Site icon IMLebanon

الوساطة القطرية بين حزب الله والضغوط الأميركية: محاولة دبلوماسية لتخفيف الأزمة اللبنانية

 

شهدت الساحة السياسية اللبنانية تصعيداً لافتاً في أعقاب انسحاب وزراء «الثنائي الشيعي» من جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، حيث كثف حزب الله الخطاب الهجومي ضد الحكومة ورئيسها تحديداً. هذه الخطوة، التي تُعدّ الأولى من نوعها منذ سنوات في إطار التعامل الرسمي مع ملف السلاح، سرعان ما وضعت لبنان في قلب عاصفة سياسية وأمنية، خصوصاً مع ازدياد الضغوط الأميركية على حزب الله من جهة، ودخول قطر على خط وساطة حسّاسة تحاول احتواء التوتر ومنع انزلاق البلاد إلى مواجهة مفتوحة.

في هذا المناخ المعقّد، كشفت مصادر سياسية لبنانية مطّلعة أن حزب االله، عبر وساطة إيرانية، توجه بطلب مباشر إلى قطر للقيام بدور الوسيط في الملف الشائك لسلاح الحزب. تسعى القيادة الحزبية إلى منح نفسها مهلة زمنية كافية لبحث الملف داخلياً مع قياداتها ومقاتليها، والابتعاد عن الضغوط الحكومية والأميركية التي تسعى إلى فرض أمر واقع سريع.

 

وترى مصادر مطّلعة أن حزب الله يراهن على قدرة قطر في إقناع الأميركيين بتوسيع المهلة الزمنية، وفتح باب التفاوض على ترتيبات تتيح عقد سلسلة لقاءات مع أطراف لبنانية رسمية مثل الحكومة والجيش، إلى جانب جهات إقليمية ودولية. تهدف هذه المشاورات إلى تقديم ضمانات ومقترحات تساعد في تخفيف العقوبات، وتفادي أي مواجهة مسلحة داخلية، تضع لبنان أمام خيار المواجهة بين حزب الله والجيش.

يُذكر أنه في آذار الماضي ورد في تقرير نشره مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS): «يُعتبر تدخّل قطر في ملف نزع سلاح حزب الله محاولة دبلوماسية لإيجاد تسوية وسطية بين الضغوط الأميركية والواقع اللبناني المعقّد، حيث تسعى الدوحة لتخفيف حدّة المواجهة وتقليل احتمالات نشوب صراع داخلي».

 

وفي سياق مشابه، أكدت مصادر صحيفة أن الحزب مقتنع بأن الوساطة القطرية قد تتيح له فرصة لشراء الوقت، وهو ما يمثل ضرورة حيوية في ظل الأوضاع المتفجرة على الأرض، سواء من الناحية السياسية أو الأمنية.

يشار إلى أن قطر تمتلك علاقات وثيقة مع الجهات الرسمية اللبنانية، الأمر الذي يجعلها لاعباً مؤثراً قادراً على الضغط من أجل تمديد مهلة تفكيك سلاح الحزب، ومناقشة تداعيات هذه الخطوة على الأمن والاستقرار الوطني. ويُعتقد أن الدوحة ستسعى إلى ضمان عدم تصعيد الأزمة.

تقديم قطر دعماً مباشراً للجيش اللبناني في شكل منح مالية لتغطية مصاريف الوقود ورواتب الموظفين يعزز من نفوذها، ويجعلها قادرة على التوسط في قضايا حسّاسة مثل مهل نزع السلاح، حيث يظل الجيش طرفاً رئيساً في تطبيق هذه الخطوة.

يُذكر أنه في شهر أيار من العام الجاري، أعلنت قطر عن تقديم غاز طبيعي مجاني للبنان عبر الأراضي السورية، في خطوة تهدف إلى دعم الاقتصاد اللبناني المتعثر، وتعزيز استقراره الطاقي. كما أكّد وزير الدولة القطري لشؤون الطاقة سعد بن شريدة الكعبي أن لبنان يُعدّ مفتاحاً للاستقرار في شرق المتوسط، وأن بلاده ملتزمة بدعمه عبر إمدادات طاقة مستدامة.

في تقرير لصحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية في شهر آب الفائت، جاء: «على الرغم من الضغوط الأميركية المتزايدة، يعتمد حزب الله بشكل كبير على دعم إقليمي، ولا سيما من إيران وقطر، حيث تلعب الدوحة دور الوسيط الذي يحاول استغلال نفوذها لدى واشنطن وطهران لتحقيق تهدئة مؤقتة في الملف اللبناني».

