Site icon IMLebanon

تطورات اقليمية تجرف تسويات داخلية الى الضياع

سياسيون يتخاطفون الجمهورية الى مواقعهم:

والجمهورية تبدو عصية على الخطف والخاطفين!! يبدو ان لكل فريق في البلاد جمهوريته، في حين ان الجمهورية تطفو على اديم بحر متلاطم الأمواج، وغير مستقر على حال ثابتة. خصوصاً بعدما ارجأ رئيس مجلس النواب الجلسة النيابية السادسة والعشرين، الى الثامن من شباط المقبل.

هل تنعقد الجلسة النيابية للإنتخاب عشية عيد مار مارون الواقع في التاسع من الشهر المقبل؟ تسري الأمور من تأجيل الى تأجيل، بعد اعلان الرئيس نبيه بري ان مبادرة ترشيح الرئيس سعد الحريري للنائب سليمان فرنجيه اصبحت في ثلاجة الانتظار.

ثلاثة امور اساسية، دفعت الانتخابات الرئاسية الى الانتظار ابرزها تفاقم الصراعات الاقليمية، وانفجار الازمات بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الاسلامية في ايران، واعدام الرياض نحو ٧٢ شخصية وتصفية الشيخ نمر النمر، واتخاذ دول عربية اساسية مواقف صارمة ضد ايران، والوقوف الى جانب السعودية، واعلان بعضها قطع العلاقات الديبلوماسية مع ايران، ومبادرة بعضها الآخر الى خفض تمثيلها الديبلوماسي ولا سيما بعض دول الخليج، واشتعال الحرائق السياسية في لبنان بين حزب الله وتيار المستقبل بسبب الهجوم السياسي على المملكة العربية السعودية، وقيام عناصر أساسية الى الرد على الحزب، والحملة الشعواء على ايران، وان كان ثمة من دعا الى مواصلة الحوار بين الحزب والمستقبل لان البلاد من دون حوار ذاهبة الى الانفجار.

كان المراقبون يتوقعون استئناف المساعي التوافقية لاختيار رئيس يقود الجمهورية من الشلل والفراغ الى الحوار واللقاء في منتصف الطريق، غير ان انفجار الازمات الاقليمية، اضاع معظم الفرص المتاحة لانقاذ الجمهورية من الضياع، وسط تزاحم الازمات، في مهب الانهيارات والمناكفات بعد اسبوعين من الجمود السياسي والاداري، وتعاقب العطل الرسمية في البلاد.

ويقول وزير التربية الوطنية ان تلك التطورات، جعلت الرئيس العماد ميشال عون، لا المرشح الاقوى شعبياً، بل الرجل الأفضل، في انقاذ الجمهورية من الضياع، وان كان النائب فرنجيه ينتظر اعلان السيد سعد الحريري ترشيحه رسمياً ليضفي على المعركة طابعاً رسمياً، بعد فوزه بترشيحه جدياً من زعيم المستقبل.

والآمال لا تزال معلقة على الضياع في حسم موضوع الترشيحات الرئاسية، لان ثلاثة أمور معلقة في البالون الرئاسي وهي:

اولاً: احتمال مضي الدكتور سمير جعجع في ترشيح العماد عون للرئاسة الاولى، لان المستقبل اقدم على ترشيح النائب فرنجيه، مع ان رئيس حزب القوات اللبنانية كان من ابرز الحاضرين في مهرجان الذكرى الثانية لاغتيال الوزير السابق محمد شطح.

ثانياً: حسم مواقف الشيخ بطرس حرب من الترشيح الرئاسي، وهو المرشح الدائم، وغير المعلن دائماً، باسم ١٤ آذار.

ثالثاً: انتظار الموقف النهائي لالمستقبل من ترشيح النائب فرنجيه، ليعلن حزب الكتائب اللبنانية الموقف النهائي من ترشيح زعيمه الرئيس السابق الشيخ أمين الجميل.

وفي هذه الحال، يتحدد الموقف الحاسم لبكركي، وما إذا كان الكاردينال الراعي سيخرج عن تحفظاته، ويعلن باسم المطارنة الموارنة مواقف اكثر ايجابية من ترشيح الرئيس الحريري لرئيس تيار المردة سليمان فرنجيه او اللجوء الى مرشح ثالث، من غير الاسماء التي تطرح نفسها في كل مناسبة، وهي لا تحظى بأي ترشيح جدي.

