Site icon IMLebanon

روسيا: الأمر لي

 

لم تكن مسألة هامشية أن تتركّز الضغوط على روسيا. أنقرة رفعت من سقف خطابها وواشنطن حمّلت موسكو الملامة, والملك السعودي يستعد لزيارة العاصمة الروسية الشهر المقبل بناء على طلب عاجل من الرياض.

طبعاً فإنّ المعارك الحاصلة والتقدم الكبير الذي يحققه الجيش النظامي السوري في ريف حلب إنما يؤشّران الى واقع ميداني جديد وحاسم في وقت ليس ببعيد.

وفي آخر المعلومات حول جديد الخريطة الميدانية انّ الجيش السوري نجح في تطويق معظم مدينة حلب، وبالتالي قطع كل الطرق البرية اليها، ولم يتبقَ سوى ممرات للمشاة ما تزال تؤمّن التواصل الضعيف بين مناطق «النصرة» في الريف وقلب المدينة، ويبدو الوضع معه أقرب الى إنجاز الحصار الكامل، وبالتالي حَشر التنظيمات المسلحة في المنطقة التي تسيطر عليها داخل المدينة.

صحيح انّ هذه التنظيمات نجحت خلال الاسابيع الماضية في نقل كثير من الاسلحة والذخائر ووسائل التموين والتغذية، لكنّ الحصار سيكون صعباً وستتخلله عمليات اقتحام لبعض الشوارع بحيث انّ القيادة العسكرية الروسية تتوقّع انتهاء الاعمال الحربية في حلب مع بداية فصل الصيف.

وكان واضحاً لجميع المراقبين انّ غرفة العمليات العسكرية الروسية هي التي تتولى إدارة المعارك، وانّ وحدات الجيش السوري ووحدات أخرى تابعة للجيش الايراني، إضافة الى مقاتلي حزب الله، يتحركون وفق الخطة التي وضعها نائب رئيس أركان الجيش الروسي الموجود شخصياً في سوريا.

وكان الأسلوب الروسي حاضراً خلال فك الحصار عن نُبُّل والزهراء، ذلك انّ العقيدة القتالية الروسية ترتكز بشكل أساسي على قوة النيران وكثافتها. وتروي معلومات مؤكدة انّ الجيش الروسي أطلق من طائراته وبطاريات مدفعيته وصواريخه نحو مئة ألف قذيفة وصاروخ خلال ايام معدودة، وأدّت سياسة الارض المحروقة الى انهيار سريع في جبهة المسلحين.

البرنامج العسكري الروسي يُبدي عجلته في إنهاء مهمته العسكرية وهو ما يتضمّن، في موازاة تطويق مواقع المسلحين في حلب، السيطرة على مدينة تدمُر ومنها الانطلاق في اتجاه جسر الشغور وايضاً في اتجاه الحدود السورية – العراقية للإمساك بكلّ المعابر هناك، طبعاً بمساعدة عراقية وبغضّ نظر أميركي.

امّا المعابر البريّة الواقعة عند الحدود السورية – الاردنية فإنّ عملية سيطرة الجيش السوري عليها ستحصل قريباً بعد إنجاز الترتيبات العسكرية، والأهمّ تحضير الاجواء السياسية والتي شملت العاصمة الاردنية.

ويعزو بعض المراقبين أسباب استعجال موسكو انها لا تريد حرباً مفتوحة زمنياً، وإنما تريد إنجاز الاهداف العسكرية الميدانية ومن ثم الانتقال سريعاً الى طاولة المفاوضات لترجمة التوازنات الميدانية الجديدة في إطار معادلة سياسية نهائية لمصلحة حلفائها.

وقبل ذلك، كانت القيادة الروسية قد مهّدت جيداً لحملتها العسكرية. فالرسالة الحربية التركية من خلال إسقاط طائرة روسية بَدت خطوة خاطئة استَغلّتها موسكو على أفضل شكل لتأمين هجومها العسكري، فاستقدمت القيادة العسكرية الروسية بطارية صواريخ أرض ـ جو الأكثر تطوراً في العالم، وهي من نوع «إس ـ 400 « والتي نَصبتها للمرة الاولى خارج الاراضي الروسية، اضافة الى الطائرات الأكثر تطوراً في العالم وهي «سوخوي ـ 35».

الرسالة كانت واضحة بأنّ الجيش الروسي مستعد للاشتباك المباشر مع تركيا في حال حصول أي خطأ جديد. لا بل اكثر، تعمّدت القوات الروسية استفزاز الجيش التركي وخرق أجوائه طلباً لهذه المواجهة، لكنّ انقرة التي سمعت نصائح واشنطن بالتروي والتي تعاني في الوقت نفسه تضارباً في النظرة مع قيادتها العسكرية، اكتفت بمواقف عالية السقف ولكن بلا ترجمة فعلية، لا بل على العكس بَدا الموقف العسكري التركي في وضع دفاعي أمام الجديّة الروسية.

ولكنّ الموقف السياسي المرتفع لتركيا، والذي سيبقى بلا ترجمة، لن يُعدّل في مسار المصير الذي ينتظر حلب وكل المنطقة المحاذية للحدود التركية مع سوريا. ما يعني انّ الضغوط الدولية، وربما الإغراءات السعودية الشهر المقبل، لن يعدّلا في البرنامج العسكري الموضوع، خصوصاً انّ الصوت الاعتراضي لواشنطن يبدو لاستيعاب نقمة تركيا ودول الخليج أكثر منه للَجم روسيا.

