ليس أسوأ من الوضع المالي والإقتصادي سوى الوضع السياسي الذي هو أساس العلة. وما بقي من الدولة والسلطة شيء مثل مسرح العبث. شركة أفلست وازداد أصحابها غنى واستمروا في المناصب. لا محاسبة ولا مخرج من المأزق. مجرد دوران في فراغ جمهورية بلا رأس. دوران حول النفس، ودوران حول الدول وسفرائها «في انتظار غودو». لكن غودو هذه المرة يأتي ولا يأتي بشيء. يكرر ما سمعه من الدائرين في الفراغ، ويضيف إليه الدعوة الى تحمل المسؤوليات الوطنية والتحذير من حرب شاملة. والدائرون في الفراغ فريقان: واحد مرتاح إلى الشغور الرئاسي والقدرة على الإستمرار في فرضه والإنفراد بممارسة الحكم والتحكم معاً. وآخر قلق وعاجز عن إقناع الفريق الآخر أو دفعه نحو العمل العادي في أي بلد، وهو تطبيق الدستور. كثير من الإرتياح يقع في باب ما سماه جان فرنسوا ريفيل: «إغراء التوتاليتارية». وقليل من القلق ينطبق عليه قول المتنبي: «على قلق كأن الريح تحتي».
وكما في طهران كذلك في بيروت. هناك روى وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف معاناته مع الحرس الثوري والتسليم بأن تكون «الديبلوماسية في خدمة الميدان» بدل أن يكون الميدان في خدمة الديبلوماسية. وهنا يؤكد الواقع الناطق أن الديبلوماسية والسياسة والإقتصاد في خدمة الميدان» الذي له «الكلمة»، كما قال السيد حسن نصرالله. ولكن، في طهران إنتخابات نيابية ورئاسية في مواعيدها، مع أن رأس السلطة ثابت في موقعه، وهو المرشد الأعلى علي خامنئي. وفي بيروت صارت الموضة هي تأجيل الإنتخابات.
لا إنتخابات رئاسية منذ خريف عام 2022. لا إنتخابات بلدية، حيث التأجيل الثالث على الطريق بعد التأجيلين الأول والثاني، مع أن هناك 126 بلدية منحلة ومثلها بلديات مشلولة. وبالقوة أجريت إنتخابات نيابية عام 2022، ثم واجه المجلس النيابي شهوراً من الإغلاق والتعطيل. والأسباب مضحكة. مرة نقص التمويل. مرة المخاوف على الأمن. مرة حرب «مشاغلة» إسرائيل عبر الجنوب. والحجة الشائعة حول تأجيل «الإنتخابات الرئاسية» وهي ربط كل شيء في لبنان بنهاية حرب غزة، هي قمة المساخر. فالتعطيل قرار سبق حرب الجنوب بأكثر من سنة. والشغور الرئاسي هو مناخ مثالي بالنسبة إلى قوى التعطيل على الطريق إلى لبنان آخر مقطوع الصلة بالماضي الذي سبق قيام لبنان الكبير عام 1920 والحاضر والمستقبل ومرتبط بالغيب. والمسألة-الكارثة هي أن الأعذار والحجج المالية والسياسية والأمنية والحربية تتقدم على الموجبات القانونية والدستورية. أما حقوق اللبنانيين، وأبسطها العيش الكريم بحرية في دولة، فإن مصالح المافيا السياسية والمالية والميليشيوية تتقدم عليها.
كان لينين يراهن، من بين رهاناته، على من سماهم «المجانين المفيدين»، ودونالد ريغان يراهن على «المجنون الحكيم»، لكن بيروت رهينة نوع من الدهاة المضرّين.