Site icon IMLebanon

أوّل قافلة باصات مدعومة لعودة النازحين السوريين تعبر حدود المصنع… والحبل عالجرار

 

في أول قافلة حافلات منظمة ذاتيًا لعودة النازحين السوريين إلى بلادهم بعد سقوط نظام بشار الأسد، غادر يوم أمس الثلثاء 71 شخصًا من 14 عائلة سورية إلى بلادهم، في ثلاث حافلات وشاحنتين لنقل الأمتعة، واكبتها مفوّضية اللاجئين الـ UNHCR بالتعاون مع منظمة العمل الدولية والأمن العام اللبناني.

 

تنظيم القافلة جاء من ضمن برنامج العودة الطوعيّة المنظمة ذاتيًا، والتي انطلقت في بداية شهر تموز الجاري، وتستمرّ خلال الأشهر المقبلة، متضمّنة تسهيلات إدارية من قبل السلطات الحدودية اللبنانية للراغبين في العودة، ومساعدات مالية مقدّمة مباشرة من المفوّضية، وهي عبارة عن مئة دولار لكلّ فرد من أفراد العائلة، يضاف إليها مبلغ أربعمئة دولار لكلّ عائلة تصل إلى سوريا ستوفرها المفوّضية، على أن تتابع أحوال العائلة العائدة بالتنسيق مع فريقها داخل الأراضي السورية.

 

مع أنّ الباص المدعوم هو خدمة إضافية ستقدّمها المفوّضية بالتعاون مع منظمة العمل الدولية لمن لا تتوفر لديهم وسائل الانتقال، إلّا أنّ المغادرين ليسوا طليعة من عادوا إلى بلادهم بعد إطلاق البرنامج، إنّما هناك أعداد من النازحين اختاروا أيضًا العودة بوسائلهم الخاصة، بحيث بلغ عدد المسجلين للعودة من ضمن برنامج المفوضية للعودة الذاتية نحو 17 ألف نازح منذ بداية شهر تموز حتى اليوم، ومن المرتقب أن تكرّ السبحة في الأيام المقبلة بعد الإضاءة على التسهيلات المقدّمة لهؤلاء، ومن بينها أيضًا المتابعة القانونية من قبل المفوّضية لبعض الوثائق المطلوبة من قبل النازحين، كوثائق الولادة أو الشهادات المدرسية، أو غيرها من المستندات الأساسية التي تؤمّن للعائدين إقامة مستدامة في بلادهم، وفقًا لما أكّدته لـ “نداء الوطن” الناطقة باسم المفوّضية في لبنان ليزا أبو خالد.

 

وفقًا للبرنامج الذي أعدّته المفوّضية، فإنّ كلّ نازح سوري يرغب في الاستفادة من البرنامج سيوقّع “نموذج العودة”، وهو نموذج يكفل له الحصول على المساعدات المذكورة، بمقابل شطب اسمه نهائيًا من برامج مساعدات المفوّضية الأخرى في لبنان، ما يعني أنه ما إن يغادر لبنان من ضمن البرنامج ستسقط عنه صفة النازح مباشرة. وبالتالي، فإنّ الفرصة الوحيدة لتراجع هؤلاء عن قرار العودة هي قبل توقيع النموذج.

 

هذه العملية منسّقة تمامًا بين المفوضية والأمن العام اللبناني، وقد سُلّط الضوء على أولى تجاربها، من خلال القافلة التي انطلقت صباح أمس من متوسطة برالياس الرسمية، حيث لفتت التسهيلات المقدّمة من الأمن العام اللبناني واللوجستيات المتوفرة من المفوضية ومنظمة العمل الدولية. فاستقلّ الحافلات 71 شخصًا من بين 77 سجّلوا للعودة، بينما اختار أربعة منهم أن يغادروا بوسائلهم الخاصة، وتراجع اثنان في آخر لحظة عن قرارهما بالعودة. وقد واكبت قافلة المغادرين دورية من الجيش اللبناني، وعناصر الصليب الأحمر اللبناني وصولًا إلى معبر المصنع الحدوديّ.

