Site icon IMLebanon

شرعية واحدة… ام شرعيتان في اليمن

 

يبقى انعقاد مجلس النوّاب اليمني في سيئون في محافظة حضرموت حدثا إيجابيا، خصوصا ان المجلس انتخب رئيسا جديدا له هو سلطان البركاني. حل البركاني، وكان قياديا في «المؤتمر الشعبي العام»، وهو الحزب الذي اسّسه علي عبدالله صالح، مكان يحيى الراعي. كان الراعي أيضا من قياديي «المؤتمر» في عهد الرئيس الراحل الذي اصرّ الحوثيون على اغتياله في صنعاء في الرابع من كانون الاوّل – ديسمبر من العام 2017.

 

تعود مشكلة الراعي وهو من محافظة ذمار جنوب صنعاء، حيث كرسي الزيدية الى انّه اسير الحوثيين (انصار الله) الذين يسيطرون على العاصمة اليمنية منذ الواحد والعشرين من أيلول – سبتمبر 2014. كلّ من يوجد في صنعاء رهينة لدى هؤلاء. يعتقد الحوثيون انّ في استطاعتهم البقاء في المدينة الى الابد، خصوصا بعد اعتراف الامم المتحدة بهم مجددا، عبر مبعوث الأمين العام مارتن غريفيث، كـ»شرعية أخرى». بالنسبة الى غريفيث الذي استطاع التوصّل الى اتفاق استوكهولم، بين ممثلي «الشرعية» والحوثيين، هناك شرعيتان وليس شرعية واحدة في اليمن. اعترفت الامم المتحدة عمليا بامر واقع فرضه الحوثيون على الأرض، منذ العام 2014 في بلد تحتاج عملية إعادة تركيبه الى صيغة جديدة كلّيا.

 

لا بدّ لمثل هذه الصيغة ان تأخذ في الاعتبار الحاجة الى ان تكون هناك شرعية واحدة بدل الشرعيتين. هذا يستدعي في طبيعة الحال إعادة تركيب الشرعية القائمة عن طريق الاستعانة بشخصية مثل سلطان البركاني، وهو من محافظة تعز وينتمي الى عائلة لها موقعها، على الرغم من انّ ليس في الإمكان المقارنة بين مشايخ الشمال، مشايخ بكيل وحاشد خصوصا، ومشايخ تعز. عندما يتعلّق الامر بنفوذ المشايخ الذين من تعز، لا يمكن مقارنة النفوذ، القليل نسبيا لهؤلاء، بذلك النفوذ الحقيقي الذي يمتلكه مشايخ الشمال اليمني الذين استطاع الحوثيون احتواءهم وترويضهم عن طريق القوّة والقمع احيانا والمال الذي مصدره ايران وغير ايران في أحيان اخرى. لا شكّ ان قدرة الحوثيين على ترويض مشايخ الشمال لعبت دورا مهمّا في فتح الطريق الى صنعاء تمهيدا لتصفية علي عبدالله صالح. اقدموا على جريمتهم حين وجدوا ان الوقت صار مناسبا لذلك وانّه آن أوان الاخذ بالثأر منه.

 

الى ايّ حدّ سيساهم تولي شخص مثل سلطان البركاني رئاسة مجلس النواب في ترميم الشرعية التي على رأسها عبد ربّه منصور هادي وإعادة انتاجها؟ السؤال يطرح نفسه بعدما اصبح هناك رئيس للوزراء من تعز أيضا هو معين عبد الملك سعيد. الى الآن، لم يؤد تعيين معين عبدالملك رئيسا للوزراء الى تحقيق أي هدف يذكر. مضى على وجود الرجل في موقع رئيس الوزراء نحو ستة اشهر، لكن أحدا لم يسمع بايّ انجاز له على أي صعيد كان. يبدو ان الهدف الوحيد من وضعه في ذلك الموقع كان الاتيان برئيس للوزراء من تعز بغية تغطية الاتيان برئيس لمجلس النواب من محافظة ابين الجنوبية مسقط رأس عبد ربّه منصور. لكنّه يبدو ان هناك قوى واعية عملت على احباط هذه المحاولة التي كانت ستزيد وضع الشرعية سوءا، خصوصا ان عبد ربّه منصور ليس سوى رئيس انتقالي لمدة سنتين، أي حتّى شباط – فبراير 2014… وليس رئيسا الى الابد كما يتخيّل بعض الرؤساء العرب من الذين راحوا ضحيّة هذا الوهم بعدما ادخلوا بلدانهم في متاهات كانت في غنى عنها.