الا ان رحيل الوزير والنائب السابق فؤاد بطرس في الاسبوع الفائت، جعل البلاد في حال حزن على غيابه، خصوصاً وانه برز خلال الحقبات الماضية، كرجل ملم بالشؤون والشجون اللبنانية، الماماً عاماً، كان يؤهله لاطلاق مبادرات على مستوى الوطن، وهو الذي اختاره الرئيس فؤاد شهاب، ودفع به من قاضٍ كبير ومحام عظيم الى ميدان السياسة.

في عهد فؤاد شهاب شغل فؤاد بطرس ابرز الحقائب السياسية الى جانب فيليب تقلا، وشغل في عصر شارل حلو حقيبة الخارجية وفي عهد الرئيس الياس سركيس توالى بصورة دائمة وزارة الخارجية.

وغياب فؤاد بطرس عن عمر قارب الخمسة وتسعين عاماً، كان علامة فارقة في السياسة اللبنانية، وخصوصاً وانه رأس اللجنة الوطنية لاعداد قانون انتخابي جديد، بتكليف من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وانجز أول قانون انتخابي يجمع بين النظامين الأكثري والنسبي.

ويقول الرئيس حسين الحسيني، ان التجارب، منذ إتفاق الطائف حتى الآن تؤكد ان لا جمهورية من دون حوار، وان لا حوار من دون ارادة جامعة توحد ولا تفرّق.

وهذا ما جعل نزار يونس يدعو الى الاعتراف بان الازمات التي نعانيها ليست قدراً محتوماً لا نفاذ منها، فهي النتيجة الحتمية لنظام سياسي، يودي بحكم تكوينه ودينامية عمله الى كل ما نعانيه من فساد وترهل في بنية الدولة وتشرذم وضمور في الشعور بمواطنة جامعة.

ويرى ان الدولة هي كيان سياسي يجسد البنى التنظيمية والقانونية التي يعوّل عليها لادارة الشأن العام ويتوجب على الدولة لحسن اداء مهماتها ان تكون احادية النصاب، ترابية البنية وحيادية تجاه مواطنيها في ادارة المصالح العامة.

ماذا تعني الدولة، عندما تتنازع فيها السيادة والشرعية والقرار، ويمارس على ارضها العنف اللامشروع لتحقيق اغراض وأهداف فئوية، ويقول نزار يونس في كتابه جمهوريتي ان الاستنتاج البسيط الذي يفرضه المنطق هو ما نطلق عليه اسم دولة، ليس الا كياناً قبلياً يشكل من مذاهب وعشائر ومواقع مالية أو اقتصادية.

لقد وجد نظام المحاصصة الطائفيّ القائم على تقاسم المجال العام بين الطوائف، والذي واكب حياتنا الوطنيّة منذ قرن ونصف قرن، مبرّراته الأخلاقية في تقاسم السلطة بين الطوائف والفئات اللبنانيّة من أجل الحؤول دون إلغاء فئة او حرمان سواها. لكن هذا الهدف لم يتحقّق، لأن النظام تحوّل الى نقيض ما سعى اليه، إذ إنه وطّد في الممارسة التشابك بين المصالح الفئوية وبين المصلحة العامة، نتيجة للنزوع الطبيعيّ لممثلي الطوائف المتوافقين على التقاسم، الى التنازع والتصارع على حجم الحصص وانعكست هذه اللعبة على التوازنات بين الطوائف، وشرَّعت استغلال العصبيّات في موازين القوى وتوظيفها في صراعات النفوذ داخل الطوائف ذاتها. أدّى هذا في النهاية الى احتدام الصراعات العموديّة بين الجماعات، وبروز التناقضات المفتعلة بين الطوائف، كبديل من التنافس السياسيّ على المشاريع المطوّرة للمجتمع.

ومن الطبيعيّ أن يؤدي تحاصص المناصب العامة وتملّكها من الطوائف، الى جنوح من تولّى الموقع، في سبيل تحصين حيازته له، الى التجييش الطائفيّ أو المذهبيّ الغرائزي، مع ما يستدعي ذلك من ابتداع هواجس سياسية في مختلف المجالات، لان الأكثرية من الشعب اللبناني، على اقتناع بان نظام المحاصصة هو نظام فاسد.

