanon

لماذا كان الاصطدام بالدورية السورية في وادي شبطين – دريا؟

 

 

أسبوع آب الأخير 1978: محطة غيّرت وجه الأقضية الشمالية المسيحيّة (الجزء الثالث)

 

ماذا حصل في الوادي الفاصل بين شبطين ودريا؟ يقول مخايل طربيه الذي رافق الدورية السورية في إفادته إنّ الجيب الذي كان يتقدّم الدورية، يسبق الشاحنات بأمتار قليلة وما إن استدرنا خلف أول كوع بعد الوادي حتى سمعنا فجأة صوت الرصاص، فتوقفنا وحاول السائق العودة إلى الوراء، لكنّه اصطدم بالشاحنة فأعاد الانطلاق. في هذا الوقت سمعت عامل اللاسلكي يخبر قيادته بما يحصل ويحدد لها الموقع بدقة.

 

وفيما نحن نتقدّم، بدأ الرصاص يمرّ من حوالينا، فأوقف السائق الجيب وقفزنا منه ورحنا نركض في كل الاتجاهات”.

 

ختم مخايل روايته: “رحت أركض مع الضابط والسائق من دون أن نعرف إلى أين؟ ولم نعد نشاهد عامل اللاسلكي. وبعد مسافة التقينا بسيارة مدنية صودف أن كان يقودها الضابط في الجيش اللبناني موريس خير من ديربلا وكنت أعرفه وكان عائدًا إلى بلدته، فأقلنا وعاد بنا إلى ثكنة المدينة الكشفية، ومن ثم أقلّني مجددًا إلى ديربلا”.

 

رواية مخايل طربيه أكدها العميد موريس خير، وكان يخدم يومها في ثكنة المدينة الكشفية وعائدًا بسيارته إلى بلدته ففوجئ بالضابط السوري ومعه جندي ورجل مدني يركضون وكانوا في حالة من الرعب القاتل.

 

يتابع: “أصعدتهم في سيارتي وأقنعت الضابط السوري بالتوجه إلى ثكنة المدينة الكشفية حيث كان مصرًّا على معرفة مصير جنوده، لكنه اقتنع وعدت بهم إلى المدينة الكشفية واستقبلهم قائد الثكنة العقيد موريس أبو رعد وطمأن الضابط أن دوريات للجيش اللبناني ستغادر الثكنة على الفور للبحث عن الجنود التائهين، ومساءً عدت إلى بلدتي واصطحبت معي مخايل طربيه بعد أخذ إفادته”.

 

استنادًا إلى رواية مخايل طربيه وتحقيقات الجيش التي أجريت، يطرح العميد موريس أبو رعد قائد ثكنة المدينة الكشفية يومها الأسئلة التالية:

 

1 – من غيّر خط سير الدورية المعطى للدكتور جورج سعاده وطلب منها سلوك طريق أسيا – شبطين – سمار جبيل – جسر المدفون، بدل الطريق الرئيسي الصاعد من البترون إلى تنورين وكانت مخابرات الشمال تسلّمت نسخة عنها؟ هل تغيير خط سير الدورية أتى من شتورا أو من القيادة السورية في طرابلس؟

 

يؤكد بطرس سابا قائد ثكنة دير القطارة وقتها أن جورج سعاده قال لهم إن العقيد محمد غانم رئيس فرع المخابرات السورية في لبنان هو من أعطاه الخريطة.

 

2- في ما خص ما ردده البعض لاحقًا من أن الدورية السورية سلكت طريق أسيا – شبطين عن طريق الخطأ تنفيه إفادة مخايل طربيه. ثم لا يمكن بالمنطق العسكري أن تقوم دورية عسكرية مؤلفة من عدة آليات بتغيير خط سيرها المرسوم لها في منطقة تعتبر معادية تقريبًا.

