وضع السلاح الفلسطيني على الطاولة بشكل جدّي بعد الحرب الإسرائيلية على لبنان، وقرار الدولة حصر السلاح بيدها، بعدما إتفق الرئيس اللبناني جوزاف عون مع نظيره الفلسطيني محمود عباس على تشكيل لجنة مشتركة لمتابعة أوضاع المخيمات الفلسطينية في لبنان، وأكدا التزامهما بمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية.
وحسب بيان مشترك صدر عقب لقائهما في قصر بعبدا «أكد الجانبان التزامهما بمبدأ حصرية السلاح بيد الدولة اللبنانية، وإنهاء أي مظاهر خارجة عن منطق الدولة».
وكان الرئيس عون قد أكد أن السلطات اللبنانية «تتحرك لنزع السلاح الثقيل والمتوسط على كل الأراضي اللبنانية، بما فيها المخيمات الفلسطينية».
وأضاف: «الجيش اللبناني فكك 6 تجمعات كانت تحت سيطرة مجموعات فلسطينية خارج المخيمات، وصادرنا أو دمرنا الأسلحة فيها».
وتزاماً أوصى المجلس الأعلى للدفاع اللبناني مجلس الوزراء، مطلع أيار، بـ»تحذير حركة حماس من استخدام الأراضي اللبنانية للقيام بأي أعمال تمس الأمن القومي اللبناني، حيث سيتم اتخاذ أقصى التدابير والإجراءات اللازمة لوضع حد نهائي لأي عمل ينتهك السيادة اللبنانية».
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه في هذا الإطار «هل مسألة السلاح الفلسطيني في لبنان هي مسألة فلسطينية أكثر منها لبنانية أم العكس؟ أم إنها مسألة فلسطينية-لبنانية؟ وبالتالي عل السلطات اللبنانية التي تحمل بين يديها كرة نار اسمها سلاح حزب الله، قادرة على أن تفتح ملف السلاح الفلسطيني كجزء أو فرع من ملف سلاح حزب الله، أو كملف مستقل، خصوصاً وأن «حماس» ربطت بشكل غير مباشر بين سلاحها وسلاح «الحزب»مما أعاد إنتاج أو تظهير حجم التعقيدات الفلسطينية واللبنانية المتصلة بهذه المسألة.
في المحصلة فإن ملف السلاح الفلسطيني في لبنان هو ملف إقليمي بامتياز، ليس بسبب الارتباطات الإقليمية لـ»حماس» وحسب، بل لأنه مرتبط أيضا بالمتغيرات والتوجهات الكبرى في المنطقة، سواء لناحية مآلات الحرب الإبادية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، والتي لا يمكن مقاربة الملفات الفلسطينية الإقليمية خارجها.
يذكر أن تاريخ دخول السلاح إلى المخيمات يعود إلى اتفاق القاهرة عام 1969 بين منظمة التحرير الفلسطينية والحكومة اللبنانية، والذي سمح للفلسطينيين بإقامة قواعد عسكرية في الجنوب اللبناني، والعمل السياسي داخل المخيمات، ما أعطى شرعية للعمل الفلسطيني داخل البلاد، وامتلاك السلاح في المخيمات، قبل أن يلغي لبنان الاتفاق بشكل رسمي عام 1987.
بإنتظار ما سوف يؤول إليه هذا الملف بكل تعقيداته وأبعاده الداخلية والخارجية، تفتح «اللواء» ملف المخيمات الفلسطينية في لبنان، من خلال سلسلة أجزاء. ويتناول الجزء الأول خارطة المخيمات والقوى التي تتحكم بها، وأعداد اللاجئين الفلسطينيين و أوضاعهم المعيشية.
•المخيمات في لبنان:
يوجد في لبنان 12 مخيماً رسمياً للاجئين الفلسطينيين، لم تتوسع منذ إنشائها، لكنها تضم أكثر من نصف الفلسطينيين الموجودين في لبنان والمقدر عددهم بـ42 ألف نسمة وفق إحصاء عام 2011، موزّعين بين محافظات عدة، بالإضافة إلى 57 نقطة تجمّع.
وهذه المخيمات تتوزع على الشكل الآتي:
-مخيمات بيروت: صبرا، شاتيلا، مار إلياس، وبرج البراجنة، إضافة إلى ضبية الذي يقع على مسافة 12 كلم شمال بيروت.