وتُلقي غالبية اللبنانيين مسؤولية إخفاق السلطة وعجزها على الطبقة السياسية التي تعاقبت على الحكم منذ الاستقلال، ويجنح فريق من النخب الفكريّة والثقافية الى إشراك الاجتماع اللبناني في هذه المسؤولية على قاعدة كما تكونون يُولَّى عليكم، إذ يعتبر هؤلاء أن الشعب الذي يشارك في الإستحقاقات الدستورية في نظامنا البرلمانيّ غالباً ما يؤكد اختيار ممثّليه من الطبقة المشكو من ممارساتها.

أزمة النظام العليل المزمنة، أصابت المجتمع المدنيّ بوباء فقدان المناعة، وتركته عرضة لتفشّي الأمراض المستفحلة في جوارنا، والتخلّي عن دوره للجماعات المذهبية والأسرية.

يلاقي الرأي بإلقاء المسؤولية عمّا نعانيه على الطبقة السياسية استجابة عاطفيّة في الكثير من الأوساط، من دون أن تتعدّى هذه الاستجابة نطاق الرغبات المستحيلة، إذ لا بدّ من التسليم بأن استبدال سياسيّ أو نائب بسواهما، كما يحدث في الواقع، لم يوفّر الدواء للعلّة.

وربما، كان نظام ميثاق الطائف قضى بضرورة التخلي عن هذه القاعدة.

وما كان للدولة اللبنانيّة، المعوّل عليها لتوفير الشروط استقرار العيش معاً، أن تستقلّ أو تستمر لولا الميثاق الوطني عام ١٩٤٣، الذي جاء تجسيداً لتسوية ميثاقية بين اللبنانيين المسيحيين والمسلمين، اعتمدت للتوفيق بين جماعات كانت متباينة الأهداف والتطلعات، على قاعدة الالتزام المتبادل بثوابت ومسلّمات يُعتبر التقيّد بها شرطاً اساسياً لاستمرار الشراكة والوحدة الوطنية.

تناول هذا الميثاق، تأكيد وحدة الدولة وأحاديّة الانتماء الوطني، والنأي عن النزاعات والصراعات الإقليمية. لذلك ضُمّنَ الميثاق بنداً مكرَّساً لحياد لبنان، جاء على ذكره الاستاذ باسم الجسر في كتابه ميثاق ١٩٤٣، نقلاً عن نصّ الوثيقة التي كتبها المؤرخ يوسف ابراهيم يزبك وراجعها الرئيس الشيخ بشارة الخوري، وأكد في مذكراته دقّة معانيها.

من الراهن، أنَّ في حياد لبنان، الوطن التعددي المسالم، مصلحة لشعوب المنطقة التي تعاني الحروب والصراعات، لحاجتها الى ساحة عاقلة وآمنة للتواصل في ما بينها أو للالتقاء. كما انها بحاجة الى فضاء اجتماعيّ يوفّر لها ما قد يخفّف آلامها وحرمانها، إذ إنّ ممارسة مثل هذا الدور بنزاهة وموضوعية وشرف قد تكون أجدى في معالجة الصراعات.

وقد وجد النظام الطائفيّ مبرراته الاخلاقية في توخّيه العدالة بين الفئات المكوّنة للاجتماع للحؤول دون شعور بعضها بالغبن أو بالحرمان. لقد كانت نيّات مؤسسيّ النظام الطائفيّ نبيلة من دون شكّ. لكن من المؤسف ان تقود الصيغة الإجرائية لتحقيق الأهداف المتوخاة الى فساد الدولة وإقصاء المجتمع المدنّي، والى تعميم الشعور بالغبن والحرمان بالمداورة على جميع الفئات بدلاً من محاربته، ما أدّى الى اندلاع الفتن والصراعات التي كادت ان تقضي على وحدة الوطن وسلامة فئاته من دون استثناء.

