Site icon IMLebanon

بوتين يرسم بالنار حدوداً جديدة لروسيا

 

 

أيّ عالم سيكون بعد الحرب الروسية ـ الاوكرانية؟ وهل تقف الكرة الارضية الآن على ابواب حرب عالمية ثالثة بعد وضع السلاح النووي الروسي في حال تأهب معيداً الى الاذهان مشاهد القصف النووي الاميركي لمدينتي هيروشيما وناكازاكي اليابانيتين الذي أوقف الحرب العالمية الثانية؟ أم أن الحرب الدائرة حالياً ستُرسي نظاماً عالمياً جديداً يختلف في توازناته وأحلافه عن عالم اليوم منذ انهيار الاتحاد السوفياتي أواسط تسعينات القرن الماضي؟

أسئلة كثيرة تطرحها الحرب الروسية ـ الاوكرانية الآن ولا بد ان تتوافر الاجابة عنها في قابل الايام، في ضوء التطورات العسكرية الجارية على الاراضي الاوكرانية وما يرافقها عالميا من مواقف المؤيّد منها للحملة العسكرية الروسية والمعارض لها.

 

ويرى ديبلوماسي مخضرم ان العالم يقف امام احتمالات عدة:

 

– الاحتمال الاول، والأسوأ في نظر هذا الديبلوماسي، ان يكون لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين حلم بإعادة الامبراطورية الروسية او اعادة احياء الاتحاد السوفياتي شأنه كشأن آخرين يحلمون للعودة الى عصور الامبراطوريات واتحاد الجمهوريات او الولايات، ومنهم الرئيس التركي رجب طيب اردوغان الذي يحاول، في رأي البعض، إرجاع الامبراطورية العثمانية. فمثل هذه الاحلام التي تكاثرت في ظروف عالم اليوم لا يمكن ان تصل الا الى نتيجة وخيمة مثل ما وصلت اليه احلام الامبراطور النازي ادولف هيتلر باحتلال العالم الذي تسبب بالحرب العالمية الثانية في غزو بعض الدول في اوروبا الشرقية وغيرها بذريعة حماية المواطنين الالمان بين سكانها، وبلغت ذروة حلمه باكتساح بولندا الذي أشعل شرارة الحرب الى ان انتهى به الامر بهزيمة ساحقة وبسقوط عشرات الملايين من البشر حول العالم.

 

– الاحتمال الثاني، والاقرب الى التحقق، في رأي الديبلوماسي المخضرم، هو ان تنتهي الحرب الروسية ـ الاوكرانية باتفاق على غرار الاتفاق الاميركي ـ السوفياتي عام 1962 حول كوبا، والذي جَنّب يومها العالم الحرب العالمية الثالثة. اذ يومذاك نشر الاتحاد السوفياتي ودولة كوبا صواريخ نووية استراتيجية على الاراضي الكوبية القريبة من القارة الاميركية وتحديدا من الولايات المتحدة الاميركية ما أثار حفيظة الرئيس جون كينيدي آنذاك واعتبره تهديداً للأمن القومي الاميرك، فوضع الترسانة النووية الاميركية في حال تأهب مثلما فعل الآن بوتين، وانتهى الامر يومها باتفاق بين موسكو وواشنطن بأن تسحب موسكو صواريخها من كوبا مقابل أن تسحب واشنطن صواريخها النووية من تركيا التي كان قد اعتبرها الاتحاد السوفياتي يومها تهديدا لأمنه القومي لقرب تركيا من حدوده، وهو ما دفعه الى نشر الصواريخ النووية في كوبا القريبة جغرافياً من الولايات المتحدة الاميركية لإقامة توازن رعب بينها وبينه. لكن هذا الاتفاق الاميركي ـ السوفياتي الذي جَنّب العالم الحرب المدمّرة أدخله في الوقت نفسه في حرب باردة ما زالت مستمرة حتى الآن.

