Site icon IMLebanon

“ماغي ما رح ترجع”… والمسؤولون “كأنّ شيئاً لم يكن”!

 

جولة على فضائح انهيارات مباني المدارس الرسمية

 

 

حادثتان شهدهما الشهر الماضي. سقوط تسلّخات إسمنتية من سقف مدرسة النموذج الرسمية للصبيان في طرابلس، وانهيار سقف مدرسة المنية الرسمية للبنات في حي البلاط. العناية الإلهية ربما تدخّلت لتقتصر الأضرار على الماديات. لكنها مشاهد أعادتنا إلى مدرسة الأميركان الطرابلسية سنة 2022… إلى يومٍ سقطت الطالبة ماغي حمود ضحية الاستهتار تحت قنطرة إحدى غرف مدرستها.

 

«خسرنا ماغي وما حدا تحرّك. رمّموا الثانوية وفتحوها وكأن شيئاً لم يكن. لا الحكي نفع ولا القضاء عم ياخد مجراه. منّا طالبين محاكمة حدا لكن عالأقل، وإكراماً لروح ماغي، يحقّقوا مع المتّهمين ويرجعوا يطلعوهم أبرياء». كلمات ملؤها الأسف لدوللي، شقيقة ماغي، في اتصال معنا. فأن يتحوّل طلّاب المدارس الرسمية إلى مجرّد أرقام ومشاريع شهداء انهيارات الإهمال ليس تفصيلاً. «ماغي ما رح ترجع، بس ما بدنا يعيش غيرنا يلّي بعدنا عايشينو. حياتنا صعبة بدونها».

 

سنة وثلاثة أشهر مرّت على تلك الحادثة وحزن العائلة لم يخبُ. ملف قضائيّ وشبهات ومتورّطون ومدارس عدّة. نبحث أكثر.

 

السلامة في مهبّ التواطؤ

 

اللجنة القانونية في المرصد الشعبي تتابع استقصاءاتها في هذا السياق. ويشرح المحامي والناشط السياسي، واصف الحركة، لـ»نداء الوطن» أنه تبيّن بعد فاجعة مدرسة الأميركان أن العديد من مباني المدارس الرسمية المستأجَرة في الشمال غير مستوفية لشروط السلامة العامة. ومنعاً لحصر المسؤولية بمالك العقار ومهندسي وزارة التربية، جرى التوجّه إلى إدارة الأبحاث والتوجيه في مجلس الخدمة المدنية. فالأخيرة هي المرجع المختص الذي تُشترط موافقته قبل التوقيع على أي عقد، بعد دراسة مدى توافُر الحاجة للمبنى والإعلان عنها وتلقّي العروض وإجراء الكشف والتأكد من مدى ملاءمته للغاية المرجوة منه والموافقة على قيمة بدلات الإيجار.

فإلامَ خلصت اللجنة؟ «ظهر أن المراقب علي حمود هو من كشف على كافة أبنية المدارس الرسمية المستأجَرة في الشمال واستئجارها وإعادة استئجارها وزيادة بدلات إيجارها عند انتهاء مدة العقد، في حين كانت القيمة التأجيرية تنخفض بنسبة ملحوظة. كما لوحظ أن معظم المدارس جرى استئجارها من دون الإعلان عن الحاجة لتلقّي العروض كما درجت العادة. أما الجهة المالكة، فهي نفسها لعدد كبير من المباني غير المستوفية لشروط السلامة العامة – جمعية «بيت الزكاة والخيرات» في طرابلس. وقد تمّ استئجار المباني ببدلات باهظة، ما يدلّ على «تواطؤ» ما بين حمود والمالكين وحصوله على منفعة ما جرّاء إبرام العقود بالتوافق مع رئيسة الإدارة، ناتالي يارد، والتي يعود لها أمر البت النهائي بكل ما يصدر عن إدارة الأبحاث والتوجيه»، كما يفيد الحركة.

سقوط مبانٍ… وأصحاب مواقع

 

وهذه جولة على بعض المباني تلك. نبدأ بثانوية القبة الرسمية (مدرسة الأميركان) الشاهدة على رحيل ماغي. فقد اعتبر الحركة أن سقوط السقف لم يكن قضاءً وقدراً بل «نتيجة طبيعية لاستمرار الساقطين في مواقعهم السياسية والإدارية والتربوية»، على حدّ تعبيره. المبنى كان سابقاً ثكنة عسكرية للجيش السوري صدّعته القذائف التي انهمرت عليه. وفي العام 2016، قامت الوزارة باستئجاره بعد موافقة إدارة الأبحاث والتوجيه، لقاء بدل إيجار سنوي قدره 209,171,000 ليرة، وذلك بعد قيام المراقب حمود بدارسة الملف والكشف على المبنى. فهل جاءت نتيجة الكشف لتسهيل إنجاز عقد الإيجار خصوصاً وأن قيمته كانت مرتفعة جداً؟

