Site icon IMLebanon

وماذا عن الرئيس الذي يخاف “الحزب”؟

 

برّأ الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله حزبه وحلفاءه وخصومه من تهمة السعي للفراغ الرئاسي، لكن ماذا يعني قوله إنّ ضرورة إنهاء هذا الفراغ «لا تعني أنه من أجل أن نسدّ الفراغ أن نملأه بأيّ كان أو كيفما كان أو بأي رئيس»؟

وماذا يعني أن يشرح «الحزب» مواصفاته للرئيس المقبل بأن يكون مثل رئيسي الجمهورية السابقين إميل لحود وميشال عون، واعداً بطرح مواصفات أخرى في الحوارات الثنائية أو الثلاثية التي دعا إليها نصرالله، من أجل الاتفاق على اسم الرئيس الجديد، فلا «يناقشني زيد أو عمر من أول الطريق بسلاح المقاومة وفي لبنان هناك ألف ملف تحتاج إلى معالجة وهو قفز عن كل الملفات»، غير إطالة أمد الفراغ رغم اعترافه بأن «الوقت داهم»؟

بل هو قال إن هذه الحوارات فيها «أخذ وعطاء وجدل وتعب وإلى آخره لأن يصلوا إلى الخيار الأفضل». أي أن تأخذ الحوارات مداها، بعد مرور أكثر من شهرين ونصف الشهر على انقضاء مهلة انتخاب الرئيس ومنها أسبوعان من الفراغ.

إلا أنّ هذا الخطاب يقفز فوق إلحاح ضرورة انتخاب الرئيس سريعاً، ويتبرّأ من المسؤولية عن تأخره، ليس لأنّ خصوم «الحزب» يريدون منه أن ينتخب الرئيس الذي يسمّونه، بل يريدون منه ألا يعطّل جلسات الانتخاب بتهريب النصاب، وأن يقترع لمن يراه مناسباً لخطه السياسي ويترك للفرقاء الآخرين أن يقترعوا لمن يرونه متلائماً مع تطلّعاتهم، وليفز بالمنصب، مدركين سلفاً أنّ أي رئيس، لا يعتبر أنّ تسوية ملف السلاح ستكون عاجلة وسريعة. وحتى لو كان الرئيس العتيد صاحب موقف ضد بقاء سلاح «الحزب» خارج إمرة الشرعية، فالأمر ليس مطروحاً على هذا الشكل، بل إنّ أكثر الرافضين لفائض القوة، على قناعة تامة بأنّ معضلة السلاح يجب أن تخضع لنقاش داخلي حول كيفية معالجته، في إطار حواري سياسي وداخل المؤسسات الدستورية، وفي سياق بحث جدي في الاستراتيجية الدفاعية، بمواكبة إقليمية ودولية.

أكثر من ذلك فإنّ أقصى ما يطمح إليه معارضو استقلالية سلاح «الحزب» عن الدولة اللبنانية، هو النأي بلبنان عن حروب وصراعات المنطقة، وعن تحويله إلى ساحة لإذكاء هذه الحروب وإدامتها، كبداية لازمة ولا غنى عنها من أجل أن تأخذ الملفات الاقتصادية والمالية والمعيشية التي لا يمكن لأي مرشح أو رئيس القفز فوقها، طريقها إلى المعالجة لوقف الانهيار المتمادي. فهو الشرط الأول والرئيس لتلقّي المساعدة التي يحتاجها البلد والتي تفوق حكماً، هبة الـ600 ألف طن من المازوت الإيراني التي منع الأميركيون لبنان من الحصول عليها، بفعل العقوبات المفروضة على طهران لأسباب تتعلق بالملف النووي وتدخلاتها في المنطقة، عبر أذرعها، و»الحزب» منها.

خصوم «الحزب» هم الذين لا يريدون لا الحرب الأهلية ولا استدراج أيّ حرب من الخارج على البلد المدمّر أصلاً، تلك الحرب التي لا تتوقف قيادة «الحزب» عن التحذير منها كلّما نطق أعزل من السلاح، بحديث عن السلاح.

الوجه الآخر لنظرة ومنطق خطاب «الحزب» حيال الرئيسين لحود وعون، على أنّهما لم يطعنا المقاومة في ظهرها، هو أنهما رفضا مناقشة تلك الاستراتيجية الدفاعية، وبرّرا توجيه سلاح «الحزب» لأغراض لا علاقة لها بمقاومة إسرائيل بل بمشروع طهران على الصعيد الإقليمي، وفي أحسن الأحوال سكتا عن ذلك، مع كل ما تركه هذا السلوك من أضرار تسببت بعزلة البلد.

خصوم «الحزب» يريدون رئيساً بالمواصفات نفسها التي طرحها نصرالله، لكن بالمقلوب، مع استبدال الجهة التي افترض أنّه يفترض ألا يخضع لها، أي «رئيس أولاً لا يخاف، إذا صرخوا عليه» في جهاز الأمن التابع «للحزب»، أو في وسائل الإعلام التابعة «للحزب»، التي تتولى بث طلائع رسائل التهديد كما جرت العادة، أو من قبل كتلة «الوفاء للمقاومة»، فضلاً «عن الذين أعلى منهم ليبدأ بالرجف والخوف ويتنازل». تقتضي الواقعية التذكير بذلك رغم وجود تفاصيل أخرى، حتى لا يقتصر التخويف على الجهات التي عدّدها السيد حين اتهم بالضغوط، «السفارة الأميركية أو الخارجية الأميركية أو القيادة الأميركية الوسطى». وفي العبارة الأخيرة رسالة إلى قائد الجيش العماد جوزاف عون.

من دون تبرير تدخل أميركا أو غيرها من المعسكر الخصم لإيران، وهو تدخل تعايش معه «الحزب» لعقود، تارة في ظل تصاعد الصراعات بين الغرب وطهران وتارة أخرى في ظل التسويات والتواطؤ في العراق وغيره، والذي دفع لبنان ثمنه، لا يبدو أنّ قيادته اقتنعت بأن إقحامها البلد في مقتضيات السياسة الإيرانية ساهم مساهمة رئيسة في بلوغه الحضيض الذي هو فيه. فمتى يأخذ الحزب إجازة من هذه المهمة، التي تحمّلت مسؤوليتها، غير آبهة بجمهور أكثري من سائر القوى السياسية والطائفية، كانت ثورة 17 تشرين أحد تجليات اعتراضه على سوق البلد إلى «الجحيم»؟