IMLebanon

هل سيتمّ التجديد لليونيفيل في لبنان؟

 

اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في رسالة موجهة إلى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، اطّلعت عليها وكالة فرانس برس، الثلاثاء 19 آب الجاري، أن دعوة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للاعتراف بدولة فلسطين «تؤجج» نار معاداة السامية.

قال الكثير نتنياهو في هذه الرسالة، ووجّه سيلاً من الانتقادات لماكرون، متهماً إياه أنه لا يمارس الدبلوماسية، بل يسترضي ويكافئ ارهاب الحركة الفلسطينية، ويزيد من إصرار الحركة على عدم إطلاق سراح الرهائن. لكن ما لم يقله الرجل هو كيفية محاربة ماكرون وبأي طريقة سيجعله يتراجع عن قرار الاعتراف في دولة فلسطين في أيلول المقبل ضمن الجمعية العامة للأمم المتحدة.

لعبة «لي الأذرع» بدأت بين ماكرون ونتنياهو، حيث هناك الكثير من القضايا التي يمكن التشابك فيها، ومنها قضية التمديد للقوات الدولية العاملة في لبنان. إذ في الوقت التي تقدم باريس مقترحها حول التمديد سنة إضافية لليونيفيل، بالمهام الموكل إليها دون أي تعديل، تقف إسرائيل عائقاً أساسياً أمام المشروع الفرنسي، بدعم أميركي في توجّه جديّ لإنهاء مهمة هذه القوات في جنوب لبنان.

تأسست القوة المؤقتة للأمم المتحدة في لبنان بواسطة مجلس الأمن في آذار 1978، للتأكيد على انسحاب إسرائيل من لبنان، واستعادة الأمن والسلام الدوليين ومساعدة الحكومة اللبنانية على استعادة سلطتها الفعّالة في المنطقة. والملفت إنه تمّ تعدّي المهمة مرتين نتيجة التطورات في عام 1982 وعام 2000، لكن بعد حرب تموز 2006، قام المجلس بتعزيز القوة وقرر أن البعثة بجانب مهامها الأخرى سوف تراقب وقف الاعتداءات، ومرافقة ودعم القوات اللبنانية في عملية الانتشار في جنوب لبنان.

دخل موضوع التجديد للقوات الدولية في لبنان «بازار» الجدلية بين الفرنسي والإسرائيلي المدعوم أميركياً. إذ تحتاج فرنسا الى عمل هذه القوات لإرساء الاستقرار والمساهمة في دور القوة الأمنية اللبنانية في بسط سلطتها في جنوب لبنان، ليس من أجل مصلحة لبنان واللبنانيين، بل من أجل ضمان عمل شركاتها في لبنان، تحديداً شركة توتال الفرنسية التي استحوذت على مناقصة من وزارة الطاقة اللبنانية للتنقيب واستخراج النفط والغاز من البلوك رقم 9 على الحدود اللبنانية – الفلسطينية المحتلة.

أمام الحاجة الفرنسية إلى التمديد وبسط السلطة اللبنانية سيادتها على كافة الأراضي مع دعم قرار الحكومة اللبنانية الصادر في 5 و 7 آب الجاري في شأن حصرية السلاح، يجد الإسرائيلي أن عدم وجود قوات يونيفيل على الحدود المشركة مع لبنان، يعطي جيشه حرية التحرك والانتشار، خصوصاً بعدما اتهم في حرب الـ66 يوم التي خاضها مع حزب الله، أن هذه القوات شاركت في عرقلة عملية الانتشار لهذا تعمّد الجيش الإسرائيلي في أكثر من مرة إلى قصف المواقف لليونيفيل بهدف الترهيب والترحيل.

لم تتوقف الاتهامات الإسرائيلية بحق القوات العاملة الدولية في الجنوب بالعرقلة، بل أيضا غضت النظر في أكثر من مرة عن تحركات الحزب وتوسيع انتشاره. إذ بحسب التقارير العسكرية ابان الحرب، استهدفت إسرائيل مواقع لحزب الله متلاصقة للمواقع لقوات اليونيفيل.

