Site icon IMLebanon

«بريستيج».. أمام وحش الجيوش؟

 

بعض الوزراء يفتقر إلى حُسْن اختيار المفردات في اللغة العربية حين الإدلاء بتصاريح. احتاج وزير الخارجية يوسف رجّي مثلاً وقتاً ملحوظاً لانتزاع تعبير «نزع السلاح» من أدبياته وإبدالها «بحصر السلاح» لما للأولى من التحدّي والاستفزاز. وعلى كعب تصاريح رجّي طلَع وزير الدفاع بوصف «بريستيج» لدور الجيش اللبناني!؟

طبعاً للجيش اللبناني «بريستيجه» الخاص عند اللبنانيين، احتراماً وتقديراً وعلُوّ شأنٍ لتحمّله مشاقّ كبرى تبدأ بعدم تسليحه كما ينبغي للجيوش أن تكون، مروراً بالضائقة المالية الفظيعة التي مرّ بها بعد هبوط معاشات أبنائه بالليرة اللبنانية إلى الحضيض، وصولاً إلى تلقّيه نيران الجيش الإسرائيلي من دون نصير يرفع عنه ذلك. وهذه الأنواع من التحديات التي عاشها تفرض، على الأقل، على وزير الدفاع أن يُحسن التعبير عند الكلام عليه أمام عربدة إسرائيل. العربدة الجوية التي لا تميّز بين مقاوِم، ومواطن، وعسكريّ لبناني. كلهم سواسية في نظَر الدولة العِبرية الحقيرة. فهل تصريح وزير الدفاع للإعلام عن «بريستيج» الجيش اللبناني يعني شيئاً لإسرائيل؟ يزعج إسرائيل؟ تهتم له إسرائيل؟ أصلاً لقد أصبحت جيوش الدول العربية، واحدةً تلو أخرى، عبارة عن «بريستيج» لا أكثر. وصفوفه المتراصة في «المناسبات» الوطنية لكل بلد باتت مشهدية تعظيم للحكام. وإسرائيل تتعامل مع الجيوش العربية على أساس أنها موجودة فقط لتثبيت أولئك الحكام في عروشهم، ولتقديم انطباع للشعوب بأنها جاهزة ومقتدرة. أما مواجهة مشاريع إسرائيل لتلك البُلدان، فلا أثرَ لها في التكتيك ولا الاستراتيجيا!

 

و«بريستيج» أيضاً لها معنى بالعربية رغم أنها كلمة أجنبية ننقلها حرفياً:

«هذا المصطلح يعني ببساطة شديدة الطريقة الصحيحة والمهذبة للتعامل، واللباقة في التصرف، والأسلوب الأمثل في مراعاة قواعد السلوك بما يتوافق مع أسس التربية الحديثة والآداب السليمة، بالقدر الذي يقدم صاحبه للآخرين في صورة مشرقة، تستوجب الاحترام والثقة؛ لذلك فإنه يستحق وصفه بأنه علْم الحياة، ومنبع الأخلاق والرقيّ».

فماذا تفهم إسرائيل من هذا الوصف الحضاري الخلّاق؟ إسرائيل التي خرقت القرار ١٧٠١ أكثر من ألفي مرّة بحسب وزارة دفاعنا، وقتلت مئتي شخص تقريباً وجرَحت مئتين على كل الأراضي اللبنانية بعد وقف القتال، وكانت حربها الشعواء على بلدنا خطفَت الآلاف شهداءَ ومصابين ودمّرت مئات البيوت وما زالت على رؤوس ساكنيها، عندما تسمع بأن دور الجيش اللبناني في الجنوب بل في لبنان كله هو «بريستيج»؟ إسرائيل تقتل وتشرّد وتهدّم بجيشها التلمودي الخرافيّ العقيدة والأخلاق والسلوك في لبنان، ونحن نردّ بأن جيشنا غاية في السلوك الحضاري المدني الإنساني؟ عدوّك يقول لك إن جيشي جاء ليسحقكم ويلغيكم، وأنت تقول له إن جيشي يعتمد الأسلوب المهذّب واللباقة في التصرّف؟ ولا نبالغ إذ نقول إن هذه الكلمة «الناكتة» التي أطلقها وزير الدفاع عفوَ الخاطر من دون التبصّر في معناها، تَضرّ وتُسيّء و«تتهكّم» على الجيش نفسه في هذه الآونة الخَطِرة التي يعمل هو على إمرارِها بحنكة وحكمة وقوة معاً، القوة العسكرية الميدانية. فإذا نزَعنا القوة من الحنكة والحكمة بات جيشنا عارياً أمام وحش الوحوش بين كلّ الجيوش!

ذات يوم من منتصف السبعينيات كانت هناك محاضرة لسماحة الإمام السيد موسى الصدر، وكانت المرحلة ملتهبة بالسؤال عن ترك الجنوبيين بلا حماية، فصرخ: «قالوا للجيش اللبناني فَخِّم المكاتب، لمّع الأحذية، واهرب من وجه إسرائيل». «البريستيج» من وزير الدفاع اللبناني اليوم هو نفسُه معنى كلام موسى الصدر الذي قيل قبل خمسين عاماً.

منذ نشأة دولة إسرائيل عام ١٩٤٨، والخطر يحيق بجنوب لبنان، وتالياً لبنان كله. ومنذ استقلال لبنان عام ١٩٤٣ والجيش اللبناني المرَكّب على قاعدة حفظ النظام الطائفي لا أكثر، لم يتغيّر دوره إلّا قليلاً. بقي الخضوع للتمويل والتسليح والرعاية من الخارج. وبقيت الإمكانات الشحيحة تحاصره. وبقي القرار السياسي بتعزيز حضوره غير «البريستيجي» ملجوماً بألف اعتبار واختبار.

وهناك خشية من أن يتحوّل نعتُ الوزير للجيش اللبناني إلى صِفة هجينة تُطلَق عليه «جيش البريستيج»!