Site icon IMLebanon

عن المبادرة الروسية  

 

استشهد مرجع كبير بالمثل الفرنسي القائل «هذا أجمل من أن يكون حقيقة» في معرض تعليقه على الخطوات الظاهرة للعيان التي سُجّلت في ملف عودة النازحين السوريين الى بلدهم… مع إبدائه تحفظات عدة، ليس على المبادرة الروسية التي أجمع لبنان الرسمي على تأييدها، إنما خشية من «صيبة عين» (قالها ممازحاً)  تعرقل المبادرة أو تؤجّل تنفيذها، أو ربما تنهيها كلياً وهو قدّم عرضاً واقعياً للسيناريو السلبي الذي يخشاه، مشدداً في خاتمة كلامه على «أنّ المبادرة آخذة طريقها نحو التنفيذ، مستدركاً: ولكن العملية بدّها شويّة طولة بال»…

 

والواقع أنّ الدفع الذي حققه الجانب الروسي في مجال البحث عن حل جدّي حاسم لقضية النازحين أراح لبنان كثيراً ليس فقط لأنه يبشر بإنهاء أزمة (بلغت حد المأزق) ما كان أحد يتوقع لها حلاً في المستقبل المنظور والبعيد أيضاً، بل لأنه أوجد قاسماً مشتركاً التقى حوله الأقوام اللبنانيون جميعهم… وهذا كان يبدو شبه مستحيل، وفي تقديرنا أنه يصح فيه المثل الفرنسي الذي ورد على لسان المرجع والوارد أعلاه: «هذا أجمل من أن يكون حقيقة».

وليس جديداً القول إن المبادرة الروسية شكلت مفاجأة إيجابية مزدوجة، فمن جهة إعلانها في حد ذاتها هو المفاجأة الإيجابية الأولى. والإعلان عن مباركة الولايات المتحدة الأميركية هي المفاجأة الإيجابية الثانية… ولأنها بمثابة خشبة الخلاص شاهدنا إقبال (بل تسابق) الأطراف اللبنانية على إعلان تأييدها والترحيب بها… خصوصاً وأنها تضع جداول تنفيذية للعودة المرتقبة من دون أن تنتظر الحل النهائي للأزمة السورية وفق ما قالت وتقول به المنظمات الأممية إضافة الى الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية، وهو ما ليس للبنان قدرة على تحمله في إنتظار طويل مرهق… وكذلك لأن الجميع في لبنان توحّدوا على مسألة عودة النازحين السوريين وإن اختلفوا على التوقيت وعلى نوعية العودة… أمّا مع الضمانة الروسية للعائدين مشفوعة بدعم أميركي، فقد سقطت التحفظات.

وتأتي المبادرة الروسية لتخفف من وطأة الإشكال الذي نشب بحدة حول مبادرة حزب اللّه الى تكليف لجنة مهمتها تأمين العودة…

الى ذلك يبدو أن عودة النازحين، إذا إكتملت، سيكون لها مفهوم (غير لبناني) ولكنه مهم جداً وهو وحدة الأراضي السورية، وإن كان من السابق لأوانه توقع عودة الجميع الى منازلهم في قراهم ومناطقهم أقلّه بسبب ما حدث في سوريا من دمار هائل ومذابح مروّعة…

ولكن تبقى حقيقة لا يمكن تجاهلها وهي: إذا كانت المبادرة الروسية حقيقية وصادقة (وهي كذلك) وإذا كان الدعم الأميركي حقيقياً وصادقاً (وهذا ما يؤمل) فإنّ أحداً لا يستطيع أن يقف في وجه هكذا قرار يعلنه أحد الجبّارين ويدعم الجبار الآخر تنفيذه.

يحي جابر المؤسسة العسكرية ضمانة وحدة لبنان وأمنه واستقراره

يصادف الأول من آب المقبل العيد الوطني للجيش اللبناني.. وتتزامن هذه المناسبة الوطنية السعيدة، والمليئة بكل العبر الوطنية والانسانية والعطاء والتضحيات التي لها أول وليس لها آخر، مع ظروف أليمة وتحديات صعبة وبالغة الخطورة تعيشها المنطقة العربية، ولم تبق تداعياتها محصورة ضمن الجدران الاربعة لهذه المنطقة، بل حطت بثقلها في العديد من عناوينها في الواقع اللبناني، ولعل أبرزها وأكثرها خطورة التحديات والتهديدات والاطماع الاسرائيلية في ثروات لبنان المائية والنفطية وغيرها.. وتحويله الى مساحة صراعات يكون الرابح الوحيد فيها الكيان الاسرائيلي..

 

يشهد الجميع ان شهر المؤسسة العسكرية – بإمكاناتها المتواضعة جداً – على الأمن الوطني والسلام والاستقرار، قطع الطريق بنسبة كبيرة وملحوظة على رياح الصراعات والمصالح الاقليمية والدولية، التي سارت وتسير باتجاه معاكس لما يشتهيه اللبنانيون – عموماً، على رغم هيجان الصراعات الطائفية والمذهبية التي ارتسمت على خريطة المنطقة التي تشهد التصادم والتصدع والانشطار بعيداً عن المصالح الوطنية والانسانية و»الروحية« ومبادئها..

