«تل الزعتر» شكّل الشرارة الأولى للحرب اللبنانية
نشأ مخيم «تل الزعتر» للاجئين الفلسطينيين عام 1949، بعد نكبة عام 1948، وذلك لإستضافة اللاجئين من سكان مدن الشمال الفلسطيني.
ينحدر سكان المخيم من قرى شمال فلسطين، وعلى الأخص «الخالصة»، و«اللزازة»، و«صلحا»، إضافة إلى البدو الفلسطينيين الذين كانوا يعيشون في فترات اللجوء الأولى في منطقة «المسلخ» شرق بيروت، الذين جرى نقلهم إلى المخيم عام 1965، إثر انتشار دعاية عن وجود مرض «الطاعون» في منطقة المسلخ.
لم يكن مخيم «تل الزعتر» في البداية واحدا من المخيمات المسجلة في سجلات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، على اعتبار أنه كان تجمّعا فلسطينيا مجاورا لمخيمي «الدكوانة» و«جسر الباشا»، اللذين أنشاتهما «الأونروا» عام 1959، ويتبعان لمحافظة جبل لبنان، بالإضافة إلى مخيمات «شاتيلا» و«ضبية» و«برج البراجنة».
ففي سنة 1949 أسست رابطة جمعيات الصليب الأحمر مخيم «تل الزعتر» على قطعة أرض كانت تابعة لملكية خاصة واستخدمت كمعسكر للجيش البريطاني خلال الحرب العالمية الثانية. إرتبط اسم المخيم بموقعه في منطقة خالية من السكان ينتشر فيها الزعتر البري. وفي حين أطلقت وكالة (الأونروا) على المخيم اسم مخيم «الدكوانة» تيمّنا ببلدة الدكوانة المحاذية، حملت الوثائق الشخصية الصادرة عن أجهزة الدولة اللبنانية إسم «تل الزعتر» كمحل إقامة أو ولادة للاجئي المخيم.
ضم «تل الزعتر» عند إنشائه على مساحة 56.645 متراً مربعاً 1932 لاجئا فلسطينيا هجّروا من قرى شمال فلسطين في عام النكبة.
وكان المخيم عند تأسيسه يتكوّن من خيم مؤقتة نصبها الصليب الأحمر ومهاجع قديمة توزع سكانها بحسب انتمائهم إلى عشيرة واحدة، أو تحدّرهم من قرية واحدة. إلى جانب عرب الرمل والعراقية (آل عراقي) القادمين من محيط حيفا، كانت في تل الزعتر أحياء لعرب الطوقين، والغوارنة (سكان بلدة الخالصة وقرى سهل الحولة). وكان هناك كذلك أحياء لسكان قرى فلسطينية في محيط حيفا وعكا وصفد، مثل علما وهونين ولزّازة وغيرها، وساهم هذا التكوين القائم على عنصري القرية الفلسطينية والعائلة الكبيرة (الحمولة) في استمرار تماسك هذه المجتمعات الصغيرة.
في سنة 1952 تولت وكالة (الأونروا) حديثة التأسيس مسؤولية خدمات المخيم، واستبدلت الخيم بأربع مجموعات من البركسات المسقوفة بالإسبست في أنحاء المخيم. ووصل العدد الإجمالي للبركسات إلى 14 ضم كل واحد منها غرفتين كبيرتين واثنتين صغيرتين. وكانت الغرف توزّع على الأسر استناداً إلى عدد أفرادها المسجلين لدى الوكالة.
في أوائل الخمسينيات وبحكم وقوع المخيم بجوار أكبر منطقة صناعية لبنانية، استقطب «تل الزعتر» آلاف اللاجئين الفلسطينيين الآخرين، الذين قدموا من مخيمات الجنوب، وفقراء لبنانيين من قرى وبلدات الجنوب والبقاع، فضلاً عن مهاجرين سوريين من منطقتي حوران والجولان السوريتين.