ليس هذا فحسب. فقد عادت الوزارة واستأجرت المساحة المتبقية من العقار ذاته في العام 2017 وبموافقة إدارة الأبحاث والتوجيه، ليصبح بدل إيجار المبنى الإجمالي 349,415,000 ليرة (مبلغ كفيل بتشييد مبنى جديد). وقتها، كشف حمود أيضاً على الجناح الإضافي في المبنى مؤكداً مدى ملاءمته. أما مهندسة دائرة المشاريع والبرامج في الوزارة، فأفادت في تقريرها الفني بأن المبنى مصمّم كبناء مدرسي، لكنها لفتت إلى العديد من الإصلاحات التي يحتاجها وخطورة بعضها. «رغم ذلك، خلصت إلى التوصية باستئجار المبنى واشتراط تعهّد المالك بإنجاز الإصلاحات في وقت لاحق. علماً بأن القانون ينصّ على إنجاز هكذا نوع من الإصلاحات قبل الموافقة على إبرام العقد»، بحسب الحركة.

تجديد عقود بلا عروض

 

إلى مدرسة سليمان البستاني الرسمية، حيث قامت الوزارة في العام 2011 باستئجار المبنى الذي تعود ملكيته لوقف «بيت الزكاة والخيرات» أيضاً، بموافقة إدارة الأبحاث والتوجيه، لقاء بدل إيجار سنوي قدره 118,846,846 ليرة. وحصل ذلك بعد أن قام المراقب حمود نفسه بدراسة الملف. ويخبرنا الحركة أنه، قبل انتهاء مدة الإيجار المحدّدة في العقد بتاريخ 06/06/2017، طلبت الجهة المالكة من الوزارة إعادة تخمين البدل أو الإخلاء. لكن هذا ما حصل.

أحالت الوزارة الملف مجدداً إلى إدارة الأبحاث والتوجيه للموافقة على محضر التخمين الجديد، حيث قام حمود بالكشف على المبنى مرّة أخرى مؤكداً وضعيّته الجيّدة، دون تكليف أي مهندس لإجراء كشف فني والتأكد من خطورة العيوب الموجودة فيه. عندها خلصت الإدارة إلى الموافقة على إعادة استئجار المبنى لقاء بدل إيجار قدره 265,342,000 ليرة (أي ما يزيد عن ضعف البدل السابق). ويردف الحركة: «أشير هنا إلى أن المراقب حمود أوصى باستئجار المبنى بطريقة مثيرة للريبة وخلافاً للأصول المتّبعة في إدارته دون استدراج أي عروض، ما يدلّ على وجود تواطؤ واضح بينه وبين مالكي هذه الأبنية».

معطيات أمام القضاء

 

ثالث المحطات مع مدرسة إبن خلدون الرسمية، حيث تمّ استئجار المبنى في العام 2012 مقابل بدل إيجار سنوي بقيمة 375,753,760 ليرة. وفي العام 2018 – أي قبل انتهاء مدة العقد – طلبت الجهة المالكة (جمعية «بيت الزكاة والخيرات») إعادة تخمين المبنى على أساس اعتماد سعر متر بيعي قدره 2,100,000 ليرة أو إخلاءه عند انتهاء المدة. وعليه، جرى تنظيم محضر تخمين وإعادة استئجار للمبنى اعتماداً على سعر 1,900,000 ليرة للمتر البيعي. وقد قامت مهندسة الوزارة، نجلا العريس، بكشف أظهر أن المبنى بحاجة إلى إصلاحات. عندها وافقت إدارة الأبحاث والتوجيه على اعتماد سعر 1,700,000 ليرة للمتر البيعي (السعر الذي اعتبرته لجنة الإيجارات مرتفعاً جداً). وبعد أخذ وردّ بين الإدارة واللجنة، اعتُمد سعر متر بيعي بقيمة 1,200,000 ليرة ليصبح الإيجار السنوي 478,113,610 ليرة.

