Site icon IMLebanon

لا وقت ضائعاً بين الخماسية والاعتدال

 

يُتابع اللبنانيون، بكثير من الشغف والقلق، تطور مفاوضات الهدنة في غزة. البعض من باب الإطمئنان لوقف المجازر اليومية التي تحصد المئات من المدنيين الأبرياء. والبعض الآخر لإستطلاع مصير الإستحقاق الرئاسي، بعدما تم التسليم، الداخلي والخارجي، بربط الانتخابات الرئاسية في لبنان بوقف إطلاق النار في غزة.

وفي الوقت الذي وُضعت فيه مفاوضات غزة على نار حامية، مازال الملف الرئاسي يتهادى بخطى بطيئة في معارج الخلافات السياسية، وفي لقاءات سفراء اللجنة الخماسية، على طريقة التقدم خطوة إلى الأمام حيناً، وخطوتين إلى الوراء أحياناً أخرى.

 

نواب كتلة الإعتدال أنهوا الجولة الأولى من لقاءاتهم مع القيادات السياسية ورؤساء الكتل النيابية، بإنطباع أن مبادرتهم التشاورية لقيت قبولاً، حتى لا نقول ترحيباً، من معظم الكتل، وبالتالي فإن البحث يجب أن ينتقل إلى التفاصيل. ولكن كالعادة، فإن الشياطين تكمن في زوايا البحث في الآليات التنفيذية، حيث برزت سلسلة من الشروط المتعارضة، بين فريقي المعارضة والممانعة، كادت أن تُعيد البحث إلى النقطة الأولى، «وكأنك يا بدر لا رحنا ولا جينا»!

مفهوم الحوار بدون شروط مسبقة، بدأ يأخذ تفسيرات متناقضة، وجلُّها يتعلق بالخطوات التنفيذية، حيث طلب فريق الممانعة أن يوجه رئيس مجلس النواب الدعوات، ويترأس اللقاءات التشاورية، والتي على أساسها سيحدد موعد الجلسات المتتالية لإنتخاب الرئيس العتيد.

حزب الله الذي أعلن عن «إيجابية» اللقاء بين رئيس كتلته النيابية مع نواب الإعتدال، لم يعلن موقفه النهائي من مبادرة التشاور، فيما إعتبر خصومه السياسيون أن المماطلة في الرد تُعبّر عن رفض مُبطَّن، أو هي تمهيد لإعلان تمسُّكه بمرشحه، ورفضه جلسات التشاور دون آلية محددة، ودون أفق يرسم إتجاهات البوصلة الرئاسية.

الأحزاب المسيحية الكبرى، القوات والتيار والكتائب، رفضت الإنجرار إلى جلسات حوار برئاسة برّي، تأكيداً لموقفها السابق في رفض الجلوس على طاولة حوار، يكون الهدف منها فرض مرشح فريق الممانعة كمرشح وحيد للرئاسة.

إزاء هذه اللوحة الفسيفسائية للخلافات السياسية التي تُباعد بين نواب الأمة، وتحول دون إنعقاد الجلسات الإنتخابية، كان لا بد لسفراء الخماسية من معاودة إتصالاتهم بالأطراف الروحية والسياسية المؤثرة في الإستحقاق الرئاسي، كمحاولة جديدة لتذليل العقبات التي تعترض الذهاب إلى جلسات الإنتخاب، بعدما تعرضت جهود كتلة الإعتدال لنكسة مفاجئة، كادت تُودي بالمبادرة من أساسها.

ليس دقيقاً الكلام الذي يعتبر الفترة التي تفصلنا عن هدنة غزة هي بمثابة «وقت ضائع»، ولا غروّ إذا النواب «تسلّوا»، بلقاءاتهم وتصريحاتهم، إلى أن تدق ساعة الإستحقاق على التوقيت الإقليمي والدولي.

الواقع أن لبنان يجب أن يكون مستعداً لأي تطورات إقليمية ودولية، تعقب وقف النار في غزة، لأن ثمة ترتيبات لأوضاع منطقة، خاصة بعد طرح حل الدولتين بقوة، أميركياً وأوروبياً، والترتيبات المنتظرة على الخريطة الفلسطينية، بإعادة اللحمة بين غزة والضفة، وملف ترسيم الحدود البرية بين لبنان والكيان الصهيوني، وما تقتضيه هذه العملية من إنسحابات إسرائيلية من الأراضي اللبنانية، الأمر الذي يتطلّب وجود رئيس الجمهورية للتوقيع على أي إتفاقيات دولية ، وفق ما ينص عليه الدستور.

من هنا على لبنان أن يكون مستعداً للحظة الحقيقة الإقليمية، ولا نخال أن عواصم القرار الدولي والإقليمي، ستكون متساهلة بالإنتظار وتأخير الترتيبات المتوقعة، إلى أن تتخلى الأطراف السياسية اللبنانية عن خلافاتها وأنانياتها، وتُبادر إلى إنتخاب الرئيس العتيد.

لقد تركت الدول الخمس مساحة للبنانيين ليتوافقوا على إنجاز الإستحقاق الرئاسي، بالصيغة التي يرونها مناسبة. ووُلدت مبادرة كتلة الإعتدال بطرح مبدأ التشاور، من رحم التفاهمات المتفق عليها بين أطراف الخماسية. ولكن تعثر مبادرة التشاور النيابية في نهاية جولتها الأولى، أضاع فرصة «لبننة الإستحقاق الرئاسي»، وكأن البعض يحاول إستثمار هذا الإستحقاق في الترتيبات الإقليمية التي ستعقب حرب غزة.

ويبدو أن التفاهم الأميركي والسعودي والإيراني، الذي لجم التصعيد في الجبهات الأخرى، ومنع تطور حرب غزة إلى حرب إقليمية، مفتوحة على شتّى الإحتمالات، ليس بعيداً عن أجواء الإستحقاق الرئاسي في لبنان، على قاعدة إنتخاب رئيس جمهورية لا يشكل إستفزازاً لأحد، لا محلياً ولا عربياً، وعلى أن يكون رئيس الحكومة شخصية قادرة على تنفيذ الإصلاحات المطلوبة، ومتحرراً من الهيمنات الحزبية والسياسية، حتى يستطيع التحرك بالسرعة اللازمة، وإخراج البلد من دوامة الأزمات الراهنة.

أما من سيبقى خارج هذه التفاهمات فيكون قد اختار بنفسه الخروج من المعادلة السياسية..، إلى أن يقضيَ الله أمراً كان مفعولاً!