إزاء سوداوية المشهد الرئاسي، وحدها الحركة الإقتصادية تطمئن «حزب الله» في الوقت الراهن. ربما كانت سبباً يجعله لا يستعجل حسم الملف الرئاسي والتأقلم مع الفراغ الآخذ بالتمدّد إلى المراكز الأولى للمسيحيين. لا يقارب «حزب الله» الموضوع من الناحية الطائفية مستعيناً بالدستور وما ينصّ عليه، تماماً كما سبق وتعاطى مع بلوغ المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم السنّ القانونية. لا يزال على رأيه رافضاً مبدأ التعيينات في حكومة تصريف الأعمال الحالية.
كل المعطيات المتوفرة تجعل «حزب الله» لا يتردّد في القول إنّ الفراغ الرئاسي سيطول أمده. ليس معلوماً بعد متى سيقتنع باستحالة وصول مرشحه سليمان فرنجية إلى سدة الرئاسة. فالحديث عن «استحالة انتخابه» غير وارد في قاموسه ولا فرضية الطلب إليه الإنسحاب أو تجيير هذا الطلب إلى بكركي أو لغيرها.
خلال لقائه «حزب الله» تحدث الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان عن توازن سلبي بين مرشحي الرئاسة من الطرفين ما يفتح على احتمال المرشح الثالث، وهذا معناه أنّ فرنسا خرجت من مبادرة المقايضة بين فرنجية ونواف سلام وانتقلت للعمل على محور الخيار الثالث رئاسياً.
في المرحلة السابقة راهن «حزب الله» على فرنسا الداعمة ترشيح حليفه والساعية لتغيير وجهة السعودية والتأثير عليها، أو التفاهم مجدداً مع «التيار الوطني الحر» حول ترشيح فرنجية، لكن لا هذه تحققت ولا التفاهم يمكن الرهان عليه.
بات رهانه الوحيد على عنصر الوقت، ولا حول له ولا قوة له إلا بالإنتظار. لم يكن اللقاء الذي جمعه والموفد الرئاسي سلبياً بالمطلق لكنه لم يكن إيجابياً أيضاً. مقاربتهما للموضوع الرئاسي سادها الإختلاف هذه المرة. الحزب الذي كان يثمّن لفرنسا مبادرتها في تحريك الملف الرئاسي وانتشاله من الجمود لم يرق له أن يفاتحه الموفد الفرنسي بخيار ثالث ويتحدث عن تعادل سلبي بينه وبين فريق المعارضة.
يختلف «حزب الله» مع الفرنسيين حول مقاربة الخيار الثالث فما يراه الفرنسي توازناً سلبياً بين فريقي المعارضة والموالاة رئاسياً يعتبره «حزب الله» مساراً نيابياً طبيعياً بين فريق صوّت لجهاد أزعور وهو غير مقتنع بخياره ولم يسبق أن تناقش معه بموضوع ترشيحه، بالمقابل فإنّ مرشح «حزب الله» بدأ رحلة ترشيحه من الجلسة الثانية عشرة وحصد 51 صوتاً رغم مقاطعة قوى المعارضة و»التيار الوطني الحر». ما يعني أنّ الأمل موجود، وحين تتغير المعادلة سوف يتغير رقم فرنجية بالتأكيد.
لا معطيات محلية يمكن الركون إليها من وجهة نظر «حزب الله»، لا الحوار الداخلي ممكن ولا مبادرة فرنسية، ما يجعل انتخاب الرئيس عملية معقدة والفراغ قد يتمدّد للعام الجديد إذا ما استمرّ الوضع على حاله.
حين سأله الموفد الفرنسي عن رأيه بالحوار اشترط عليه «حزب الله» حواراً حول الرئاسة وترحيل أي شأن آخر إلى ما بعد انتخاب رئيس للجمهورية ورفض سحب ترشيح فرنجية، وليطرح الفريق الثاني مرشحه على الطاولة كي يصار إلى النقاش بشأنه. ومثلما يريد الفريق الآخر مرشحاً لديه مشروع عمل رئاسي، يصرّ «حزب الله» على مرشح مؤتمن على المقاومة.
لم يتجاوز «حزب الله» بعد فكرة تكاتف كل القوى لإسقاط مرشحه «تصرفوا على أننا خسرنا وتمّ حشرنا بالزاوية وتحدثوا عن نظرية العزل». فهل المطلوب أن نسلّم البلد لفريق يريد رئاسة الجمهورية والحكومة والحاكمية وقيادة الجيش بينما يتحدثون بلغة العزل والحصار؟ إذاً المسألة هنا تتعلق بالثقة التي يفقدها «حزب الله» بالشريك الآخر لإيمانه أنّ الهدف تطويق خياراته. والحلّ من وجهة نظره أن يذهب كل فريق بمرشحه إلى مجلس النواب أو إلى حوار غير مشروط بسحب فرنجية لأنّ فكرة سحبه غير واردة.
إذاً لا مبادرة ولا وساطة حالياً وفرنسا التي طال انتظار مبادرتها انسحبت من محور تأييد ترشيح فرنجية لسبب لم يدركه «حزب الله» بعد. فهي وإن كانت لم تقل ذلك صراحة إلا أنّ «حزب الله» فهم الرسالة لمجرد طرح الموفد الفرنسي البحث عن خيار ثالث. هي المرة الأولى التي يختلف فيها «حزب الله» مع فرنسا ويخرج عن نطاق التنسيق معها، فكلاهما باتا يسيران في طريق مختلف عن الآخر رئاسياً. لم يعد «حزب الله» في انتظار الموفد الرئاسي ولا يعوّل على حراكه رغم كون فرنسا وحتى الأمس القريب كانت المبادر الوحيد رئاسياً ولكن ربما تأثر الجانب الفرنسي بالأميركي المكتفي بدور المراقب بلا مبادرة، فابتعد عن تأييد مرشح الثنائي ولم يتمكن من التأثير على الجانب السعودي الذي لا يزال يتجنب الإنخراط في الإستحقاق الرئاسي ونقاشاته مكتفياً بالتزام صمت لا يراه «حزب الله» سلبياً لكنه ليس إيجابياً بالمقابل.