-مخيمات الجنوب: عين الحلوة، الرشيدية، المية ومية، البص، والبرج الشمالي.
-مخيم البقاع: الجليل.
-مخيمات الشمال: البداوي، ونهر البارد.
•التعداد السكاني:
وفقاً لتقرير صادر عن «الدولية للمعلومات»، يبلغ عدد الفلسطينيين المسجّلين لدى «الأونروا» في لبنان 489293 فلسطينياً. إلا أن الأرقام الفعلية تشير إلى تقديرات أقل، حيث يُعتقد أن العدد الحقيقي للفلسطينيين في لبنان يقارب الـ300 ألف. بيانات أخرى صادرة عن لجنة الحوار اللبناني- الفلسطيني ونتائج مسح أجرته إدارتا الإحصاء المركزي في كل من لبنان وفلسطين في عام 2017، تشير إلى أن عدد الفلسطينيين يصل فقط إلى 175 ألفاً.
ويشير تقرير «الدولية للمعلومات» إلى أن الأونروا، من جانبها، تقدم خدماتها إلى نحو 200 ألف فلسطيني موجودين في 12 مخيماً فلسطينياً موزعين عبر الأراضي اللبنانية. ويظهر التوزيع السكاني للفلسطينيين في المخيمات كالتالي: مخيم عين الحلوة يضم 50 ألف نسمة، ومخيم الميّة وميّة 4500 نسمة، مخيم الرشيدية 27500 نسمة، مخيم البصّ 9500، البرج الشمالي 19500 نسمة، ومخيم برج البراجنة 16 ألف نسمة، ومخيم صبرا وشاتيلا 8500 نسمة، ومخيم مار إلياس في بيروت الذي يؤوي 600 شخص، ومخيم نهر البارد 27 ألف شخص، والبداوي 16500، ومخيم الويفل في بعلبك 8 آلاف، ومخيم ضبية 4591 نسمة.
وتوفر هذه الأرقام بحسب «الدولية للمعلومات» نظرة عامة للتحديات التي تواجهها الأونروا في تقديم الخدمات والدعم للفلسطينيين المقيمين في لبنان، وتسلط الضوء على الفجوة بين الأعداد المسجلة والواقعية للفلسطينيين في البلاد.
•خارطة القوى في المخيمات:
تشهد المخيمات الفلسطينية تنوعا كبيرا في الانتماءات السياسية وفي السيطرة الميدانية للفصائل على الأرض. فبعد أن كانت كل المخيمات تدين بالولاء لمنظمة التحرير الفلسطينية قبل الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، اتخذت الأمور منحى آخر مع خروج المنظمة من لبنان، وإنشاء السلطة الفلسطينية وانتقال الرمز الفلسطيني الأكبر، ياسر عرفات، إلى غزة.
فبعد ذلك التاريخ انتفضت المخيمات التي تقع في المناطق التي تسيطر عليها سوريا في لبنان آنذاك، ضد عرفات بسبب انخراطه في عملية التسوية التي رفضتها سوريا، فكانت معارك طاحنة في البقاع والشمال، أكبرها في مدينة طرابلس انتهت إلى تصفية نفوذ فتح فيها لصالح المنشقين عنها المدعومين من سوريا. أما مخيمات بيروت، فقد خضعت لعملية مماثلة قام بها حلفاء سوريا من التنظيمات اللبنانية، وتحديدا حركة أمل التي أسقطت مخيم شاتيلا وحاصرت مخيم البرج.
وهكذا باتت المخيمات الفلسطينية في البقاع والشمال وبيروت خالية من أي نفوذ لفتح، قبل أن يعود هذا الوجود حاليا بشكل خجول، فيما حافظت فتح على وجودها في مخيم عين الحلوة في صيدا.
وهكذا تنقسم الولاءات الفلسطينية بين 3 اتجاهات رئيسية هي: فتح والمنظمات التي كانت متحالفة مع سوريا، والفصائل الإسلامية. والأخيرة باتت اليوم محط الأنظار، إذا إنها لا تقتصر على حركة حماس والجهاد الإسلامي المتحالفة مع إيران، فهناك الكثير من الفصائل التي تقترب من فكر «القاعدة».