 

ويشير هذا الديبلوماسي الى انّ ما يفعله بوتين الآن في اوكرانيا سببه أنه يجد أن هناك تهديداً للأمن القومي للاتحاد الروسي من البوابة الاوكرانية، حيث ان اوكرانيا وخلافا لاتفاقاتها مع موسكو تسعى للانضمام الى الاتحاد الاوروبي والحلف الاطلسي (الناتو)، فجغرافياً اوكرانيا تقع على حدود الاتحاد الروسي وهي الأقرب إليه، إذ انّ المسافة بين الحدود الاوكرانية وموسكو تبلغ 190 كيلومتراً اي انها طريق سريع يمكن قطعه بمدة ساعة وربع الساعة. وبوتين ساءَه سابقاً ان الولايات المتحدة وحلفاءها الاوروبيين وحلف «الناتو» عموما اقتطعوا بعد انهيار الاتحاد السوفياتي السابق دول البلقان الواقعة على الحدود الروسية وكل دول اوروبا الشرقية قبل العام 2000، لكنّ اوكرانيا في هذا الوضع كان يحكمها نظام موالٍ لبوتين الا انّ انقلاباً خلال العقد الاول من القرن الحالي أسقطَ هذا النظام لينشأ نظام بعده جاهَرَ برغبته الانضمام الى الاتحاد الاوروبي وحلف الناتو وسعى اليهما، الامر الذي لم يرق لموسكو التي حذّرت كييف مراراً وتكراراً من هذا الانضمام الذي تجد فيه تعريض الامن القومي للاتحاد الروسي للخطر وهو ما لا يمكن ان تقبله خصوصاً أنه كان لروسيا سابقات من هذا النوع، وقد اتفق بوتين مع الرئيس الاوكراني فلاديمير زيلنسكي مرات عدة على عدم الاقدام على هذا الانضمام، لكن الاخير كان يتنصل منها ويعاود الاتصال بالاوروبيين وبحلف «الناتو»، الامر الذي دفع بوتين في هذه الحال الى خطوته العسكرية التي كان له سابقات مثلها في بعض الدول الواقعة على الحدود الغربية والجنوبية الغربية للاتحاد الروسي.

 

ولذلك، يضيف الديبلوماسي المخضرم، انّ ما يسعى اليه بوتين الآن هو وضع حدود جديدة للاتحاد الروسي مع اوروبا يضمن من خلالها الامن القومي للاتحاد بحيث يُرسي معادلة مع الاميركيين والاوروبيين مفادها: «أنا لي دول حليفة على حدودي وأنتم لديكم دول حليفة على حدودكم». وغالب الظن، يقول الديبلوماسي، انّ الحرب الاوكرانية ستنتهي الى اتفاق من هذا النوع بين موسكو والاوروبيين وواشنطن على غرار الاتفاق الاميركي ـ السوفياتي السابق في كوبا، بحيث لا تكون هناك اي قواعد عسكرية وصواريخ للناتو وللدول الغربية والولايات المتحدة قريبة جغرافياً من الاتحاد الروسي، ولا يكون هناك اي تهديد روسي للامن القومي الاوروبي والاميركي من البوابة الاوكرانية او غيرها.

 

لكنّ الفارق بين اتفاق كوبا والاتفاق الذي سيحصل الآن هو ان العقوبات التي فُرضت على الاتحاد الروسي هي عقوبات موجعة وطويلة الأمد لا يمكن ان يتم رفعها بسهولة وفي زمن قصير، وستكون النتيجة في النهاية ان العالم لن يدخل في حرب عالمية ثالثة وإنما في حرب باردة جديدة الى أن يأتي وقت لرفع العقوبات عن موسكو، والتي يرجّح ان يتأثر بها الاقتصاد الروسي لمدة طويلة، خصوصاً أنّ الحرب الباردة ستكون من ارتداداتها، لأنّ اي حرب عالمية هذه الايام سيكون ثمنها كبير جداً على روسيا والعالم كله.