Site icon IMLebanon

مصدر السلطة ومصدر العملة

 

 

لا يبدو حتّى السّاعة وجود أيّ حلحلة سياسيّة في الأفق. لكن هذا لا يعني أن لا أبواب قد تفتح أمام أيّ حلّ لإطلاق عجلة المؤسّسات وانتظامها من جديد. والانعكاسات السلبيّة لهذا الجمود تتزايد يوماً بعد يومٍ؛ لكن بالمقابل تنشط الاتّصالات بين أفرقاء المعارضة. إلّا أنّ الدوران في الحلقة المفرغة نفسها يضعف هذا الفريق. مقابل ذلك، يجهد محور الممانعة ببثّ قرب الاتّفاق على اسم سليمان فرنجيّة، على وقع الصراع الداخلي في هذا الفريق الذي تحكمه المصالح المتبادَلَة والمشتَرَكَة.

 

لذلك، نطرح ضرورة التفكير في حلول من خارج تلك المتدَاوَلَة لأنّ الوضع الذي نعيشه اليوم ليس وضعاً طبيعيّاً. ويجهد محور الممانعة في العودة إلى موضع الفعل عبر تسويقه لاقتراب فرنجيّة من الـ65 صوتاً، بعدما نجح الفريق المعارض بالاحتفاظ بهذا الموقع منذ لحظة تبنيه المرشّح ميشال معوّض. بيدَ أنّ الطرح الذي أطلقه رئيس حزب «القوّات اللبنانيّة» سمير جعجع عن ضرورة البحث في التركيبة، لمنع سلبطة «منظمة حزب الله» أو غيرها على الدّولة، عبر تعطيل مؤسّساتها وتفريغها من الجوهر المؤسّساتي الذي تمارسه منذ تاريخ سيطرتها على الدّولة في 7 أيّار2008؛ هذا الطرح ثبّت المعارضة في موقع الفعل وأخرجها من دائرة ردّ الفعل التي نجح محور الممانعة في أسرها خلف قضبانه.

 

إلا أنّ هذا الخلاف الدّاخلي الممانعاتي قد أسقط محاولة مايسترو هذا الفريق الذي بات اليوم عالقاً بين مطرقة المعارضة وسندان خلافاته الدّاخليّة. ولعلّ هذا ما يعطي المعارضة المزيد من أوراق القوّة. لكن على ما يبدو أنّ حسابات النوّاب الجدد لم ترقَ إلى بيدر مجلس النوّاب لتفتح أبوابه على مصراعيها أمام أمر واقع انتخابيّ ما.

 

والخشية في هذه الحالة تكمن في اقتناع هذا الفريق باقتراب موعد التسوية الدّوليّة من أجل لبنان، ما سيدفعه حتماً للجوء إلى الفوضى المنظمة، وهو يملك قدرات شوارعيّة تبدأ بجيش «الموستيكات» ولا تنتهي بالمواكب الرّاجلة على تخوم المناطق المختلطة، مثل عين الرّمانة وسنّ الفيل وكفرشيما والحدث وغيرها. وهذه قد تكون الفرصة الوحيدة أمامه لضرب صورة قائد الجيش إن استطاع هذا الفريق توريط المؤسّسة العسكريّة بصدام الشوارع الذي تبرع فيه.

 

حذارِ من نجاح هذا المخطّط لأنّ هذه هي الفرصة الوحيدة للفريق الممانع لاستعادة موقع الفعل والخروج من عنق زجاجة ردّ الفعل، واستعادة زمام المبادرة السياسيّة من جديد، علّه يستطيع فرض شروطه لإحكامه السيطرة على الدّولة. وبالتالي مصدر السلطة. وحتّى هذه الساعة لم يتمكّن هذا المحور من تحقيق هذا الهدف.

 

توازياً مع هذا المسار، يقود محور الممانعة حملة ضرب القطاع المصرفي مستخدماً القدرات المؤسّساتيّة التي استطاع السيطرة عليها منذ لحظة سيطرته على الحكم. وتكمن قوّة هذا الفريق في قدرته على العمل لتحقيق أجندة واحدة وبعدّة مسارات بالتوازي. فهو نجح بإعداد شبكته المصرفيّة الخاصّة عبر جمعيّة «القرض الحسن»، وهو يتربّص لحظة السقوط المدوّي للمصارف لينقضّ على السوق المصرفي بقدراته الماليّة التي لم تستطع حتّى الساعة الإدارة الأميركيّة، رغم جبروتها وعظمتها، أن تحدّ امتدادها.

 

ولعلّ هذا ما يطرح عدّة تساؤلات عن مصدر التمويل بالعملة الصعبة. لقد تحوّل الحزب بنجاح إلى منظمة أمميّة عابرة للحدود نتيجة توغّله في دول كثيرة معروفة أرضيّتها من أميركا الجنوبيّة غرباً إلى اليمن شرقاً. فالهدف الأساسي هو إيديولوجي توسّعي. ما يعني ذلك أنّ مصادر الأموال التي كانت تستخدم في العقدين السابقين قد تبدلت حتماً حتّى استطاعت هذه المنظمة التحوّل إلى مموّل لمجتمع بالكامل. وهذا ما يثير الشكوك أكثر فأكثر؛ لا سيّما وأنّ المصدر الذي كان يدرّ الأموال أي إيران، قد تمّ قطعه. وتجارة الممنوعات تمّ حسرها وحصارها. فما الذي تبقى إذاً في هذه الحالة؟

 

هذا ما يحتّم وجود فرضيّة مجهولة حتّى الساعة، وقد تكون مستغرَبَة! ولكن ليست مستبعَدَة. فكيف يمكن لدولة بحجم الولايات المتّحدة أن تعجز عن تحجيم منظمة بحجم «حزب الله»؟ بالطبع فرضيّة تبادل المصالح تتقدّم على أيّ فرضيّة أخرى. ولكن لا يمكن إنكار قدرة هذه المنظمة على إدارة هذه السوق من دون إثارة الشكوك، لا سيّما وأنّها تسيطر على شبكات الصرافة غير المقوننة؟

 

لا أحد حتّى الساعة يستطيع إثبات أيٍّ من الفرضيّات التي قد يطرحها أيّ مراقب بسيط في لبنان. لكن بالطبع لا يمكن حذفها بالمطلق. يبدو أنّ المجتمع الدّولي قد اقتنع أنّ هكذا منظّمات لا تُفَاوَض. فهو حاول أن ينتزع منها ما يريده بموضوع ترسيم الحدود، ونجح بذلك. إذا كانت الدّول الخمس التي اجتمعت في باريس جادّة في ما صرّحت به، فربما قد تجد مناسباً أن تتحرّك بوتيرة أسرع لأنّ السباق اليوم بات سباقاً بين مصدرَين اثنين: السلطة والعملة. فمن حيث مصدر العملة، إن صحّت هذه الفرضيّات، فلهذه المنظمة قدراتها العُمْلاتِيّة. يبقى أن تستطيع السيطرة على مصدر السلطة لتعلن انتصار مشروعها. ومن له أذنان للسماع فليسمَع!