Site icon IMLebanon

تأملات حول «لبنان الماروني الفلسطيني»

 

 

 

واكبتُ كصحافي تغطية مؤتمرات القمة العربية منذ الأول الذي دعا إليه الرئيس جمال عبدالناصر وجرى عقْده في مقر الأمانة العامة للجامعة العربية في القاهرة من 13 إلى 17 يناير/ كانون الثاني 1964. وعموماً كانت المؤتمرات تنعقد في أجواء أخوية وفي إستمرار يلتقي المجتمعون على أمريْن أساسييْن هما «إعتبار إسرائيل الخطر الأساسي الذي يهدد الأمة العربية» و«إستثمارالمياه العربية» و«تعزيز القدرات للجيوش العربية». وحول هذه المسألة بالذات تَوافق الملوك والرؤساء على تأمين المبالغ المطلوبة وقدَّروها ﺑ 154 مليون جنيه إسترليني. زمنذاك كان هذا الرقم لافتاً لكن قياساً بالإحتياجات فإنه على درجة من التقتير، مع ملاحظة أن الإسترليني البريطاني كان المتسيِّد زمنذاك وليس الدولار كما لاحقاً وراهناً ودائماً.. إلى حين.

ثمة أهمية لذلك المؤتمر تًسجَّل للرئيس جمال عبدالناصر الذي بادر ودعا إلى مؤتمر في وقت كانت الخلافات بين بعض الأنظمة تكاد تتحول إلى عداوات، وكانت الإذاعات والصحف الرسمية لبعض هذه الدول تنشر من الكتابات المسيئة أشدها. وحيث أن وسائل الإعلام المصرية كانت مجلية في هذا الشأن فإن عبدالناصر بادر وكمن يريد القول إن طي صفحة الخلافات تبدأ من خلال إستضافته الأشقاء الملوك والرؤساء في جامعة الشمل كما هو الهدف أصلاً من إستحداثها عام 1945 والمتوافَق على أن يكون عبدالرحمن عزّام أمينها العام. ومن هنا إرتأى عبدالناصر أن يكون إستهلال قرارات القمة (ما دام هو الداعي إليها) بعبارة «إن مجلس وملوك ورؤساء دول الجامعة العربية في دور إنعقاده الأول يعرب عن إرتياحه إلى أن إجتماعاته قد أسفرت عن إجماع الملوك والرؤساء العرب على إنهاء الخلافات وتصفية الجو العربي من جميع الشوائب وإيقاف جميع حملات أجهزة الإعلام…».

 

لم تصمد تصفية الجو كثيراً. ثم يحدُث بعد خمس سنوات في الرباط يوم 23 كانون الأول 1969 إنعقاد قمة لا مثيل لندرَة إنعقادها وإرفضاض الإجتماع. فقد حضر الملوك والرؤساء لكن الملك الحسن الثاني إرتأى إستناداً إلى إتصالات أجراها قبْل الإنعقاد والوقوف على وجهات نظر متناقضة، فضلاً عن أن مسألة المساندة المالية لتعزيز القدرات العسكرية لبعض الدول العربية ليست متوافرة بل هنالك بعض التباينات في هذا الشأن، قرر وهو مستضيف القمة أن لا يصدر بيان ختامي والإكتفاء بتوضيح مقتضَب يصدر عنه تمثّل بقوله «إن القمة (الخامسة) توصلت إلى قرارات معيَّنة لا يمكن الكشف عنها وأن إصدار بيان ختامي يكون بالتالي بلا معنى»، وعن الأمين العام للجامعة العربية الذي لم يجدد ما يبرر إنهيار المؤتمر ويغادر الملوك والرؤساء الرباط وكما لو أن لا دعوة إلى إنعقاد المؤتمر من جانب الحسن الثاني.

