Site icon IMLebanon

روسيا والصين تتخلّى عن إيران عسكرياً لحماية مشروعها كقوى عظمى صاعدة

 

 

السؤال الذي يفرض نفسه في خضم التصاعد والتطور الداماتيكي للحرب المباشرة بين إسرائيل وإيران التي تنذر بمخاطر كبرى، والذي يبقى الجواب عليه غامضاً، لا بل تائهاً «أين روسيا والصين» من الحرب الكبرى في الشرق الأوسط بين إيران (المتروكة) وإسرائيل (المحظية بأكبر دعم أميركي وغربي؟! ولماذا يقفان موقف المتفرّج تجاه إيران وهي الحليفة الاستراتيجية لهما؟!

ولكن السؤال الأهم «كيف ستتعامل روسيا والصين مع الحرب المندلعة، في حالة دخول الولايات المتحدة كطرف مباشر فيها»؟ خصوصاً وأن الحرب مرشحة للتطور والتصعيد، مما ينذر بعواقب وخيمة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، خاصة إذا تم إغلاق مضيق هرمز، وشلّ حركة التجارة العالمية ووقف ما يقرب من 25% من إمدادات الطاقة على المستوى العالمي.

 

هناك اتفاقية شراكة استراتيجية شاملة بين إيران والصين تم توقيعها في آذار 2021 للتعاون التجاري والاستراتيجي مدتها 25 عاماً، وهي تشمل كل المجالات بما فيها التعاون الأمني والعسكري والتجاري، ونشر ما يقرب من خمسة آلاف فرد لحماية المشاريع الصينية في إيران، والتي قدّرتها تلك الاتفاقية بما يقرب من 400 مليار دولار.

في نفس الاتجاه هناك علاقات استراتيجية روسية – إيرانية، وتعتبر روسيا من أكثر الدول الداعمة لإيران في مشروعها النووي، وقد تم توقيع معاهدة شراكة استراتيجية بين الدولتين وقّعها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في 17 كانون الثاني الماضي، أي منذ حوالى خمسة أشهر فقط.

تهدف الاتفاقية إلى توسيع التعاون الاقتصادي، وتعزيز التعاون التجاري، والعسكري، ومدتها 20 عاماً، وتغطي مجالات الدفاع، والطاقة النووية، والتمويل، والتكنولوجيا والمعلومات، والأمن السيبراني وغيرها من المجالات.

ترك إيران بدون دعم أو غطاء سياسي وعسكري من جانب شريكيها روسيا والصين، قد يؤدّي إلى تدمير قدراتها العسكرية والاقتصادية من خلال هذه الحرب. فحتى الآن لم يتم الحديث من الجانبين الروسي والصيني عن تفعيل تلك الاتفاقيات، ومساندة إيران ودعمها في مقابل الدعم الأميركي اللامحدود لإسرائيل، سيؤسس لاستنتاجات ورسائل مهمة بخصوص طبيعة العلاقات بين القوى الثلاث أولا، وحجم الوثوق بالقوى الصاعدة، ثانيا، وبالتالي يضع علامات استفهام كثيرة حول مستقبل النظام العالمي خلال المرحلة المقبلة.

بعيدا عن طبيعة هذه العلاقات والمدى الذي وصلت إليه حتى الآن، فالثابت أن الحرب الجارية ستمثل اختبارا مهما لهذه العلاقات، كما ستمثل رسالة مهمة بشأن درجة الوثوق في الاعتماد على القوى الصاعدة كحلفاء محتملين.

من الواضح أن هذه القوى تسعى إلى حماية مشروعها كقوى صاعدة من خلال تجنّب الدخول في مواجهات عسكرية مُكلِفة أو تمثل إجهاضا مبكرا لمشروع الصعود، والتركيز في المقابل على القضايا الحيوية أو التهديدات المباشرة، ولكن ما لا يمكن فهمه أو تفسيره عن تخلّي روسيا والصين عن إيران بهذا الشكل المفضوح، في حين كان ينظر إلى إيران على أنها نقطة ارتكاز مهمة بالنسبة لروسيا والصين في ظل الصراع الجاري على قمة النظام العالمي الذي يمرُّ بمرحلة انتقالية، أحد عناوينها هو بناء التحالفات والمحاور الدولية كجزء من مشروع لدى القوى الصاعدة (روسيا والصين) لإنهاء مرحلة الهيمنة الأميركية والنظام أحادي القطب، في مواجهة مشروع أميركي مقابل الحفاظ على النظام القائم، وإجهاض مشروع القوى الصاعدة.

من المؤكد أن سلوك القوى الصاعدة إزاء هذه الحرب سيساهم في بناء صورة وإدراكات محددة لهذه القوى لدى القوى الوسطى، وتوجهاتها في هذه المرحلة المهمة في تطور النظام العالمي، ذلك أن الحرب ستترك آثارها الاستراتيجية على التوازنات الجارية بالإقليم وعلاقة الأخير بالنظام العالمي.