يأخذ الصراع الفرنسي (الأوروبي) والإسرائيلي (الأميركي) بُعداً تاريخياً وجغرافياً يعود إلى الاختلاف في الرؤية الجيوسياسية للمنطقة. إذ في حين تذهب فرنسا ومعها أوروبا في موضوع التجديد لهذه القوات، من أجل الحفاظ على الحدود التي رسمت مع معاهدة سايكس بيكو عام 1916 مع تقسيم المنطقة ورسم الحدود الجغرافيا للدول. تجد واشنطن وتل أبيب سوياً إلى أن إيقاف مهام القوات يعطي تفويضاً واضحاً للقوات الإسرائيلي بخربطة الخرائط وتغيير الحدود وإعادة ترتيب الشرق الأوسط بما يتناسب مع المشروع الأميركي (الشرق الأوسط الجديد) الذي يحقق حلم نتنياهو ببناء الدولة الإسرائيلية الكبرى.

رغم استبعاد الموافقة الأميركية على التمديد، لكن هذا الموقف قابل للتغيير في حال تمكّنت الحكومة اللبنانية من الانتقال من مرحلة القرار إلى مرحلة التنفيذ في شأن حصرية السلاح ووضع المؤسسة العسكرية جدولا زمنيا لسحب السلاح والانتشار العملاني في كافة المناطق اللبنانية تحديداً الجنوبية. تحتاج واشنطن إلى آلية جديّة لإرساء الهدوء والاستقرار على الجبهة الجنوبية، لهذا ترى إدارة ترامب من رابط مباشر بين الموافقة على التجديد وبين المساعدة التي من الممكن أن تقدمها هذه القوات في ضبط تحركات الحزب لمنع إعادة ترتيب أوراقه.

تداخلت الأمور وتعقدّت في شأن التجديد من عدمه، إذ في حين يجد الأميركي أنه يمثل الفرصة المناسبة ويجب استغلالها بهدف تعزيز المطالب عند الجانب الأوروبي في قضايا أخرى منها ما برز في كلام الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال لقائه الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي الاثنين 18 آب الجاري بحضور ممثلين عن الاتحاد الأوروبي، من خلال تأكيده أن الضمانة الأمنية لكييف ستحصل عليها من أوروبا.

أمام هذا الطرح الأميركي، يجد الإسرائيلي أنّ موضوع عدم التجديد لقوات اليونيفيل، يعزز لديه فكرة إقامة منطقة عازلة في جنوب لبنان. إذ كشفت بعض المصادر المتابعة أن إسرائيل رسمت للمرة الأولى منذ دخول افاق وقف اطلاق النار مع لبنان، منطقة عازلة في جنوب لبنان، ونشرت خرائطها متضمنة منطقة باللون الأحمر تمنع السكان من الاقتراب منها.

بدأ، الإثنين 18 آب، مجلس الأمن طرح موضوع التجديد لقوات اليونيفيل العاملة في جنوب لبنان، وبدأت جلسات مناقشة مشروع قرار قدمّته فرنسا لتمديد ولاية هذه القوات لمدة عام واحد تمهيداً لانسحابها دريجياً. وما يجمع التلاقي الفرنسي – الأميركي ممكناً حول هذا المشروع، ما يتعلق بإحدى فقراته التي تتضمن «عزم مجلس الأمن على العمل من أجل تأمين الانسحاب تدريجياً، على أن تصبح الدولة اللبنانية «الضامن الوحيد للأمن في الجنوب».

هذا ما يحتاج الأميركي والإسرائيلي معاً، في انتظار آلية التنفيذ التي قد يجد الجيش اللبناني صعوبة في ذلك، بعد رفع حزب الله سقف المواجهة مع كل من سيقدم على سحب سلاحه، معتبراً أنه مستعد لدخول حرب أهلية لأجل الحفاظ على السلاح الذي يعتبره أساس وجوده. لهذا يبقى التجديد لقوات اليونيفيل هو الخيار الأنسب لكافة الأطراف في ظل منطقة معقّدة الأحداث، ولا سيما إن إسرائيل لم تستطع حسم مصير قطاع غزة، ما يعزز فرضية التصويت بالإجماع إلى حين تسلك الأحداث مسارها الواضح في المنطقة.