 

 

عباس هدلا

“التكليف الشرعي” أداة القبض على إرادة “أبناء الولاية”

 

مع بروز كلّ استحقاق انتخابيّ بين نيابيّ أو بلديّ أو حتى نقابيّ، يبرز في البيئة الشيعية ولا سيّما في أجواء جماعة مشروع تصدير الثورة الإسلامية الإيرانية في لبنان أي جماعة “حزب اللّه” مصطلح “التكليف الشرعي”، والذي يفعل فعله في نفوس المرشحين والناخبين، فيكون الالتزام كاملًا والتنفيذ محكمًا، وبصدور “التكليف الشرعي” يقفل أيّ باب للاستفسار والجدال ويضحي هذا الشيء محرمًا، خوفًا من المحظور والخروج عن الملّة، فالطاعة واجبة، والرفض كفر وخروج عن الجماعة، فما هو “التكليف الشرعي” ومنذ متى بدأ ظهوره علانية، وما هي مفاهيمه ومعاييره الفقهية التي تحدّد إطار “الجبر” في تنفيذه؟

 

من “النهي عن المنكر” إلى “التكليف الشرعي”

 

مع بداية نهاية الحرب الأهلية اللبنانية، بدأت الأطر النمطيّة لمشروع تصدير الثورة الإسلامية بالظهور وترسيخ مفاهيمها في المناطق التي سيطرت عليها جماعة “حزب اللّه”، وبدأ هذا التنميط اجتماعيًا ولا سيّما في الضاحية الجنوبية لبيروت، حيث وُزّع في شهر آب 1990 بيان حمل توقيع “لجنة إحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” يدعو المواطنين إلى التقيّد بعدّة أمور كـ “مراعاة الحشمة في اللباس في حدود المحافظة على الأجواء الإسلاميّة… والتذكّر دائمًا أننا نعيش في مناطق إسلامية ولسنا في بلاد الكفر والشرك”، و “عدم القيام بالحفلات المحرّمة… وضرورة التقيّد بعدم رفع أصوات الغناء سواء في المنازل أو السيارات وغيرها”… وانتهى البيان بتحذير كلّ من يخالف بالتعرّض للملاحقة.

 

بعد “تدجين” المجتمع عن رضى أو جبر على النمطية الاجتماعية لنظم “جماعة الولاية”، كان “التكليف الشرعي” الإطار الإلزامي للسلوك السياسي، فبحسب الجزء الثاني من كتاب “تاريخ شيعة لبنان من الماضي الغامض إلى المستقبل المجهول” الصادر عن “أمم للتوثيق والأبحاث” عام 2023، لجأت جماعة “حزب اللّه” في الانتخابات النيابية الأولى التي جرت بعد الحرب الأهلية اللبنانية عام 1992 إلى “التكليف الشرعي”، وكانت هذه المرّة الأولى التي يلجأ فيها إلى تلك الوسيلة التي رافقته في أغلب الاستحقاقات اللاحقة من نيابية وبلدية ونقابية، وطال “التكليف الشرعي” المشاركة في المسيرات والاحتجاجات وصولًا إلى مسيرات “عودة الأهالي” التي حصلت في المناطق الجنوبية بعد اتفاق وقف إطلاق النار في تشرين الثاني 2024.

 

 

“التكليف الشرعي” في “الولاية العامة”

 

بحسب كتاب “دروس في ولاية الفقيه” الذي أصدرته “جمعية المعارف الإسلامية”، فإنّ التكليف هو الأوامر والنواهي الإلهية، والتزام التكليف هو الالتزام بما يأمر اللَّه تعالى والانتهاء عمّا ينهى عنه، وعلى الإنسان أن يلتزم بالتكليف ويؤدّيه على أكمل وجه، ويسلم إلى اللَّه تعالى ورسوله وأولي الأمر في التكليف وينقاد إليه الانقياد التام، وبحسب السيد روح الله الخميني مؤسس الجمهورية الإسلامية الإيرانية “حدّد الإسلام التكليف في كلّ شيء، ووضع القوانين لكلّ شيء، ولا حاجة بالمسلمين لتقليد أحد، أو اتّباعه في قوانينه”، وبالتالي يشمل التكليف جوانب حياة الإنسان كافة، سواء أكانت فردية أم اجتماعية أم سياسية.

 

يشترط في التكليف أن يكون الإنسان عاقلًا، بمعنى واعيًا مدركًا ومميزًا بين النفع والضرر، والتكليف يكون في حدود طاقة المكلف ووجوب بلوغ الإنسان سن التكليف فالأطفال لا يكلّفون.

