إنها لازمة واحدة ترددها كل دول العالم في الحديث عن الحكومة الجديدة: المساعدات مرهونة بتحقيق الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي تأخر تنفيذها، ويراقب المجتمع الدولي أن تتحقق في شكل عملي.
ومع تمنين النفس من قبل رموز الحكومة الجديدة بأن تتمكن من الحصول على مساعدات من الخارج، يبدو أن الأمر يلتبس على بعض من يمنّن النفس بإمكان التوصل إلى صيغة ما للمساعدات.
فضلاً عما قاله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالاستعداد لدعم حكومة لبنان، كان وزير الخارجية الأميركي أكثر وضوحاً حين قال: “وحدها حكومة لديها القدرة والالتزام على القيام بإصلاحات حقيقية وملموسة يمكنها أن تستعيد ثقة المستثمرين وأن تفتح الباب أمام حصول لبنان على مساعدات دولية”.
لكن كلاهما أردف بإشارات تردد الشرط السياسي الذي كان على الدوام يقال في البيانات التي تلتزم مساندة لبنان، ولا يعيره المسؤولون اللبنانيون أي أهمية لاعتقادهم أنه تكرار تقليدي لعبارات ترد في البيانات والمواقف الرسمية وفي القرارات الدولية. تحدث ماكرون خلال زيارته إلى إسرائيل فأشار إلى مشاركته إياها قلقها من “إمكان انطلاق التهديد ضدها من لبنان”، مشيراً بذلك إلى “حزب الله” من دون أن يسميه. أما بومبيو فلم يوارب فاعتبر أن الاحتجاجات في لبنان “تقول لـ”حزب الله” كفى”.
ترمز الإشارتان إلى المطلب الدولي الدائم من حكومة لبنان بالنأي بالنفس عن صراعات المنطقة، في شكل عملي وملموس هذه المرة وليس بالاكتفاء بتكرار العبارة في البيانات الوزارية ثم خرقها عند أول مناسبة، بل ومن دون مناسبة أحياناً. تطمح الدول إلى فصل لبنان عن أزمات المنطقة التي يقحمه فيها الحزب بسبب ارتباطه باستراتيجية إيران. فلماذا تستثمر الدول في إنقاذ الاقتصاد اللبناني إذا كان معرضاً لحال من عدم الاستقرار بفعل احتمال انغماسه في حروب. ولذلك ربط بومبيو الاستعداد لمساندة لبنان باستعداد الحكومة “للوفاء بالالتزامات”، سواء الإصلاحية أو السياسية على الصعيد الإقليمي. أما ما يقوله المسؤولون الفرنسيون في الغرف المغلقة فهو أنهم صاروا ملتاعين من الوعود اللبنانية بالإصلاحات.
على رغم التمايز في التعابير بين الجانبين الفرنسي والأميركي حيال الحزب، حيث لباريس مقاربتها المختلفة لجهة إبقائها على الصلة معه وامتناعها عن تصنيفه إرهابياً ومعاملته على هذا الأساس، فإنها تفعل ذلك من أجل متابعة دور “الوسيط” الذي تلعبه مع طهران في شأن لبنان والملفات الأكثر دقة وفي طليعتها ملف الاتفاق النووي. إلا أن الدولتين تنسقان مواقفهما عن قرب وفي شكل دوري حول لبنان، في لقاءات ثنائية في باريس بين ديبلوماسيي الخارجيتين في البلدين. ولا بد من تسجيل أن فرنسا انضمت أخيراً إلى التشدد حيال خروج طهران عن التزاماتها في شأن تخصيب اليورانيوم رداً على انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي. فتفاهم باريس مع لندن وبرلين الأسبوع الماضي على اللجوء إلى آلية فض النزاع في مجلس الأمن، الواردة في هذا الاتفاق، يعني التلويح بالعودة إلى فرض عقوبات أممية على إيران وليس فقط أميركية يتيحها القرار الدولي الذي أنجز الاتفاق النووي عام 2015.
مراهنة البعض على أن موقف فرنسا سيكون متساهلاً يسمح بتوقع المساعدات، مقابل موقف أميركي متشدد، قد يكون مجافياً للواقع. فاختلاف اللهجة لا يعني تباعد الموقف في الجوهر.
من نافل القول الإشارة إلى أن العواصم الكبرى والدول العربية تنتظر البيان الوزاري الذي قيل إنه جاهز وتم صوغه، لكن الظروف مختلفة وقد يحتاج الأمر وضوحاً في الالتزامات.
على رغم أن الأولويات أفقية أمام حكومة الرئيس حسان دياب، فإن طمأنة واشنطن إلى أنه لن تتم إقالة حاكم مصرف لبنان، وأن القيادات العسكرية الرئيسة مثل قائد الجيش العماد جوزيف عون والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان سيستمران في منصبيهما، لا تكفي لاستدراج الدعم الخارجي لمعالجة الأزمة الاقتصادية.