Site icon IMLebanon

ماذا لو لم تستطع إسرائيل احتلال كامل لغزة؟

 

 

 

أفادت وسائل إعلام إسرائيلية بانتهاء المشاورات التي عقدت في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول استمرار الحرب في غزة. وذكرت صحيفة «جيروزالبيم بوست» نقلاً عن مسؤول إسرائيلي، أن التوجه الحالي هو نحو السيطرة الكاملة على قطاع غزة.

لم يخفِ نتنياهو نيّته في السيطرة أو تطويق اقطاع بأكمله أو تحديداً مدينة غزة وبعض المخيمات حيث يتواجد فيها المحتجزين بحسب معلوماته، رغم معارضة رئيس أركانه، إيال زامير، الذي وجد في مثل هكذا قرار انتحار عسكري أو على الأقل استنزاف لجيشه.

بين الحلّ الدبلوماسي والآلة العسكرية، اختار نتنياهو السير بالخيار الثاني اعتقاد منه، إن خيار الدبلوماسية لتحرير المحتجزين، يعني الاستسلام لشروط حركة الحماس التي زادت من وتيرة عملياتها العسكرية في المرحلة الأخيرة، وأسقطت عشرات القتلى من جنود العدو، كما وقامت بإطلاق صواريخ من داخل القطاع في دلالة على إن المقاومة لم تزل في أتمّ جهوزيتها القتالية، وإن السير في المسار الدبلوماسي لن تستطيع إسرائيل فرض شروطها أو القفز فوق مطالب حماس.

«نتنياهو والحرب الدائمة»، هذا العنوان الذي اختاره الرجل للمرحلة المقبلة، والذي عمل على تمهيد الطريق له سياسياً من خلال اجتماعه الأربعاء 6 آب، بزعيم المعارضة يائير لابيد، في خطوة أرادها تنسيقية قبل مرحلة الحسم العسكري. أخذ نتنياهو قراره في وقت يشهد العالم على مسيرات احتجاجية مؤيدة لوقف الحرب ولفكّ الحصار ومنع تفاقم الأمور نحو الأسوأ من شدّة الجوع. إذ لأول مرة في تاريخها تشعر إسرائيل إنها باتت مطوّقة شعبياً وحكومياً في العالم، فأن تفرغ تل أبيب سفارتها في أثينا وتخلّيها تماماً من جميع موظفيها بسبب الحالة الشعبية الغضبية أمر جدير بالتوقف عنده وقراءته بهدوء للمرحلة القادمة.

لم يفاجئنا قرار الكبينيت المصغّر بشأن احتلال القطاع، فالرجل حتماً سيختار الهروب إلى الأمام، في حرب باتت قاب قوسين من دخولها عامها الثاني دون تحقيق أهدافها سوى تدمير القطاع وتجويع سكانه. لهذا يدرك نتنياهو أن أي وقفا للحرب في الوقت الراهن هو انتحار سياسي على الصعيد الشخصي، وهو رهان صعب على مصير الكيان واستمرارية وجوده، وكأن «لعنة الثمانين» التي وعد الإسرائيليين بتخطّيها عام 2017، تطلّ عليه من جديد.

ذهب نتنياهو بخيار استمرار العمل العسكري رغم المشادات الكلامية مع زامير وتهديده بدفعه نحو الاستقالة إن لم ينفذ القرار السياسي. ولكن كان لافتاً موقف الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي لم يفصح عن رأي إدارته في قرار نتنياهو، مكتفياً أمام الصحافيين في البيت الأبيض الثلاثاء 5 آب الجاري، بالقول أنه يريد أن تتوقف الحرب في غزة، مؤكداً أن إدارته تعمل على تحشيد دعم إنساني لسكان القطاع.

لا نقاش في أن الرئيس الأميركي يريد أن يرى نهاية للحرب في غزة، لأنّ النهاية يريدها على الطريقة «الترامبية» وليس الإنسانية. إي إن قراره هذا لم يأتِ من فيض إنساني لديه حول رؤيته للمجازر التي ترتكب بحق السكان، بل، على ما يبدو، يأمل في نهاية لحرب تضمن له إعمار القطاع على أساس «ريفييرا الشرق» التي تحدث عنها في أكثر من مناسبة واعداً بإقامتها.