• محدودية سوق العمل:
وقفت القوانين اللبنانية عائقا أمام عمل الفلسطينيين الذين منعوا من العمل في أي مهنة لا يحق لغير اللبنانيين مزاولتها، وعددها 72 مهنة. فالقانون اللبناني يمنع الرعايا الأجانب من العمل في هذه المهن، إلا إذا كانت دولتهم قد وقعت اتفاقا للمعاملة بالمثل مع الدولة اللبنانية، وهو من جعل من المستحيل على الفلسطينيين القيام بها شرعيا.
واقتصرت العمالة الفلسطينية على المهن البسيطة، خصوصا في المجال الزراعي وقطاع البناء. ووفقا لإحصائيات «الأونروا»، لم يجر توظيف سوى نحو ٥٣٠٠٠ ألفاً من قوة العمل الفلسطينية البالغ قوامها ١٢٠٠٠٠ فلسطيني.
واستمر هذا الوضع قائما، حتى عام 2010، عندما قام وزير العمل اللبناني طراد حمادة بمبادرة منه، بإصدار مذكرة إدارية تستثني الفلسطينيين من الحظر المفروض عليهم في بعض المهن. ورغم أن هذه المذكرة تعد خرقا كبيرا في الوضع القانوني للعمال الفلسطينيين، فإنها لن ترقى إلى مستوى قرار من مجلس الوزراء أو قانون من المجلس النيابي، مما أبقى الكثير من المهن المهمة (خارج نطاق الأحلام الفلسطينية).
فاللاجئ الفلسطيني، يولد في لبنان، ويتعلم في المدارس، ثم يتخصص في الجامعات، لكن شهادته كطبيب أو مهندس أو صيدلي أو محام لا تخوله العمل في لبنان، حيث يبقى أمام الراغبين بالعمل في هذه الوظائف وغيرها باب من اثنين، العمل داخل المخيمات بشكل غير قانوني (في بعض مشاريع «الأنروا» للأطباء والمهندسين) أو العمل في خارج لبنان.
والمهن التي بموجب المذكرة أصبح اللاجئ الفلسطيني الحق بممارستها وفق المذكرة فهي: الأعمال الإدارية والمصرفية على اختلاف أنواعها وبصورة خاصة عمل نائب المدير، رئيس الموظفين، أمين الصندوق، المحاسب السكرتير، المستكتب، الموثق، أمين محفوظات، كومبيوتر، المندوب التجاري، مندوب التسويق، مراقب أشغال، أمين مستودع، بائع، صائغ، خياط، التمديدات الكهربائية، الميكانيكا والصيانة، أعمال الدهان، تركيب الزجاج، الحاجب، الناطور، الحارس، السائق، السفرجي، الحلاق، الأعمال الإلكترونية، طاهي مأكولات عربية، المهن الفنية في قطاع البناء ومشتقاته كالبلاط والمورق، تركيب الألمنيوم والحديد والخشب، والديكور، وما شابه ذلك، وأعمال الميكانيكا والحدادة والتنجيد، التمريض، وجميع أنواع الأعمال في الصيدليات ومستودعات الأدوية والمختبرات الطبية، والتدريس في المراحل الابتدائية والمتوسطة باستثناء تدريس اللغات الأجنبية عند الضرورة، والأعمال الهندسية بمختلف الاختصاصات، وأعمال الكيل والمساحة.
أما المهن التي ما زالت محظورة فهي: الأعمال التجارية على مختلف أنواعها، أعمال الصرافة، المحاسبة، الكوميسيون، الأعمال الهندسية بمختلف أنواعها، الصياغة، الطباعة والتوزيع والنشر، الخياطة، الحلاقة، الكي والصباغة، تصليح السيارات (حدادة، دهان، ميكانيكا، تركيب زجاج، فرش، كهرباء سيارات)، ويضاف إليها المهن الحرة التي لا يمكن لغير المنتسبين إلى نقابتها ممارستها وفق القانون اللبناني، وهي: الهندسة، الطب، الصيدلة، المحاماة والصحافة.
وعليه، يستنتج أن الأوضاع الحياتية والسياسية للفلسطينيين في لبنان، تشكل أحد الجوانب المعقدة والحساسة، حيث تتشابك القضايا الاجتماعية والإنسانية مع التوترات الأمنية.