 

 

يظلّ المجيء بسلطان البركاني رئيسا لمجلس النوّاب افضل من الاتيان بشخص آخر من ابين. تبقى شخصية مثل شخصية البركاني، على الرغم من وجود اعتراضات كثيرة عليه، افضل بكثير من الاستعانة بشخص آخر من ابين يظلّ كلّ همّه محصورا في استرضاء الرئيس الموقت والقريبين منه…

 

وحده الوقت سيجيب عن سؤال في غاية الاهمّية يتعلّق بمدى مساهمة البركاني في ترميم الشرعية وإعادة انتاجها. هل سيعوّض رئيس مجلس النواب الجديد عن الفراغ الذي تعاني منه الشرعية في ظلّ وجود عبد ربّه منصور هادي في موقع الرئيس وعلي محسن صالح في موقع نائب الرئيس ومعين عبد الملك سعيد في موقع رئيس الوزراء؟

 

تكمن المشكلة في اليمن الذي يعاني اهله من الجوع والمرض والبؤس بكلّ انواعه، فضلا عن انسداد الآفاق السياسية، في الجمود على الصعيد العسكري. ففي غياب أي تغيير في موازين القوى على هذه الجبهة او تلك، خصوصا في الحديدة، يظلّ الوضع يراوح مكانه. ستظلّ هناك شرعيتان وليس شرعية واحدة. ليس ما يشير، الى اشعار آخر، انّ الحوثيين على استعداد لايّ تفاهم يسمح لقوات تابعة للأمم المتحدة او مراقبين دوليين بالاشراف على ميناء الحديدة. هناك في الوقت الحاضر حاجة إيرانية، اكثر من ايّ وقت، الى الورقة الحوثية والى الحديدة. تريد ايران، التي بدأت العقوبات الاميركية تؤثر عليها، تأكيد انّها ما زالت قادرة على استخدام اوراقها، أي ميليشياتها المذهبية، في اليمن والعراق وسوريا ولبنان. هناك حاجة إيرانية اكبر الى اليمن، كي تقول ايران انّها موجودة على البحر الأحمر أيضا.

 

في ظلّ هذه المعطيات، ليست هناك حاجة الى إعادة انتاج الشرعية اليمنية فحسب، هناك ايضا حاجة اكثر من ايّ وقت الى اختراق ذي طابع عسكري في ايّ مكان بغية افهام الحوثيين انّهم ليسوا «الشرعية الأخرى» في اليمن على الرغم من اعتراف الامم المتحدة بهم وإصرار مبعوث الأمين العام على ذلك. الواقع ان غريفيث لم يكن المبعوث الاوّل الذي اعترف بالحوثيين، هناك لوم يقع على عبد ربّه منصور هادي الذي اعترف بهم ووقّع معهم «اتفاق السلم والشراكة» بعد دخولهم صنعاء في 2014. وُقّع الاتفاق وقتذاك بحضور ممثل الأمين العام للأمم المتحدة الذي كان اسمه جمال بنعمر. كان اوّل ما فعله «انصار الله» مباشرة بعد توقيع «اتفاق السلم والشراكة» وضع الرئيس الانتقالي في الإقامة الجبرية واجباره على الاستقالة. لم يستطع العودة عن الاستقالة الّا بعد إخراجه من صنعاء عن طريق التهريب وذلك في وقت بدأت القوى الإقليمية، على رأسها المملكة العربية السعودية، تدرك خطورة الوجود الايراني، في صنعاء خصوصا واليمن عموما، على امن كلّ دولة من دول الخليج العربي.

 

من الواضح الآن، انّ اجتماع مجلس النوّاب اليمني في سيئون وانتخاب سلطاني البركاني رئيسا جديدا للمجلس، يشكلان خطوة أولى مهمّة على طريق إعادة تشكيل الشرعية. ما الخطوة التالية كي يفهم الحوثيون ان هناك شرعية واحدة وليس شرعيتان في اليمن؟ سيعتمد الكثير على ما اذا كان في الإمكان كسر الجمود العسكري. في حال كان ذلك مستحيلا لماذا لا تعلن الامم المتحدة صراحة ان الصيغة الجديدة المطلوب فرضها في اليمن تنطلق من وجود شرعيتين ومن كيان خاص بالحوثيين وان على المناطق الأخرى التي هي خارج سيطرة «انصار الله» البحث عن كيفية تدبير امورها بالتي هي احسن. أي عن طريق إقامة كيانات تعيد الامل بالحياة الى كلّ منطقة من المناطق اليمنية التي خارج الهيمنة الايرانية…