Site icon IMLebanon

هوامش الانكسار في بيان «الانتصار»!

 

من الآن حتى إشعار آخر، ستبقى واحدة من أبرز معادلات الشأن السوري هي أنّ إسرائيل تضرب كيفما تشاء وساعة تشاء، فيما محور الممانعة يكتفي بِعدّ الضربات.. ولا يجرؤ (مجدداً: لم يعد يجرؤ!) حتى على توعّد «العدو بالردّ في المكان والزمان المناسبَين»!

وكلّما تصاعدت وتيرة الأفراح بـ«منع سقوط سوريا»، صعدّت إسرائيل من «حضورها»! وتوالت ظواهر توزيع جغرافية «القطر الشقيق» ومراكز النفوذ فيه، على القوى الإقليمية والدولية التي دخلت أو أُدخلت إلى مسرح النكبة الأكبر من نوعها (وغير نوعها!) في مطالع القرن الحادي والعشرين!

والأمر الذي يثير العجب، هو أنّ جماعة المحور الإيراني ماضون في أناشيدهم وكأنّهم في عالم آخر. لا يهمّهم من البيان سوى العنوان. حتى لو كان على ذلك القدر من البؤس والرثاثة المركونَين في القول بأنّ بشّار الأسد «لم يسقط»! وإن سوريا (بالجمع!) «لم تسقط»!

أمّا حقيقة أنّ إسرائيل تردّ على سقوط قذيفة واحدة على موقع لها في الجولان، بتدمير ثلاثة مرابض مدفعية تابعة لبقايا سلطة الرئيس السابق! وتردّ على إطلاق صاروخ واحد من ريف دمشق على إحدى طائراتها فوق البقاع، بتدمير كلّ المنظومة التي أطلقت الصاروخ، فذلك صار جزءاً من السلوكيات المألوفة وطبائع الأمور عند جماعة المحور الممانع.. «المنتصر»!

وهذه السلوكيات وتلك الطبائع تفرض الخرَسْ المحسوب والدقيق والموضعي. أي الاكتفاء بإصدار بيان عام يشبه خبر وكالات الأنباء الأجنبية. ولا يصدر إلّا بعد افتضاح الخبر، وإلّا لا داعي لأيّ بيان أو توضيح! ثمّ الاستمرار في موازاة ذلك، بإطلاق الأهازيج الانتصارية إزاء الداخل (السوري) وتوسيع رقعة «المهزومين» لتشمل الإسرائيليين والأميركيين مع الإرهابيين! ثم تكبير فحوى «الهزيمة» لتشتمل دفعة واحدة على «تكسير مشروع إسقاط سوريا وتدميرها». و«إنشاء شرق أوسط جديد». وتسويق إسرائيل. وضرب «المقاومة» وصولاً إلى «إفشال» محاولة «أمريكا» الانسحاب من«الاتفاق النووي»!

على «كلّ» ذلك المشروع، «انتصرت» جماعة إيران في سوريا! لكن الواضح أنّ هناك «تفاصيل صغيرة» لم تأخذ حقّها التام في هذا المقام: إسرائيل «المهزومة» تقصف جوّاً وبرّاً على كيفها! وتشترط، ويلبّي صديقها الروسي شروطها، في أشياء كثيرة مثل «الحزام الأمني»، برغم الخلاف على مدى عمقه وليس على وجوده! وتركيا في الشمال تركّز نفوذها المباشر وتسبق إسرائيل في إقامة مثل ذلك الحزام لحماية حدودها من «داخل» الأراضي السورية! والأميركيون في الشرق والشمال الشرقي يوزّعون قواعدهم استعداداً لمرحلة مواجهة طويلة على ما قال وزير الخارجية ريكس تيلرسون تعقيباً على سقوط الرقّة! ويدعمون الأكراد في السباق للسيطرة على حقول النفط والغاز في دير الزور ومحيطها! وروسيا نفسها، تدعو إلى تسوية بين «شعوب سوريا» مع أنّ لبّ بيانها لتبرير تدخّلها الصاعق هو «الحرب على الإرهاب»! وليس وجود قضيّة خلافية ونزالية كبيرة بين «الشعوب» السورية، تحتاج إلى «تسوية» لا بدّ منها!

.. ثمّ هناك «تفصيل» آخر، لا تتوقف عنده طويلاً (أو قصيراً) أناشيد المحور الإيراني: الرئيس الأميركي دونالد ترامب «يتوقع» الدخول في «مرحلة جديدة» في سوريا بعد النهاية الوشيكة لـِ«داعش». وذلك يعني «دعم جهود وقف العنف والسماح بعودة النازحين بأمان، وبدء مرحلة انتقالية تحقّق إرادة الشعب السوري»!

إبهام شديد الوضوح! ويتضمن ثلاثية لا يستسيغ سماعها أبداً جماعة محور «الانتصارات الإلهية»: يتحدث عن «وقف العنف» وهم يريدون إكمال المعركة حتى «القضاء على آخر إرهابي!». وعن عودة آمنة للنازحين، وهم لا يريدون عودة أحد! كي لا يتعرّض «تجانس» المجتمع السوري للتشويه مجدّداً! ثمّ الأنكى من ذلك أنّه يتحدّث عن «مرحلة انتقالية» ويستخدم مصطلح «إرادة الشعب السوري» وهم في جنيف على مدى ست جولات تفاوضية، وفي الميدان على مدى ست سنوات قتالية لم يفعلوا شيئاً خارج منطوق «الأبد» و«إحراق البلد»!

«تفاصيل» صغيرة، لا يريد محور إيران رؤيتها كي لا تخدش بيان «الانتصار» وتعكّر خواطر أهل الممانعة.. وأيّ «انتصار» وأيّ «ممانعة»؟!