Site icon IMLebanon

البرلمان: قلب الديمقراطية وأداة تحقيق العدالة

 

 

 

البرلمان هو قلب الديمقراطية، وأداة لتحقيق العدالة التي تضمن المساواة في الحقوق، وتُعبّر عن صوت الشعوب في سياق يتسم بالشفافية والمساءلة.

في 30 حزيران من كل عام، يحتفل العالم باليوم الدولي للعمل البرلماني، وهو مناسبة هامة تتيح لنا التأمّل في دور البرلمان في تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان، وتفعيل المساءلة والشفافية في النظام السياسي. يُعتبر هذا اليوم فرصة للاحتفال بالإنجازات التي حققتها البرلمانات حول العالم في تحسين أوضاع حقوق الإنسان، وتعزيز الحوكمة الرشيدة. في الوقت نفسه، هو لحظة لمراجعة التحديات التي لا يزال البرلمانيون يواجهونها في مختلف أنحاء العالم، والبحث عن طرق لتحسين أداء البرلمانات وضمان تمثيل حقيقي للمواطنين.

 

يضمن البرلمان تمثيلاً حقيقياً للمواطنين من خلال النقاشات والمناقشات الحرّة، وتطوير التشريعات التي تؤثر على حياتهم اليومية. يمثل البرلمان ركيزة أساسية في النظام الديمقراطي، حيث يوفر صوتاً للمواطنين ويعمل على تطوير القوانين التي تؤثر في حياتهم اليومية. من خلال البرلمان، يتم تنظيم وتطوير القوانين التي تساهم في تنظيم شؤون المجتمع وتحقيق العدالة الاجتماعية. يشكّل البرلمان إحدى الركائز الأساسية للديمقراطية، حيث يوفر منصة للمناقشة الحرّة وتبادل الآراء بين مختلف التيارات السياسية، ويتيح للمواطنين فرصة المشاركة الفعالة في صنع القرارات التي تؤثر في حياتهم.

ومع ذلك، لا بد من التأكيد على أن النواب لا يجوز لهم أن يتحوّلوا إلى معقّبي معاملات أو ممارسة أي نشاط يتناقض مع واجبهم الأساسي في التشريع والرقابة. يجب على النائب أن يظل ملتزماً بواجباته البرلمانية، ويجب أن يُمنع من استغلال منصبه لتحقيق مصالح شخصية أو مالية عبر التدخّل في القضايا الفردية للمواطنين. يتعيّن على البرلمانيين الحفاظ على نزاهتهم واستقلاليتهم في العمل التشريعي وعدم توريط أنفسهم في الأعمال التي قد تضرّ بسمعة المؤسسة البرلمانية.

 

في العديد من البلدان، يعكس البرلمان صوت الشعب ويعزز من حقوق الإنسان من خلال مناقشة القوانين وتعديلها بما يتماشى مع مصلحة المواطنين. على سبيل المثال، في البرازيل، لعب البرلمان دوراً حيوياً في التصديق على القوانين التي تضمن حقوق الأقليات، مثل القوانين المتعلقة بحماية حقوق النساء والأطفال، وتوفير الحقوق الصحية والتعليمية للأفراد. كما أن البرلمانات قد تبنّت في بعض الدول قوانين تحمي حقوق الإنسان في حالة النزاعات المسلحة أو أثناء الأزمات الاقتصادية، وهو ما يعكس قدرتها على التأثير الإيجابي في تعزيز العدالة الاجتماعية.

ورغم الدور الحيوي الذي يقوم به البرلمان في تعزيز الديمقراطية، فإن البرلمانات حول العالم تواجه عدداً من التحديات. من أبرز هذه التحديات: الفساد السياسي، وضعف الشفافية، والتدخّلات السياسية التي تعيق قدرة البرلمان على أداء دوره بشكل مستقل. في بعض البلدان، تواجه البرلمانات صعوبات في تحقيق التوازن بين مختلف القوى السياسية، مما يعطل التشريع ويؤدي إلى إعاقة الإصلاحات التي تهم المجتمع. على سبيل المثال، في بعض الدول النامية، لا يملك البرلمان القدرة على معاقبة المسؤولين الحكوميين المتورطين في الفساد أو تقديم القوانين اللازمة لحماية حقوق الإنسان بسبب الضغوط السياسية أو الاقتصادية. هذا يؤدي إلى تقويض ثقة المواطنين في المؤسسات الحكومية والبرلمانية.