ويضيف الحركة أن دور إدارة الأبحاث والتوجيه، كجهاز رقابي، يقضي بتخفيض البدلات المقترحة من قِبَل الوزارات التي تجري رقابتها عليها، وليس العكس كما في هذه الحالة. وهو ما يشير بوضوح إلى وجود منفعة ما من جرّاء تلك الزيادة. «تؤكد اللجنة القانونية في المرصد الشعبي، التي سبق لها وتقدّمت بشكوى أمام النيابة العامة التمييزية اتخذت بموجبها صفة الادّعاء الشخصي، على ضم كافة المستندات الإضافية المتوافرة لديها إلى التحقيق، للمساعدة على كشف الرابط الذي يجمع بين مختلف عمليات الاستئجار وتحديد المسؤوليات الجزائية والمدنية لكل من: رئيسة إدارة الأبحاث والتوجيه، ناتالي يارد؛ مراقب الإدارة، علي حمود؛ لجنة الإيجارات الفرعية في الوزارة؛ مهندسة دائرة المشاريع والبرامج، نجلا العريس؛ وكل من يظهره التحقيق فاعلاً أم شريكاً أم محرّضاً أم متدخلاً»، كما يختم.

وزارة غائبة وحكومة صمّاء

 

حملنا المعطيات أعلاه محاولين الاستيضاح من وزارة التربية. لكن الانهماك بالصراعات الداخلية، ذات النكهة الفضائحية، هناك أعادنا فارغي الجعبة. فانتقلنا إلى النائب ملحم خلف الذي تابع شخصياً الأعمال في ثانوية القبة الرسمية قبل إعادة فتح أبوابها. وقد أعرب في حديث لـ»نداء الوطن» عن أنه تواصل مع الوزير مرات عدّة لكن عمليات الصيانة ما زالت دون المستوى المطلوب. وعن السؤال الذي وجّهه بعض النواب عبر رئيس المجلس إلى الحكومة إثر انهيار سقف المدرسة، قال: «نواجَه دوماً بحجة أن الحكومة مستقيلة وأن الأموال غير متوافرة، لكن حياة الطلّاب في خطر… يجب إجراء مسح كامل لأبنية المدارس، وأعد بمواصلة متابعة الموضوع».

نذكر هنا أن الرئيس برّي وجّه في 03/11/2022 سؤالاً إلى الحكومة جاء فيه أن عدم قيام الوزير بواجباته يشكّل إهمالاً وتقصيراً في القيام بما يلزمه به القانون. وحيث أن طلّاب المدرسة تحدّثوا عن معاناة مع انهيارات سابقة للسقف، ما يفضح تقصير الوزارة في حماية سلامتهم؛ وحيث أن المدارس في كافة المناطق معرّضة للانهيار دون أن تحرّك الجهات المعنية ساكناً ودون إجراء أي تحقيق لتحديد المسؤوليات؛ من هنا كان السؤال عن الأسباب التي منعت الحكومة ومجلس الإنماء والإعمار والهيئة العليا للإغاثة والوزارة من القيام بالإصلاحات والكشوفات اللازمة. السؤال أُرفق بتمنّ بتقديم جواب خطي خلال مهلة 15 يوماً، إلّا أن الأسئلة ما زالت تنتظر «تصريف الإجابات».

فتات الإعتمادات

 

من جهته، ذكر الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة، اللواء محمد خير، عبر «نداء الوطن» أنه طلب تخصيص الهيئة بأكثر من مليون دولار ضمن موازنة العام 2024، كون إصلاح طريق سرجبال في الشوف وحده يتطلب ثلاثة ملايين دولار. أما ما رُصد فقارب 20 ألف دولار لا غير. «تواصلْت مع وزير التربية واقترحت عليه تأمين الاعتمادات اللازمة لتهتمّ الهيئة بالتلزيمات، لكن على دائرة الهندسة في الوزارة أن تتابع الأمر. فإن لم تتوافر الاعتمادات الكافية من مجلس الوزراء، لا يمكننا المباشرة بأي عمل».

نبقى مع الموازنة ونختم بها. عضو الدائرة القانونية في جمعية «الشعب يريد إصلاح النظام»، المحامي نجيب فرحات، أشار خلال لقاء معه إلى أن موازنة العام 2024 لم تلحظ أي مبلغ لأي مشروع أو إنشاء. «حتى قانون الإيجارات القديم للمباني غير السكنية أعيد إلى مجلس النواب بذريعة أن هناك مدارس رسمية مستأجَرة ضمن مبانٍ قديمة… ذلك بدلاً من التفكير في كيفية إنشاء مدارس جديدة وترميم القديم منها». فرحات اعتبر أنه كان بإمكان الوزارة، سواء داخل الحكومة أو لجنة المال والموازنة، أن تطلب اعتمادات في هذا الخصوص. لكن، هنا كما في مسائل أخرى، تتواصل المعالجات الناقصة التي تعوزها حلول ناجعة.