ونشير هنا إلى أن مسألة المساندة المالية كانت حصراً على السعودية (50 مليون جنيه سنوياً بما يمثِّل 11 في المئة من موازنتها مع التعهد بأنها ستواصل الدفع، إلاّ أنها تريد أن تعرف لمن تدفع ومِن أجْل ماذا تدفع)، والكويت (قالت إنها تساعد مصر والأردن سنوياً بمبلغ 55 مليون جنيه إسترليني وبما يمثِّل 4.5 في المئة من موازنتها وأنها مستعدة أن تدفع من دون زيادة المبلغ)، والجزائر (قالت إنه إذا ذهب العرب إلى الحرب فإنها ستشترك فوراً وتُقدم معدات)، والعراق (أوضح أنه لا يستطيع تقديم أي شيء لأنه مشترِك عملياً في القيادة الشرقية ويدفع مبلغاً كبيراً)، وليبيا (قالت إنها تريد أن تدفع شرْط أن تفعل جميع الدول العربية ذلك أيضاً)، وسوريا (قالت إنها تريد الحصول على مساعدة)، والأردن (لم يطلب مالاً لكنه قدَّم لائحة طويلة بأسلحة ومعدات وطائرات يحتاج إليها)، وتونس (أوضحت أن وضْعها الإقتصادي لا يسمح لها بتقديم أي نوع من المساعدة)، والمغرب (تعهَّد بتقديم مساعدات عسكرية)، ومصر (طلبت أموالاً ومعدات)، ومنظمة التحرير الفلسطيني (طلبت مساعدات مالية)، واليمنان الجمهوري والجنوبي (قالا إنهما ليسا في وضْع المساعدة مالاً وسلاحاً).

وهكذا فإن المسألة المالية هي السبب في إنهيار المؤتمر الذي كان دون مستوى أجواء القمة العربية الإستثنائية في الخرطوم (أيلول 1967).

اللافت في هذه القمة التي إنهارت كما إنهيار مبنى متصدع حاول الأمين العام للجامعة تبرير الإنهيار، إنتهت من دون حتى بيان ختامي فضلاً عن خلوِّها كما المألوف في المؤتمرات من قرارات وتوصيات. كما أن الملك الحسن الثاني الذي إستضاف القمة أشاع بعض التفاؤل لكنه لم يعالج أمر إنهيارها، وغادر الملوك والرؤساء كل إلى وطنه وليس في برنامجه ما يقوله للشعب المنتظِر من القرارات ما يبعث الطمأنينة في النفوس، وعلى نحو ما حدَث عند إنعقاد قمة القاهرة التي دعا إليها عبدالناصر وأثمرت مصالحات بين بعض الحكام المشاركين.

لكن الذي أضفى بعض التطييب لخواطر القادة المشاركين وللشعوب في دول الأمة المنتظرين مفاجآت سارة من القمة، أن الرئيس اللبناني شارل حلو حدد بإسم الجمع العربي وهو الرئيس المنتمي إلى الطائفة المارونية موقف «لبنان الماروني الفلسطيني» بعبارة من خمس وثلاثين كلمة وهي:»مهما كانت الصعاب التي تعترضنا في هذه المرحلة فإنني أُعرب أيضاً عن إيماننا جميعاً، لا بعدالة قضيتنا فحسب، وهي قضية عدْل حق وقضية أرض وقضية شعب مناضل، بل بحتمية النصر الذي سيكون حليفنا بإذن الله…».

وما قاله شارل حلو وهو رئيس يجعلنا نتأمل في عبارة أوردها الرئيس الشيخ بشارة الخوري في مذكراته قبْل وفاته بسنتين وتعكس أيضاً مشاعر «لبنان الماروني الفلسطيني» قالها في رحاب مضافة الزعيم الشيعي الجنوبي أحمد الأسعد (خلال جولة جنوبية له) حول فلسطين التي باتت محتلة بإرادة الغرب الأميركي – الأوروبي وهي: «لا يمكن للصهاينة أن تكون فلسطين أرض ميعادهم في الحاضر، ففيها وُلد المسيح ومات المسيح فداء عن البشر وفيها يقوم ثاني الحرميْن الشريفيْن ولا يمكن أن يَحولَ حائط المبكى دونهما…».

وهذه النظرة تجاه القضية الفلسطينية وتوثيق العلاقة مع الأشقاء العرب ومع الحادبين على القضية الفلسطينية، من جانب الرئيس الأول للبنان المستقل الشيخ بشارة الخوري والرئيس الذي زكَّاه ثالث الرؤساء اللواء فؤاد شهاب ليكون من يترأس بعده، هي السبب الحقيقي الذي من أجْله تخوض إيران المواجهة دفاعاً ولا تعدياً، ورداً على العدوان بالمثل.

وفي ضوء ذلك فإن تقييم بعض الزعامات والقيادات المارونية اللبنانية للدور الإيراني وللقضية الفلسطينية عموماً يستوجب قراءة موضوعية.

مع التمني بأن تثمر المواجهة الإيرانية ضد العدوان الإسرائيلي عوائد لمصلحة السلام وعلى قاعدة «جاء الحق.. وزهق الباطل».