 

3- لماذا كان الاصطدام بالدورية السورية تحديدًا في وادي شبطين – دريا، وليس في أي موقع آخر عبرته القافلة، ومن ثم من هم المقاتلون الذين كانوا يتمركزون في التلال المشرفة على الوادي وإلى من يتبعون؟

 

4- سؤال مهمّ: هل من أعطى خط سير الدورية، هو نفسه الذي أعطى الأمر لأحدهم باطلاق الرصاص عليها في وادي شبطين؟ وهل هو نفسه من سمح للمسلحين بالوصول إلى وادي كفتون مساء الأربعاء 23 آب؟

 

يضيف العميد أبو رعد: “ما يؤكد أن الدورية السورية كانت تعرف جيدًا خط سيرها، فبحسب إفادة مخايل طربيه: لدى وصولها إلى مفرق “محلة ضهر القطلب” قبل الوادي بأمتارٍ قليلة، أضاعت طريقها ودخلت إلى ضهر القطلب، لكنها استدارت على بعد أقل من 100 متر وأكملت عبر الطريق المرسوم لها، من دون أن تسأل أحد عن الطريق، علمًا أن الهابط على هذا الطريق ولدى وصوله إلى مفرق ضهر القطلب، يمكن أن يضيّع خط سيره، خاصة إذا كان غريبًا ويعبر الطريق للمرّة الأولى، لأن المفرق هو مباشرة في مواجهة الطريق الهابط، فيما يلزم التكويع أكثر من 120 درجة لاكمال الطريق، لكن الدورية السورية كانت تعرف الطريق الذي يجب أن تسلكه تمام المعرفة”.

 

يتساءل أبو رعد:” لماذا نهمل فرضية أن مقاتل متحمّس ومن دون أي أوامر، أطلق الرصاص على الدورية السورية وورّط الشمال بما حصل؟ فرضية قد تكون ضعيفة، ولكن من الممكن أن تكون حصلت.

 

أيضًا: ألا يمكن أن يكون هناك عميل مزروع بين المقاتلين مهمته اطلاق أول رشق فتندلع المعركة، وتكون حجة مهمة لانتشار الجيش السوري وتخريب كل الاتفاقيات؟ احتمال وارد وحدث مرات عدّة خلال الحرب اللبنانية.

 

من المهم معرفة من كان عند تلك التلال المشرفة على الوادي؟ ولماذا لم تطلق رصاصة على الدورية على طول الطريق الطويل الذي سلكته قبل الوصول إلى الوادي؟”

 

يتابع العميد أبو رعد: “بحسب ما رواه لي الضباط الذين شاهدوا آليات الدورية السورية بعد الكمين، فالمشهد الذي رأوه كان مذلًّا، ولا يمكن لأي جيش في العالم أن يقبل مثل هذه الإهانة التي لحقت بجنوده، خاصة الجيش السوري الحامي شبه الوحيد للنظام في سوريا، لذلك وفور معرفتي بحقيقة ما حصل، تأكد لي ولجميع الضباط الذين عرفوا بالكمين أنه لا يمكن إلّا أن يقوم الجيش السوري بردّ عنيف وسريع يعيد الاعتبار لما تعرّض له. ومن بعد ظهر الجمعة 25 آب، أصبحت متأكدًا أن عملية عسكرية سورية واسعة وشاملة ستشهدها منطقة البترون وفي أقرب وقت ممكن”.

يضيف: “فيما كنا منهمكين بالعثور على الجنود السوريين التائهين وجمع جثث القتلى وسحب آلياتهم لتسليمها إلى القيادة السورية والخطوط مفتوحة مع قيادة المنطقة في القبة، بدأت الطوافات السورية تحلّق على مستوى منخفض جدًّا، ثم وصلت أخبار عن استنفار في جميع المواقع السورية وأن قوة سورية بدأت التقدّم من جسر المدفون – تحوم باتجاه سمار جبيل، فاعتبرنا أنها تريد الوصول إلى موقع الكمين.

 

مع أول خيوط المغيب، كانت الدورية وصلت إلى قرب ساحة سمار جبيل، فتفاجأ المقاتلون بها واندلع اشتباك استمر قرابة نصف ساعة، ما اضطر الدورية للتراجع إلى مدخل سمار جبيل.

 

هنا أدركتُ، أن الأمور قد تفلت من يدنا، وعلى الفور أرسلت بعض الضباط لاقناع المقاتلين بالانسحاب وكثّفت الاتصال مع قيادة المنطقة في القبة التي أفادتني بأن الجيش السوري يحضّر راجماته لقصف قرى وسط البترون.

 

طلبتُ من قيادة المنطقة بعض الوقت لإقناع المقاتلين بالانسحاب، ورغم الخطر توجهت مع بعض الضباط إلى مدخل سمار جبيل حيث القوات السورية والتقيت الضباط السوريين: كان الجو متوترًا جدًّا.

 

في حصيلة المفاوضات، اتفقنا أن تعود القوات السورية إلى مراكزها الساحلية وينسحب المقاتلون ليلًا من جميع مواقعهم إلى الجرد وصباح اليوم التالي تدخل القوات السورية سلميًّا.