رغم الوساطة القطرية، يظل ملف نزع سلاح حزب الله محفوفاً بتعقيدات إقليمية. إذ ترفض إيران بشدّة أي محاولات لتجريد حزب الله من سلاحه، معبّرة عن موقف حازم عبر كبار المسؤولين. فقد أدلى مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي أكبر ولايتي بتصريحات قوية تؤكد دعم الجمهورية الإسلامية للحزب، معارضاً أي محاولة لنزع السلاح.

من جانبها، دانت وزارة الخارجية اللبنانية هذه التدخّلات الإيرانية، ووصفتها بأنها «تدخّل سافر وغير مقبول في الشؤون الداخلية». تعكس هذه التصريحات عمق الخلافات بين القوى المحلية والإقليمية، وتزيد من تعقيد فرص التوصل إلى حل.

ويشير مراقبون إلى أن إعادة إعمار مناطق نفوذ حزب الله عبر دعم قطري قد تكون بمثابة هدية تسهم في امتصاص الغضب الشعبي، وتساعد الحزب في تعزيز موقعه، خصوصاً في ظل الغضب الشعبي الداخلي، سواء داخل البيئة الشيعية أو باقي الطوائف اللبنانية.

في الوقت ذاته، تبدي واشنطن حذراً من الوساطة القطرية، مع أنها لم تغلق الباب تماماً أمام الحوار. تؤكد الولايات المتحدة على ضرورة أن تكون هناك خطوات عملية وجدّية لتقليص النفوذ العسكري للحزب، وربط أي تخفيف للعقوبات بإنجازات ملموسة على الأرض.

ووفقاً لتقرير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى: «تمتلك قطر علاقات فريدة مع الأطراف اللبنانية والدولية، مما يجعلها في موقع مؤثر للتوسط، لكن نجاح أي وساطة يعتمد على التوافق الإقليمي والداخلي، ومدى التزام الأطراف بالتفاهمات».

وفي تقرير «نيويورك تايمز» أيضاً: «رغم أن الوساطة القطرية قد تؤدي إلى تمديد مهلة التفاوض، فإن هناك شكوكاً كبيرة في أن حزب الله سيقدم تنازلات حقيقية في الملف الأمني، بالنظر إلى الدعم المستمر من إيران واستراتيجياته المتبعة في المنطقة».

تواجه الوساطة القطرية تحدّيات جسيمة على مستويات عدة. أولاً، ثمة تخوّفات من أن يكون التمديد في المهلة مجرد «كسب وقت» دون تحقيق خطوات جدّية تلتزم بها الأطراف. ثانياً، ثمة انقسامات داخلية لبنانية عميقة، تعيق بناء توافق حول الملف الأمني الحساس. ثالثاً، استمرار الدعم الإيراني للحزب يزيد من صعوبة التوصل إلى تسوية كاملة.

مع ذلك، تظل الوساطة القطرية بوابة ممكنة لتخفيف الأزمة، خصوصاً أن أي تصعيدا في الملف قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الأمنية والسياسية، مع تداعيات خطيرة على لبنان والمنطقة بأكملها.

في حال أخفقت الوساطة القطرية في التوصل إلى تفاهمات عملية، فإن لبنان قد يجد نفسه أمام واحد من مسارين خطيرين: الأول هو عودة التصعيد السياسي إلى حد المواجهة الميدانية بين الجيش وحزب االله، وهو سيناريو يحمل مخاطر تفجّر صراع داخلي يعيد إلى الأذهان مشاهد الحرب الأهلية. أما المسار الثاني فهو استمرار الوضع الراهن مع تصاعد الضغوط الأميركية، ما يعني مزيداً من التدهور الاقتصادي والعزلة الدولية، وهو مسار لا يقلّ خطورة لأنه يفاقم الانهيار من دون حلول.

ويرى خبراء أمنيون أن الفشل في استثمار هذه الوساطة سيعني عملياً خسارة فرصة نادرة لفتح قناة تفاوضية مقبولة إقليمياً ودولياً، خصوصاً أن معظم المبادرات السابقة اصطدمت بجدار التجاذبات الداخلية. وفي ظل غياب بدائل دبلوماسية قابلة للحياة، فإن أي إخفاقاً في هذه المرحلة سيجعل لبنان رهينة لميزان القوى الميداني، بدل أن يكون رهينة لتفاهمات سياسية تحفظ الدولة ومؤسساتها.

تعتبر الوساطة القطرية محاولة دبلوماسية معقّدة في ملف حسّاس، تهدف إلى تحقيق توازن دقيق بين الضغوط الأميركية وواقع النفوذ الإقليمي والمحلي لحزب االله، إلّا أن النجاح الحقيقي لهذه الوساطة رهيناً بمدى قدرة الأطراف على التوافق، واستعداد الحزب لتقديم تنازلات ملموسة، من شأنها أن تحقق استقراراً حقيقياً للبنان وتحفظ وحدته الوطنية.