من الآن وحتى شهر حزيران، العاصفة مستمرة. وسترافقها مواقف سياسية مرتفعة وربما متقاطعة لجنيف، لكن كل ذلك لن يعدّل من الخطة الموضوعة.

وفي بداية الصيف سيكون موعد لبنان مع العملية الجاري التحضير لها في جرود عرسال، وبالتأكيد هذا سيرفع مستوى الضغوط الامنية، أي أنه سيفتح الساحة اللبنانية اكثر أمام شهية «داعش» و«النصرة» للضغط، او ربما للانتقام أمنياً، إذ لا تستبعد مصادر أمنية معنيّة احتمال تحرّك الوضع الامني مجدداً، وانّ عبوات طرابلس المكتشفة تأتي في هذا الاطار، إلّا انها في المقابل تبدو حاسمة بأنّ المعالجات الامنية المستمرة منذ سنوات نجحت في التخفيف كثيراً من الأخطار الامنية. فقطع التواصل مع الداخل السوري أضعفَ القدرة البشرية لهذه التنظيمات، كذلك المراقبة الفعّالة والدائمة لكل المعابر اللبنانية البريّة والبحريّة والجويّة.

وأخيراً، وبعد المشكلة الأمنية للخطوط الجوية الفرنسية، تمّت إعادة رسم خطط مراقبة أمنية جديدة في مطار بيروت ونَشر كاميرات مراقبة وفَرض منع شامل على كل الموظفين من إدخال أي شيء الى المطار. لا بل أكثر، إنّ وحدات من الجيش اللبناني أقامت نقاط انتشار ورصد لها عند كل التلال المُشرفة على المطار ومدرجَيه بحيث أضحَت الطائرات في مأمن أكثر عند الاقلاع والهبوط.

وفي موازاة ذلك، تستمر المراقبة الشديدة للمخيمات الفلسطينية وللعناصر المتطرفة الموجودة في داخلها، خصوصاً في مخيم عين الحلوة حيث هنالك مقار لقيادات هذه التنظيمات والتي تتواصل في استمرار مع قيادات «داعش» في الرقة وحلب ودير الزور. لكن هذا العمل الامني الممتاز لا يعني أنّ الساحة اللبنانية باتت مضمونة بكاملها فالخطر يبقى قائماً. 

ولكن ماذا يعني كل ذلك على الملف الرئاسي اللبناني؟ ولماذا حزب الله لا يساعد العواصم الغربية في تليين العُقد التي تمنع إتمام الاستحقاق الرئاسي؟ وهو السؤال الذي يحيّر العواصم الغربية ولا تجد له جواباً، على رغم الإيجابيات الكثيرة التي تضمّنتها الكلمة الاخيرة للأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله.

وتكشف مصادر ديبلوماسية موثوقة أنه بعد طرح الرئيس سعد الحريري مبادرته، والقاضية بوصول رئيس تيار «المردة» النائب سليمان فرنجية الى قصر بعبدا وعودة الحريري الى السراي الحكومي، بَدت الصورة ملبّدة في الداخل، خصوصاً مع رفض رئيس تكتل «التغيير والاصلاح» النائب ميشال عون المُتسلّح بدعم حزب الله.

وتروي المعلومات انّ الحريري حاول الاستعانة بروسيا من خلال نائب وزير الخارجية ميخائيل بوغدانوف. والتقى الديبلوماسي الروسي، الذي يعالج بعض الملفات اللبنانية والسورية، الوزير السابق كريم بقرادوني القريب من عون.

بوغدانوف حَمّل بقرادوني رسالة الى الرابية مفادها انّ التسوية اكتملت وانه من الضروري السير بها ومن غير المفيد لعون أن يبقى خارجها. لكنّ عون، الذي رفض هذه الرسالة، تسلّحَ بموقف حزب الله الداعم له أيّاً يكن قراره والتزاماً بما كان قد أعلنه السيد نصرالله غير مرة.

والأهمّ انّ عون أرسل الى القيادة السورية سائلاً عن حقيقة الموقف الروسي، وقيل انّ القيادة السورية تواصَلت مع القيادة الروسية من خلال الخطوط الناشطة المفتوحة بينهما على مستوى الكرملين ووزير الخارجية، فكان الجواب الروسي واضحاً: «أنتم وحزب الله قادرون على تقييم الوضع أفضل منّا، ونحن نؤيّد أي قرار تتخذونه». وأرفقت موسكو جوابها باعتذار عمّا صدر عن بوغدانوف.

وخلال التواصل الذي أعقبَ هذه الحادثة أبلغت دمشق، وكذلك قيادة حزب الله، الى الرابية انّ موقفهما النهائي هو خلف العماد عون وانهما يوافقان على ما يقرره هو.

ولأجل ذلك ظهر الأمين العام لحزب الله على شاشة تلفزيون «المنار» ليجدّد التزامه، في إشارة اضافية الى انه غير قابل للعودة عنه. وقيل انّ موسكو سمعت من قيادة حزب الله المعادلة التالية: «إذا خيّرنا بين الرئاسة وعلاقة التحالف مع العماد عون فإنّ حزب الله يختار الثانية».

ما يعني أنّ الفراغ الرئاسي سيطول، وأنّ على البلد التعايش مع هذا الواقع، خصوصاً انّ السعودية لن تعطي موافقتها على وصول عون، وهو ما سيظهر من موقف الحريري الأحد المقبل