تشكل الانتخابات النيابية المقبلة استحقاقاً بالغ الأهمية، يتطلع إليه المجتمع الدولي ويمارس ضغوطاً على القوى السياسية لإجرائه في موعده، تماماً كما تم التحضير للانتخابات البلدية على وقع القصف الإسرائيلي.
تؤكد مصادر دبلوماسية غربية أن إنجاز هذا الاستحقاق يُعدُّ حجر الأساس في رحلة إعادة بناء الدولة التي تخوضها الحكومة الحالية على أكثر من صعيد. فـأولاً، لا سبيل لكسر القبضة الحديدية التي تمارسها الأحزاب على مختلف مفاصل الدولة، من أدنى الوظائف إلى أعلى المواقع، محتكرة السلطات كافة ومختزلة التمثيل الطائفي بشكل مطلق، ما حرَّرها من أي شعور بالمسؤولية أو الخوف من المحاسبة. لذا، لا يمكن استقامة العمل المؤسساتي إلا بعد عدة دورات انتخابية قادرة على إنتاج طبقة سياسية ناضجة، تشكّل بدائل جادة أو شركاء حقيقيين في الحكم.
ثانياً، إن أي شراكة سياسية جديدة تُعد مدخلاً ضرورياً لتطوير القوانين بما يخدم المصلحة الوطنية أولاً، ومصلحة الناخب ثانياً، ويمثل هذا التطوير الخطوة الأولى في رحلة محاربة الفساد الشاقة. فلبنان لا يزال خارج دائرة الدعم الدولي، الذي يشترط بوضوح شرطين لا يقبلان المساومة:
< إصلاح مالي وإداري حقيقي وفق معايير البنك الدولي، لا وفق منطق المصارف اللبنانية، الشريك الأساسي في أكبر عملية نهب للمال العام في التاريخ المعاصر.
< حصر السلاح وقرار السلم والحرب بيد الدولة وحدها.
بناءً عليه، تبدو المرحلة المقبلة مصيرية داخلياً وخارجياً. داخلياً، يوحي تعنّت الثنائي الشيعي في مسألة تعديل قانون الانتخاب بأنه يخوض معركة وجودية، لا سيما بعدما أثبتت أصوات المغتربين في الدورة الماضية تأثيراً كبيراً، نظراً لتحررها من سطوة الأحزاب ومناطق نفوذها.
من جهة أخرى، فإن تمسك الحزب بسلاحه يشكّل تحدياً لن يُحل بسهولة كما يأمل كُلٌّ من رئيسي الجمهورية والحكومة، ما يُبقي شبح التدخل الإسرائيلي قائماً، ويهدد الاستقرار ومحاولات إعادة الإعمار والإصلاح.
ورغم أن لبنان أعاد طرح ملف ترسيم الحدود البرية على طاولة التفاوض أسوة بترسيم الحدود البحرية عام 2022، إلا أن إسرائيل لم تُبدِ حماسة، محافظة على هامش عربدتها العسكرية بذريعة حماية أمنها والقضاء على ما تبقَّى من بنية «الحزب»، باعتباره أحد أذرع إيران في المنطقة.
فهل تفك إيران ارتباط «الحزب» بالسلاح قبل فوات الأوان، وتُحافظ على ما تبقى من الدولة ومن بيئته المنهكة؟ وإذا كانت حسابات «الثنائي» في هذه الدورة لا تناسب مصالحه كما في الدورة الماضية، فهل يتم اللجوء إلى تعطيل انتخاب المغتربين، بما يشكّل استغلالاً بشعاً للسلطة؟
بين فريق يسعى لتغييب أصوات الخارج، وآخر يناضل لإشراكها، هل يكون الحل في تأجيل الانتخابات إلى تموز، إفساحاً في المجال أمام اللبنانيين لزيارة وطنهم وممارسة حقهم الانتخابي، تأكيداً لمقولة جبران خليل جبران:
«لبنان ليس وطناً نعيش فيه، بل وطن يعيش فينا»!