لقد كان، ومايزال الحفاظ على السلم الأهلي، ووحدة لبنان أرضاً وشعبا ومؤسسات واحداً من أولى أولويات المؤسسة العسكرية، على  رغم كل ما تعانيه.. وليس أمامها من خيار آخر.. وهي تعض على الجراح، وتمضي في عملها ومهماتها على كامل الاراضي اللبنانية، واصلة الليالي بالنهارات، عاملة على ابتلاع الصدمات التي تواجهها من عديدين.

تتمسك القيادة العسكرية، كما سائر القيادات الأمنية بمعادلة ان الأمن القومي، هو »خط أحمر«.. ولا ترى في التباينات السياسية وغير السياسية بين سائر الافرقاء اللبنانيين، سوى دليل صحة وعافية وثمرة من ثمار الحرية التي تبقى الجرعة الضرورية لبقاء لبنان وتميزه ومصدر قوته وقيمة وجوده.. من دون ادارة الظهر لمحاولات متعددة المصادر تشجع على  المواجهة والمجابهة داخل الكيان.. وقد أثبتت التطورات على ان اللعب على اوتار الطائفية والمذهبية وعلى قواعد التوازن المزمنة، لن يعيد لبنان الى الوراء ويقع فريسة »الخيارات الاستراتيجية المعادية..«.

واللافت، ان »العقيدة القتالية« للمؤسسة العسكرية شكلت مادة أساسية للقطيعة مع سائر السلوكيات التي أوقعت لبنان في محن »الحروب الاهلية« او في محن »حروب الآخرين على أرضه..« وقد أدرك عديدون من القيادات العسكرية، كما والسياسية والروحية، وعلى وقع الوقائع التاريخية، خطورة أن يتحول التنوع الطائفي والمذهبي، الى صراعات على المواقع ودوائر النفوذ ومصدر القرارات والى اجتهادات تفضي الى »تكفير الآخرين« واظهار »عيوبهم«، حيث يصبح الولاء الى الطائفة او الى المذهب هو العنوان المطلوب بديلاً عن الولاء الوطني الجامع – المانع والذي يشكل مقياساً للوطنية والانسانية والمرجعية الواحدة. وبات تجويف مفهوم وحدة الولاء الوطني وافراغه من مضمونه في إقامة الدولة الوطنية، الراعية للحقوق والمصالح والناظمة للعدل الاجتماعي والاقتصادي، مادة أساسية في عرف المتلطين خلف المنظومات الطائفية والمذهبية.. التي لم تتمكن من احداث خروقات تذكر في بنية المؤسسات العسكرية والأمنية، التي حافظت على وحدتها وتماسكها وعقيدتها وقدمت في سبل ذلك، عدداً كبيراً من الشهداءً..

لقد اكتسبت المؤسسة العسكرية، وعلى مدى عقود ماضية، أنها خير ضامن لوحدة لبنان واللبنانيين ولأمنهم واستقرارهم وجنى اعمارهم.. في مواجهة المتربصين شراً في هذا البلد، وفي مقدمهم العدو الاسرائيلي، وهم عازمون على المضي في سياسة امتصاص دمه وتجويع آهله وترويعهم، كلما قضت الحاجة وتهجير أبنائه الى أربع زوايا الارض.

إنها المؤسسة الأم، التي انتصرت على كل محاولات النيل منها ومن هذا البلد ومن أهله، وقد اكتسبت من الخبرات وراكمت من التجارب وعانت ما عانته من أزمات.. وما بدلت تبديلاً.. وبقيت عصية على كل محاولات الاختراق..

من أسف ان يمضي البعض في التعاطي مع هذا الكيان اللبناني، على أنه »دولة طائفية بامتياز..« وجغرافيته طائفية ومذهبية.. وأحزابه طائفية ومذهبية، واقتصاده طائفي ومذهبي، والانماء طائفي ومذهبي بقراراته ومناطقه وموازناته وطرق استثماره وتوظيفه.. والتربية طائفية ومذهبية وقد تربعت على عرض العاملين تحت يافطة »العيش المشترك« او الأصح »التكاذب المشترك..« حيث مورست كل أنواع العهر والقهر والبغاء والمقامرة بالوطن وأبنائه وكرامته وسيادته..

ان الثاني من آب،  هو يوم مشهود له.. ودليل عافية ومصدر أمل في انتصار مشروع الدولة على الدويلات والفصل بين العدو الحقيقي (إسرائيل) والاخصام.. وهو دليل نهج وبلاغة بأن الأمم الواعية تتعاطى مع رجالاتها ومؤسساتها الوطنية بكبر، وبمسؤولية ترتقي الى المسؤولية الوطنية لاطلاق حالة حوار بعيداً عن لغة العنف والالغاء من أجل صياغة لبنان الكبير على قاعدة سيادته واستقلاله والتزاماته العربية والانسانية..