وفي حين انتقل بعض هؤلاء الفلسطينيين واللبنانيين إلى السكن في المخيم، أقام البعض الآخر، إلى جانب سوريين، بأكواخ صفيح في منطقتي البرج العالي وتلة المير الملاصقتين للمخيم. ثم التحق بجغرافيا المخيم جزء من سكان ضاحية الدكوانة أو الدكوانة الجديدة، كانت أغلبيته من اللبنانيين الشيعة الذين نزحوا من قريتي عيترون وعيناتا في قضاء بنت جبيل، إضافة إلى أسر فلسطينية تحسنت أوضاعها المعيشية فاشترت شققاً سكنية في الرقعة ذاتها. وتحوّل مخيم تل الزعتر وجواره، آنذاك، إلى أكبر معالم حزام البؤس المحيط ببيروت. وفي سنة 1974، وصل عدد سكان المخيم من الفلسطينيين إلى 14.951 نسمة.
عاش الفلسطينيون في لبنان وسط ترحيب شعبي بهم، كنوع من التضامن معهم، بسبب ما حلّ بهم من لجوء وتهجير، وقد استمر ذلك الترحيب إلى حين حدوث الاضطرابات الداخلية اللبنانية عام 1958، والتي حصلت كتداعيات للحرب الباردة آنذاك، وقد أمر الرئيس اللبناني فؤاد شهاب على إثر تلك الاضطرابات بوضع المخيمات الفلسطينية تحت سلطات المخابرات العسكرية التي كان تعرف بـ«المكتب الثاني».
شهدت هذه الفترة تدابير قمعية بحق الفلسطينيين، حيث فرضت عليهم تصاريح من أجل زيارة المخيمات الأخرى، ولم يكن يسمح لهم بعقد الاجتماعات ذات الطابع غير العائلي، كما كان يحظر عليهم الاستماع إلى الراديو أو قراءة الصحف، وكان بناء أو إصلاح المنازل في حاجة إلى تصريح يتعذّر الحصول عليه.
ففي عام 1969، إندلعت «ثورة» غير مخطّط لها داخل مخيمات لبنان، عندما قام السكان بطرد ضباط «المكتب الثاني» الذي كانوا يكنّون له كراهية شديدة، عندها شعر الفلسطينيّون أنّهم عادوا يسيطرون على مصيرهم ويناضلون ضمن حركة جماهيرية من أجل العودة إلى ديارهم.
قادت انتفاضة الفلسطينيين الجماهيرية إلى توقيع اتفاقية القاهرة في مطلع تشرين الثاني 1969 بين ياسر عرفات رئيس منظمة التحرير الفلسطينيّة وقائد الجيش اللبناني إميل البستاني، ومنحت هذه الاتفاقية الفلسطينيين الحق في إدارة مخيماتهم، والانخراط في الكفاح المسلح بالتنسيق مع الجيش اللبناني.
بعد «الإتفاقية» صعّدت المقاومة الفلسطينية في لبنان من هجماتها المسلحة ضد إسرائيل، فردّت الأخيرة بهجمات ضد لبنان موقعة أعدادا كبيرة من القتلى بين المدنيين اللبنانيين والفلسطينيين، ما خلق في لبنان حالة من النفور تجاه منظمة التحرير الفلسطينية وزاد من حدّة التوترات الفلسطينية – اللبنانية.
وقد تأججت المشاعر المعادية للفلسطينيين في الأوساط المسيحية بعد إتفاق القاهرة، بالتزامن أيضا مع بدء الأحزاب «المسيحية» التدريب والتسليح العسكري، وقد أدّت هذه المنعطفات لتحوّل لبنان إلى «برميل كبير من البارود» الذي ينتظر شرارة الاشتعال.
في 13 من شهر نيسان من عام 1975، أشعلت حادثة (بوسطة) عين الرمانة نيران الحرب الأهلية، والتي استهدف فيها مسلحون من حزب الكتائب حافلة كانت تقلّ فلسطينيين من مخيم «تل الزعتر»، وذلك إبان عودتهم من احتفال في مخيم صبرا، وقد استشهد على إثر الهجوم حوالي 27، وأُصيب العشرات، ما أدّى إلى اشتعال المواجهات بين «المليشيات المسيحية» من جهة، والفلسطينيين وحلفائهم من الأحزاب اليسارية و«الإسلامية»، ما شكّل الشرارة الأولى للحرب الأهلية اللبنانية. وكان الحصار الذي تعرّض له مخيم «تل الزعتر» ومن ثم إقتحامه وتدميره وتعرّض أهله للمجازر، أحد إفرازات الحرب الأهلية المستعرّة.
– يتبع: معركة ومجزرة المخيم