والأدهى في الأمر هو كون نظام المحاصصة الراسخ والمتجذّر في حياتنا الوطنية غدا من المسلمات الذهنية لدى الشريحة الأوسع من اللبنانيين. الإشكالية هي أنّ المسلّمات الاجتماعية غالباً ما تتحوّل مسلّمات عقليّة، حتى ولو كانت خاطئة وتتعارض والمنطق. الصعوبة الذهنية في إدانة نظام المحاصصة الطائفيّ تكمن تحديداً في صعوبة الفصل بين فلسفة العيش معاً – وهي المسلّمة التأسيسية للشراكة في الوطن – من جهة، وبين الصيغة الاجرائية لترجمة هذه الفلسفة، من جهة أخرى، والتي تمثلت حتى اليوم بتقاسم الأنصبة في السلطة بين الطوائف.

لقد أُرسيَ نظام المحاصصة الطائفية، كصيغة اجرائية، للعيش معاً. والسؤال الذي يُطرح نتيجة إفلاس هذا النظام: هل هنالك صيغة إجرائية أخرى، بديلة لنظام المحاصصة، تتيح العيش معاً وتوفّر المساواة والعدالة بين اللبنانيين خارج تقاسم المواقع الطائفية للمجال العامّ وللأنصبة في السلطة؟

هذا السؤال يطرح اليوم بإلحاح، من جرّاء خلط الفكر الطائفي السائد، بين الهدف الميثاقيّ وبين الصيغة الموظّفة لتحقيق هذا الهدف، ما يثير الشكّ في نزاهة هذا الفكر، عندما لا يفرّق بين الغاية والوسيلة. فبدلاً من الاعتراف بفشل نظام المحاصصة كصيغة اجرائية، والبحث الصادق عن صيغة اجرائية بديلة، ينحو المستفيدون من هذا النظام الى محاولة تعويمه، تحت ستار الديمقراطية التوافقيّة، المعطّلة للقرار الوطنيّ ولتطبيق ميثاق الطائف. وهنا يُطرح السؤال الذي تتهرّب الطبقة السياسيّة من الإجابة عنه، هل إنّ ميثاق الوفاق الوطنيّ ما زال قائماً؟ وإذا كان قائماً، هل يجوز التغاضي عن البند المحورّي من هذا الميثاق؟ ولماذا؟

ان التوافق شرط ضروري لقيام الدولة يكرس في تعاقد اللبنانيين على الوطن الذي أرادوه لتحقيق مصائرهم، فلا يجوز أبداً الالتفاف على هذا التوافق وتشويهه، تحت ستار بدعة أطلق عليها اسم الديمقراطيّة التوافقيّة التي تعني في مضمونها شريعة الغاب حيث تتحكّم موازين القوى الظرفية والتدخّل الخارجي والسلاح، بالقرار الوطني.

من الراهن، أنّ تجارب العيش المشترك بين الجماعات التي لجأت الى هذه البلاد في الماضي، سمحت بنمو شخصية لبنانيّة مميزة. لكن اجتماعنا الذي عاد الى التشرذم والتمذهب عجز عن تظهير هوية وطنية موحدة، ليس لأننا شعب عاجز عن الولاء لهوية مستقبلية جامعة للوطن، انما بفعل عوامل أخرى، منها ما ينبع من التعقيدات الجيوسياسيّة الخاصة بموقعنا، ومنها نتاج تداعيّات نظامنا السياسيّ الطائفيّ، ومنها، وهو الاهم، ما خلّفته المحاولات الخبيثة لطمس التنوّع وإنكاره في المجتمع، وتكفير وتخوين كل من تجرّأ وجهر بحقّه في الاختلاف.

ومن المآسي التي عرفها لبنان، تجاهل التنكر لتعددية المجتمع والوصول الى جدار مسدود، لان التجييش المذهبي والطائفي سلاح ذو حدين. يطاول الجميع، ولان أحداً لا يستطيع إلغاء أحد.

وأدت سياسة التهرّب من الواقع الى تنامي الاستئثار الطائفي بشكل علني ودون حياء، فارتفعت وتيرة الخطاب المذهبي وانتعاش الفكر التكفيري أو الاقطاعي الذي يهدف الى تجهيل خصوصيات الاخر، ورفض وجوده خلافاً لما هو معلن نقيضاً لذلك. الا ان ثمة فرصة جدية لتخطي الازمة الوجودية، ما لم يتم الاعتراف من دون تحفظ بتعددية المجتمع، وبحق الاخر في الاختلاف والتمايز وقبوله شريكاً، فلا سبيل للعيش بسلام اذا لم يتم الاعتراف بتنوع المجتمع ومراعاة خصوصية الاجتماعات، وإلا فإنه لا فرصة لقيام دولة، ما لم يتم التعاقد على نظام سياسي، يزيل الخطر والحذر والخوف لدى الاطراف والوقوف حائلاً في الوقت نفسه نحو النزوات الفئوية للاستئثار.