هنا بيت القصيد، فمن قطاع غزة تضع واشنطن، عبر استخدامها لآلة الحرب الإسرائيلية، حجر الأساس لبناء ممرّها الذي سيحدّد الوجهة الجديدة للتجارة العالمية. وهنا، من تدمير وتهجير السكان في سبيل إعادة البناء تبدأ رحلة الألف الميل، الذي تمّ رسمها في نيودلهي في 10 أيلول عام 2023، والذي رفع خارطتها نتنياهو من على منبر الأمم المتحدة ليتحدث عن طريق الخير في مواجهة طريق الظلام.

لم يعد خفياً، أن النقاش في صمود حركة حماس في مقاومتها، لم يعد مرتبط بالوجود الفلسطيني والحفاظ على القضية، بل له أبعاداً أشمل وأوسع من جغرافية غزة. إذ منذ بداية حرب إسرائيل على القطاع في 7 تشرين الأول عام 2023، لم يضع نتنياهو أولوياته تحرير المحتجزين، بقدر ما ارتبط الهدف بتقاطع بين الحفاظ على هويته السياسية وتنفيذ الأجندة الأميركية في بناء «الممر الهندي الاقتصادي» الذي تم الاتفاق عليه في نيودلهي، حيث ستلعب فيه تل أبيب دور الدولة المحورية التي تربط الممر من الهند وصولاً إلى العمق الأوروبي.

تجد واشنطن في هذا الممر تضييقاً للخناق على الممر الصيني الذي افتتحه الزعيم الصيني، شي جين بينغ، والذي أطلق عليه تسمية «الطريق والحزام». وفي الممر الهندي تجد واشنطن ضالتها في محاولة جديدة وجديّة لاحتواء الصين على الساحة الدولية، بعدما عجزت إلى الآن احتوائها عسكرياً من خلال الاستفزازات التي قامت وتقوم بها تجاه الصين في شبه جزيرة تايوان، والتي وصل الحال بواشنطن لإرسال بحسب ما كشفته «صحيفة فاينانشال تايمز» عن وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون السياسات، إلبريدج كولبي، الذي حثّ مسؤولي الدفاع الأستراليين واليابانيين على توضيح الدور الذي سيقومون به في حال اندلاع صراع بشأن تايوان.

لا تتوانى واشنطن عن القيام بتطبيق سياسة الاحتواء على الدول المناهضة لنفوذها في العالم، وإن شعار «أميركا أولاً»، الذي رفعه ترامب دليل على إن واشنطن تعمل على إعادة ترتيب النظام الدولي بما يكرّس من جديد نفوذها وحضورها في الساحة الدولية. لهذا هي اليوم تطيل الحروب، بعكس ادّعاءات ترامب، وهي تسعى في مضايقاتها لحلفائها إلى تحفيزهم على السير في سياسة «سباق التسلح» بعدما كانوا يعتمدون على القوة الأميركية المطلقة.

تريد واشنطن استمرار كييف في حربها مع روسيا، لأنّ في هذا استنزاف للقدرة العسكرية الروسية التي رغم تحقيق تقدّم ميداني في مناطق القتال، إلّا أنّ هذا أتى على حساب حضورها في ساحات نفوذ أخرى، ومنطقة الشرق الأوسط نموذجاً لتراجع الدور الروسي بشكل كبير.

إن صمود حركة حماس في الحرب القادمة وإفشال مخطط نتنياهو في تطويق وإحكام السيطرة على القطاع أو على مدنه ومخيماته يعني إسقاط نتنياهو أولاً وزجّه في السجن، بعدما أسقطته أخلاقياً وإنسانياً وأصبح مطلوب للعدالة الدولية بسبب جرائم حربه. وثانياً، إفشال المشروع الأميركي في المنطقة المبني على أساس تعبيد الطريق للممر الهندي وتحسين نفوذها وضمان استمرار عمل شركاتها، فهل سيكون هذا مستحيلاً على المقاومة في فلسطين؟ أم سيكون للمحور الممانع من غزة إلى بكين رأياً مختلفاً ويبادر إلى مفاجأة العدو من خلال إسناد حماس وعرقلة الهجوم الأخير على القطاع؟