بصرف النظر عن النتائج الكارثية، والمدمرة، المترتبة على استمرار الفراغ الرئاسي، يمكن القول أن المعارضة المسيحية، من مختلف انتماءاتها واتجاهاتها، نجحت في وضع «الثنائي الشيعي» باشتباك حقيقي مع دول «المجموعة الخماسية»، وإن بدا أن هذا النوع من الاشتباكات لم يخرج عن كونه من «النوع الناعم» أو الطري، أو المعنوي «بالحسابات الدبلوماسية».
من يستمع إلى رئيس تكتل «لبنان القوي» النائب جبران باسيل، (وهو للمناسبة رئيس التيار الوطني الحر) في صولاته وجولاته على المناطق والمحافظات اللبنانية، سواءٌ في المناطق ذات الكثافة المسيحية أو حتى الحضور المسيحي، وسواها، يدرك للتوّ أن الرجل،اختار الفراغ على إيصال رئيس «يمون» عليه «الثنائي الشيعي»، ومن ضمن هذا «الثنائي» الحليف السابق لباسيل «حزب الله»، الذي يتهمه رئيس التيار بأنه يسعى إلى «فرض» رئيس للجمهورية على المسيحيين فرضاً، في إشارة إلى تبنِّي الحزب ترشيح رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية، الذي بقي لوقت طويل يعتقد أن وصول مؤسس التيار العوني العماد ميشال عون إلى بعبدا هو انتصار «لخطنا» في إشارة إلى خط الممانعة، أو فريق 8 آذار، الذي لم يغادره، ولن يغادره فرنجية يوماً، منذ أن تشكلت تحالفات وانقسامات البلد في حقبة «الوصاية السورية» وما قبلها أواخر أيام حكم الرئيس الأسبق أمين الجميل..
يحفظ حزب الله لفرنجية ثبات مواقفه في إطار الخط المذكور، وهو إن كان «مان عليه» (من مونة) عام 2016، لإفساح المجال أمام وصول عون، فهو ليس في وارد ممارسة «هذه المونة» مجدداً لمصلحة أيٍّ كان، وهذا ما يعرفه فرنجية، وما سمعه الموفد الفرنسي الشخصي جان- إيف لودريان، والموفد القطري الرفيع أبو فهد جاسم بن فهد آل ثاني، الذي انتقل إلى البحث في الأسماء، والفرص، من دون أن تتخذ مباحثاته، طابع الفرض أو التسويق لهذا المرشح أو ذاك، وإن كان الهوى القطري، كما هوى المجموعة الخماسية لمصلحة إيصال شخصية تتمتع بالمصداقية والشفافية، وإيلاء المصلحة العليا للبلد الأولوية، من طراز العماد جوزاف عون، قائد الجيش اللبناني، الذي تنتهي ولايته في النصف الاول من كانون الثاني المقبل (2024).
عند «مترسة» «الثنائي الشيعي» عند مرشحه فرنجية، اصطدمت الوساطات الجارية «بالعقبة الكأداء» التي أدركتها خلية الأزمة الفرنسية، قبل مهمة لودريان وأثنائها، من أن لا سبيل إلى نجاح أي دور أو وساطة بمعزل عن الاتفاق الأولي أو المبدئي مع حزب الله، ومن ورائه أو أمامه رئيس المجلس، الذي بيده مفتاح الدعوة إلى جلسات الانتخاب أو إقفالها، وله طريقته لتطبيق الفقرة الثانية والأولى والأخيرة من المادة 49 المتعلقة بكيفية انتخاب الرئيس، سواء على مستوى النصاب، أو الدورتين، أو التتالي أو التطبيقات، التي شكلت صداماً مع الكتل المسيحية، الأكثر عدداً في المجلس النيابي.
في لعبة «شدّ الحبال» اللبنانية القاسية أو الإشتباك الحاصل إلى «حدود كسر العظم» يتحصن كل فريق بأوراقه العددية، وبعض من تحالفات، ويمعن في المناورات والتصريحات البهلوانية، ذات الطبيعة «النكدية»، وعلى طريقة «الحق معنا» ولنا الصدر دون العالمين أو القبر! أو على طريقة «برز الثعلب يوماً في ثياب الواعظين».
هكذا تحوَّل ساسة الكتل، من مخضرمين أو يافعين، أو طارئين إلى أصوات تعطيل، في ممارسات أقلّ ما فيها، أنها تعبث بمصالح البلاد والعباد. «فالثنائي» لن يقبل، بأي شرط، برئيس يفتعب «المقاومة» في مرحلة بالغة الحساسية، في الصراعات الجارية، سواءٌ على مستوى «البوليتكا السياسية» (الجغرافية السياسية) أو على مستوى النفوذ على طريقة الحرب الباردة، أو التناتش على الموارد الطبيعية، مع بروز اتجاهات او تحولات على صعيد النقد العالمي، من المعادن إلى العملة الخضراء، وسائر عملات «النمور الآسيوية» من الصين إلى اليابان، وماليزيا وصولاً إلى أندونيسيا، ذات الكتلة البشرية الهائلة، والنمو السكاني المتسارع.
و«الثنائي المسيحي» غير الموحد من سمير جعجع رئيس حزب «القوات» وكتلتها «الجمهورية القوية» إلى باسيل، لكل منهما حساباته، فجعجع، أعلنها أنه من سابع المستحيلات السماح لحزب الله أو فريق الممانعة من إيصال مرشحه الى قصر بعبدا، مهما امتد الفراغ في الموقع الماروني الاول في الدولة، وكذلك الأمر بالنسبة لباسيل، الذي يحاول انتزاع مكاسب، ليتعاون مع حزب الله، على طريقة من «دهنو سقيلو»، وهو ضرب من البلف، لن يقبل به حزب الله، هذه المرة، وهو الذي سلَّف التيار الوطني الكثير من استعادة التوازن، الى قانون الانتخابات المعمول به حالياً، الى إطلاق يده في ادارة الدولة على مدى السنوات الست، التي هي عمر ولاية العماد عون، شريك باسيل الحالي في الجولات والصولات..
إذاً، أين المفر، فالأزمة من أمام البلد، تتعقد وتتزايد منذرة بالأسوأ مالياً، وربما أمنياً، فضلاً عن الضغوطات المعيشية القاتلة حتى للفئات الميسورة مالياً، أو ذات الدخل المعتد به، ومواقف التصلبّ من الخلف، تسدّد الضربات للوساطات، وتُسقطها أو تُنهكها الواحدة تلو الأخرى..
على طريقة طارق بن زياد، كان الحل في القتال على طريقة نيل إحدى الحُسنيَيْن: النصر أو الشهادة.. أمَّا على الطريقة اللبنانية، فالحل، بعد الإنتظار، المعني في التصلبّ، بانتظار «ثور هائج» كبير، يُسقط «اللاءات» المتصادمة، ويفتح الطريق لتسوية تأتي برئيس لا يطعن حزب الله بالظهر بـ «ضمانة الدول» ولا يكون ورقة بجيبه، كجزء من دول المحور، اذا ما بقي الإقليم في حالة اضطراب؟!