 

تخوّف الضباط السوريين من كمين يعد لهم خلال تراجعهم، فاتفقنا أن يسير أمام القافلة عدد من ضباط ثكنة المدينة الكشفية وهكذا كان، وصباح اليوم التالي عادت القوات السورية وتمركزت في ساحة سمار جبيل والقلعة وكان جميع المقاتلين تلقوا الأوامر بالمغادرة إلى جرد البترون”.

 

5 – ألا يتحمل الضابط السوري آمر الدورية أي مسؤولية حول ما حصل؟

 

يجيب: “حتمًا يتحمل مسؤولية كبيرة، فبحسب ما رواه لي الضباط الذين شاهدوا الشاحنات السورية بعد الكمين فقد كانت متوقفة قرب بعضها البعض، ما يشير إلى أنها كانت تسير بنفس الطريقة وكأنها في نزهة وليست في منطقة قد تكون معادية، وهذا خطأ قاتل يتحمل مسؤوليته آمر الدورية الذي كان عليه أن يتبع طريقة تقدم أخرى تتبعها الدوريات العسكرية خلال تقدمها في أراضٍ قد تعتبر معادية أو ينتشر فيها مسلحون غير منضبطين، من أبسطها قيام مسافة معينة بين الآليات وتوزيع عناصر الدورية على أوسع نطاق ممكن، حتى ولو اضطر في بعض الأماكن إلى أن يفصل عددًا من عناصر الدورية ليتقدموا الشاحنات سيرًا على أقدامهم. والخطأ الآخر الذي ارتكبه الضابط السوري كان إصعاد رجل مدني معه في الدورية وهذا ممنوع منعًا باتًّا في المنطق العسكري، خاصة بعد أن تأكد له وجود مسلحين مدنيين منتشرين في القرى التي ستعبرها الدورية، ما يؤكد أنه لم يكن يدرك خطورة ما قد يحصل”.

 

يضيف: “يومها تساءلنا إن كانت المخابرات السورية لم تحذّر آمر الدورية مما قد يلاقيه على طرقات البترون، أو إن كانت حذّرته لكنه استخف بالتحذيرات وأكمل رحلته وكأنه يقوم بنزهة. يبدو كان واضحًا أن في قناعة الدورية السورية أنها في منطقة صديقة”.

6 – لماذا راح السوريون الذين وصلوا مساء الجمعة 25 آب إلى بقسميا وكفرحي وضهر حيشبون يسألون عن كور تحديداً؟ ولماذا أشار الضابط السوري آمر الدورية التي عبرت وادي شبطين إلى كور ولم يذكر بلدة أخرى حسب ما رواه مخايل طربيه؟

 

يجيب الرائد جان القاصوف: “طرح هذا السؤال يومها وبعد البحث تبين أنه في شهر تشرين الثاني 1976 وبعد الاتفاق على انتشار قوات الردع العربية على مجمل الأراضي اللبنانية وإزالة جميع المظاهر المسلحة، وصلت نهار السبت 20 تشرين الثاني، قافلة ضخمة من الآليات السورية العاملة ضمن نطاق قوات الردع العربية إلى معمل الصوف القائم على الحدود الجنوبية للقلمون، حيث آخر موقع لأحزاب “الجبهة اللبنانية”  عند الساتر الترابي الكبير الذي يقطع الطريق الدولية، وبحسب المداورة كانت تخدم يومها في ذلك الموقع مجموعة من قسم كور الكتائبي، وكانت أحزاب “الجبهة اللبنانية” استنفرت جميع الوحدات العسكرية خلال نهار تسليم المواقع”.

 

بعد وصول القافلة السورية التي كان يرافقها عدد من ضباط الجيش اللبناني وجمهور من الصحافيين، بدأت الآليات العسكرية التابعة لكتائب كور ومنطقة البترون بالانسحاب، وتبيّن لاحقًا أن بعض المصورين الصحافيين كانوا من المخابرات السورية الذين راحوا يأخذون صورًا دقيقة للمجموعات المنسحبة، وخلص التحقيق يومها أن سبب السؤال عن كور والإصرار على الدخول إليها عائد إلى ما حصل عند معمل الصوف، ففي اعتقاد القيادة العسكرية السورية أن كور من أهم البلدات التي تملك ترسانة ضخمة من الأسلحة والآليات العسكرية.