من الأهمية بمكان أن يدرك البرلمانيون دورهم الأساسي في حماية الحقوق الإنسانية. خلال الأزمات الكبرى، مثل الأزمات الإنسانية الناتجة عن الحروب أو النزاعات أو الفقر المدقع، يصبح البرلمان نقطة محورية في الدفاع عن حقوق المواطنين. في حالات مثل هذه، يجب على البرلمانات أن تكون قادرة على سن قوانين تضمن حق الناس في الحياة الكريمة، والحماية من التعذيب، والتمتع بحرية التعبير.

وفي السياق العربي، نجد أن بعض البرلمانات قد بدأت في التحرك نحو تحسين التشريعات التي تعزز حقوق الإنسان، رغم التحديات التي تواجهها. على سبيل المثال، في المملكة المغربية، اعتمد البرلمان قوانين تهدف إلى تحسين وضع المرأة، مثل تعديل قانون الأحوال الشخصية لضمان حقوق أكبر للنساء في الطلاق والميراث. كما قام البرلمان التونسي بسن قوانين تعزز حقوق المرأة ضد العنف الأسري، حيث أقرّ قانوناً شاملاً لمكافحة العنف ضد النساء.

أما في لبنان، فقد شهد البرلمان بعض المحاولات لتعزيز حقوق الإنسان، رغم التحديات السياسية والاقتصادية التي يواجهها البلد. فقد أقرّ البرلمان اللبناني العديد من القوانين التي تتعلق بحقوق المرأة، مثل قانون مكافحة العنف الأسري، وهو قانون هام لحماية النساء من العنف العائلي. بالإضافة إلى ذلك، يعمل البرلمان اللبناني على قضايا حقوق اللاجئين والمهاجرين، على الرغم من الأزمات التي يواجهها البلد جراء التداعيات الاقتصادية والسياسية. لكن في الوقت نفسه، لا يزال البرلمان اللبناني يواجه تحديات كبيرة في تحقيق الإصلاحات الجذرية، خاصة فيما يتعلق بالشفافية، محاربة الفساد، وتطبيق العدالة الاجتماعية بشكل فعّال. فالوضع السياسي المعقّد في لبنان، والتدخّلات الطائفية في عمل البرلمان، تؤثر بشكل كبير على قدرة البرلمان على سن القوانين التي تساهم في تحسين حياة المواطنين وضمان حقوقهم. إلّا أن هناك أملاً في أن يتمكن البرلمان اللبناني من استعادة دوره كأداة حيوية للتغيير الإيجابي، من خلال تبنّي المزيد من التشريعات التي تعزز حقوق الإنسان وتساهم في بناء مجتمع ديمقراطي عادل.

إن اليوم الدولي للعمل البرلماني ليس مجرد مناسبة لتسليط الضوء على إنجازات البرلمانات، بل هو تذكير بضرورة العمل المستمر من أجل تحسين الأداء البرلماني وحماية حقوق الإنسان. إنه دعوة لتحسين مسار العمل البرلماني عبر تعزيز الشفافية والمساءلة، وتأكيد قدرة البرلمانات على التأثير بشكل إيجابي في حياة المواطنين.

ومع تطور المجتمعات، تتزايد التحديات التي تواجه البرلمانات في تحقيق أهدافها. إن تعزيز المساءلة، الشفافية، وتمكين المواطنين من المشاركة الفعّالة في اتخاذ القرارات، هو ما يجعل البرلمان أداة محورية في بناء المجتمعات المتقدمة والعادلة.

في هذا اليوم، نتذكر أن البرلمان ليس فقط مؤسسة قانونية، بل هو جهاز يعكس تطلّعات الشعوب نحو الديمقراطية والعدالة. إنه المكان الذي يتم فيه بناء المستقبل، حيث تكون فيه العدالة والحرية والمساواة القِيَم التي يجب أن تحكم العمل البرلماني. ونؤكد على أن البرلمان ليس مجرد مؤسسة قانونية، بل هو قلب ينبض بحقوق الإنسان ويدافع عن العدالة لكل فرد في المجتمع.

من هنا، يجب أن نعمل جميعاً على دعم البرلمانات في جميع أنحاء العالم لتعزيز دورها في بناء مجتمعات ديمقراطية ومستدامة قائمة على العدالة وحقوق الإنسان.

 

* الأمين العام لاتحاد المحامين العرب (سابقاً)

– عضو المكتب الدائم لاتحاد الحقوقيين العرب