وذلك لان الاجتماع اللبناني يتكوّن من فسيفساء بشرية توحدت في كيان وطنيّ، ضمن سياق تاريخيّ خضع لتجاذب بين مشروعين، لم يكتب لأيّ منهما النجاح. أحدهما اعتبر أنّ لبنان أمّة منعزلة عن محيطها، والآخر أعتبره كياناً مؤقتاً أو بعضاً من كيان آخر.

كانت الفسيفساء اللبنانية مادة مناسبة لتشكيل لوحة رائعة، لو أتيح جمع قطعها وتنسيقها ورصفها في اطار يؤمّن انسجام ألوانها. لكنّ ذلك لم يحصل، ولم تتوافر فرصة حقيقيّة لجمع قطع الفسيفساء وتشكيلها بدلاً من إبقائها متناثرة متنافرة، لا انسجام في ما بينها، ولا انتظام. يبقى أنّ لتنوّع الالوان في لوحة الفسيفساء غنى، ولتناسقها وانسجامها أصالة ورُقيّاً، ولصونها والمحافظة عليها شهادة للبنانيين جميعاً ولصحّة الرهان على استمرار تجربتهم في العيش معاً واعتبارها تحديّاً للمنادين بالتفرقة والانعزال.

وكان الدافع الاقوى للحرب المتعدّدة الاسماء والمسوّغات، والتي استمرّت خمسة عشر عاماً، هو الغبن اللاحق بفئات لبنانية، ولا سيّما بالطائفة الشيعيّة، جراء الاستئثار بالسلطة مما أطلق عليه حينذاك المارونية السياسية، والتي كانت تضمّ القيادات المارونيّة وقوى متحالفة معها من مختلف الطوائف. كان أداء نظام المحاصصة الطائفية بالفعل مجحفاً بحقّ الجميع، وقد أدّى الاجحاف الى تشكيل جبهة عريضة من قوى سياسيّة وشعبيّة من مختلف الطوائف تطالب بالمساواة والعدالة، رافضة اعطاء أرجحيّة لطائفة على سواها.

والظروف التي مررنا بها قبيل الحرب الاهلية، وممارسات الطبقة السياسية، وجنوح مغامرين وانتهازيين ومتآمرين – في غياب عقد مكتوب ينظّم العيش المشترك – الى نشر ثقافة التفرقة والانعزال.

ويقول نزار يونس:

كانت الترجمة العملية لاتفاق الطائف وضع حدّ للحرب المدمرة وانتخاب رنيه معوّض رجل الدولة الرؤيويّ والمتمرّس بالنهج الشهابي رئيسا للجمهورية. كان رنيه معوض من كبار مهندسي اتفاق الطائف الداعمين لطرح القاء المسؤولية التاريخية لاستكمال الميثاق على اللبنانيين انفسهم من خلال هيئة وطنية للحوار تضم شخصيات فكرية واجتماعية وسياسية من المجتمع المدني ويترأسها رئيس الجمهورية، تقيداً بعقيدة لبنانية راسخة تقضي بأن يكون للقادة اللبنانيين المسيحيين الدور الحاسم في المتغيرات الاساسيّة في الصيغة اللبنانية، كونهم الفريق الاكثر تعرّضاً للرياح والأعاصير الوافدة والاكثر قدرة على التعامل بتجرّد مع المصالح المتناقضة للأطراف الخارجيين.

في انتظار إنجاز الصيغة التطبيقيّة لميثاق الطائف، أعطيت الاولويّة للدستور وسلامة أدائه.

لقد قضى اتفاق الضرورة على أن يستمر مبدأ توزيع السلطات حصصاً بين الطوائف في مرحلة انتقالية، وما أن يستتب الأمن وتهدأ النفوس، وتعود الدولة الى سلطتها، حتى يتم الانتقال الى المرحلة الثانية، أي تطبيق إتفاق الطائف تطبيقاً كاملاً. –