 

 

 

 

 

ولتثبيت وجوب الطاعة الكاملة لـ “التكليف الشرعي” الصادر عن الولي الفقيه “العالم الجامع للشرائط” الذي اكتملت فيه الشروط المطلوبة لتولي منصب المرجعية الدينية والقيادة في المجتمع الإسلامي أي أنه أهل للفتوى والحكم والقضاء، يتمّ الاستناد إلى الرواية عن الإمام الصادق التي يستدلّ فيها على ولاية الفقيه: “فإني قد جعلته عليكم حاكمًا، فإذا حكم بحكم فلم يُقبل منه فإنما بحكم اللَّه استُخفّ وعلينا رد، والراد علينا كالراد على اللَّه…»، وبالتالي فإنّ الرافض لحكم وتكليف الولي الفقيه الذي يملك الصلاحيات الكاملة التي تشمل إدارة شؤون الدولة والمجتمع، هو رافضٌ حكمَ اللّه، والامتثال للتكليف لا يخرج عن عنوان طاعة الله تعالى، ولا يخضع لمزاج الأشخاص والأفراد ورؤيتهم الخاصة للأمور.

 

وبحسب مقالة بعنوان “تكليفنا أن نعمل” منشورة في موقع الأمين العام لـ “حزب اللّه” الشيخ نعيم قاسم، يعتبر قاسم أنّ المهم أن يعرف المؤمنون تكليفهم ليقوموا به، و “هذا تكليفٌ واجب علينا وعلى المسلمين القيام به، وغاية الأمر أننا لو استطعنا تحقيقه، فالحمد للّه على قيامنا بالتكليف والوصول إلى الهدف أيضًا، وإذا لم نستطع تحقيقه، فإننا قد أدَّينا تكليفنا الشرعي مثلما أنَّنا صلَّينا”، وأردف أنه “من الطبيعي أن تصاحب التضحياتُ أداء التكليف، ولا يُعقل تحقيق الإنجازات والنصر من دون خوض اللُّجج وبذل المُهَج”، وأضاف أنّ “علينا أن نعمل للتكليف ولو لم تتحقق كل أهدافنا”.

 

 

“التكليف الشرعي” بين الفقه والسياسة

 

بخلاف ولاية الفقيه العامة، لا يعتبر الفقهاء والمراجع الفقهية الشيعية بوجوب تكليف المسلم شرعيًا خارج إطار الأمور الدينية، فالمرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني لا يرى وجوب الالتزام بالتكليف الشرعي خارج المنحى الديني لهذا التكليف، وبحسب العلّامة المجتهد السيد علي الأمين لا يجوز أن تكون هناك فتوى شرعية في عملية ديمقراطية، فمعنى العملية الديمقراطية هو الرجوع إلى آراء الناس واختياراتهم ومعنى الفتوى هو الالتزام بشخص واحد ما يعني إلغاء العملية الديمقراطية، فمن هنا، لا يمكن أن يكون للفتوى معنى في أي عملية ديمقراطية. ويؤكد أنّ “التكليف الشرعي” هو مصطلح فقهي يرتبط باستنباط الفقهاء ومراجع الدين لأحكام المكلفين في العبادات والمعاملات من مصادر الشريعة الإسلامية، لكنه استخدم حديثًا في أدبيات بعض الجماعات التي تحاول إسباغ صفة الشرعية على تعليماتها الحزبية، وبالتالي، ليس هناك من تكليف بل توجيه حزبي يوجّه قواعده وأنصاره باتجاه شخصية أو لائحة معينة، ولكن إذا خالفها الإنسان لا يكون مخالفًا لشرع اللّه، ولا يلحق بالإنسان لا خطأ ولا خطيئة.

 

على أنه خارج المنحى الفقهي والديني لمصطلح “التكليف الشرعي” الذي يطلق على جملة الأحكام الشرعية المتعلّقة بذمة المكلف، مثل واجب الصلاة، والصوم، فإنّ اعتماد هذه الوسيلة في أدبيات “جماعة الولاية” وفي حركتها السياسية، وفي عملية تنظيم الإطار والدوائر وإصدار القرارات، ساهم ويساهم في خنق النفس الديمقراطي في المناطق الشيعية وتكفير وشيطنة من يخرج عن هذا التكليف، وحفّز القوى السياسية في الطوائف الأخرى على التكتل والتجمّع لمواجهة هذا الأسلوب، فتمّ ترسيخ مبدأ خنق الديمقراطية تحت حجّة حماية الطائفة والدين، وتحوّل لبنان إلى كانتونات طائفية متشرذمة غير معلنة تغلب عليها النظرة الأوتوقراطية إما خوفًا وإما تشبّهًا.