Site icon IMLebanon

يحقّ لسمير جعجع ما يحقّ لسواه

يقول كونفوشيوس حكيم الصين: «السياسة بلا أخلاق إجرام»، لذا نقول للمتقوّلين: ليس أسلوب الدكتور سمير جعجع الكيديّة في ممارسة العمل السياسي، فالرّجل عنده استراتيجيات كبرى أولها لبنان ودولته ومؤسساته القوية، وما تحت ذلك من يوميات هو «تكتيك» تقتضيه شؤون السياسة المتغيّرة، خلال الأيام القليلة الماضية ومع ردّ حزب الله العنيف على رئيس الحكومة سعد الحريري بأنْ «لا مكان له في لبنان»، أدرك الجميع أن الحديث مبادرة الأخير في ترشيح سليمان فرنجية سقطت بالضربة القاضية، ومع هذا الكلام ظلّ الكلام على إعادة تفعيل هذه المبادرة قائماً، وكأنّه لا اعتبار لكلّ الرفض الذي جوبهت به، كما لم يُبدّد تجميدها رفض معظم اللبنانيّين لها!!

هذه المبادرة ـ ورأينا فيها معروف وقلناه مراراً ـ دفعت دفعاً رئيس حزب القوات اللبنانيّة إلى التعاطي بجديّة شديدة مع فكرة ترشيح النائب ميشال عون لرئاسة الجمهورية، والفكرة بلغت نسبة 90 بالمئة من احتمال إعلانها في وقت قريب، ولا نظنّ أنّ محاذير رفض الطائفة السُنيّة رفضاً قاطعاً ـ لما صنعه الجنرال ميشال عون ببيروت عام 1989 خلال حرب التحرير المزعومة ـ وهذا الأمر يجب أن يوضع تحته عشرة خطوط حُمْرٍ، وستكون نسبة رفض هؤلاء لانتخاب عون لرئاسة الجمهورية أضعاف مضاعفة لرفضها انتخاب فرنجية للرئاسة.

 ولكن؛ هنا.. ثمّة أشياء كثيرة نقولها قبل أن يُعلن هذا التّرشيح القواتي لعون أو لا يُعلن!! أوّلاً؛ علينا أن نقول وبشفافيّة شديدة لقد كنّا سبّاقين إلى رفض إعلان أمين عام حزب الله حسن نصرالله «الشيعي» أنّ مرشّحه للرئاسة هو ميشال عون، مثلما كنّا سبّاقين منذ نهايات تشرين الثاني 2015 أن يُرشّح الرئيس سعد الحريري السُنّي للمسيحيين مرشّحهم للرئاسة، وبهذه الطريقة، ومن وراء ظهر حلفائه، وعندما يحقّ لزعيم أقليّة درزيّة صغيرة كوليد جنبلاط أن يرشّح للمسيحيين رئيسهم، يكون الوضع المسيحي «مهزلة»!!

لذا وبالفم الملآن أقول: سمير جعجع المرشّح المسيحي القويّ أحقّ من نصرالله والحريري في إعلان مرشّح مسيحيّ له تمثيل وازن هو ميشال عون ـ أحببنا أم كرهنا ـ وإذا حمل ترشيح الحريري لفرنجية صفة «مبادرة وطنيّة»، فإنّ ترشيح جعجع لعون سيكرّسه زعيماً مسيحيّاً ووطنياً وهو يحاول أن يحمي مسيحيي لبنان من التشرذم المستمرّ في فرض وصايته عليهم منذ العام 1992!!

وهنا أيضاً؛ لا بُدّ لنا من إنعاش ذاكرة اللبنانيين بمواقف واضحة اتخذتها القوات اللبنانية ورئيسها وضعت مصلحة لبنان فوق المصلحة الحزبية الضيقة ولا الشخصيّة الأنانيّة، في 28 أيلول 2009 كتبنا في هذا الهامش تحت عنوان «الهجوم على سمير جعجع أم على سعد الحريري؟ وبعد 73 يوماً من تعطيل تشكيل حكومة سعد الحريري الأولى  «صدر حكم بإعدام النظام اللبناني أعلنته صحيفة تشرين السورية فاعتبرته بحكم الميت سريرياً»، كذلك كتبنا عن موقف وليد جنبلاط في نفس المقال: «هذه الأيام اعتبروني شيعي»، وكتبنا أيضاً عن توجيه نواف الموسوي ـ بعد مؤتمر صحافي لجعجع خاطب فيه الطائفة الشيعيّة ـ تهديداً رسمياً واضحاً وصريحاً لرئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري بأنه «سيكون عاجزاً عن حكم محيط منزله إذا بقي أسير مواقف حلفائه لا سيما سمير جعجع»!! وللمفارقة يومها اتهم نواف الموسوي الدكتور جعجع بأنه «يشن حرب إلغاء على التيار الوطني الحرّ»!!

وعلينا أيضاً أن ننعش ذاكرة اللبنانيين خصوصاً مع أمنيات الشيخ قاسم وأحلام الجمهورية الإسلامية في لبنان التي كنا سبّاقين إلى التحذير منها في في  24 حزيران 2014 وتحت عنوان جعجع و»حرب إلغاء الرئاسة» كتبنا عن كلام الدكتور سمير جعجع من بكركي يزيد اللبنانيين قلقاً على قلق، فإذا كان «الحكيم» يقول: «لا أرى نوراً في النفق الذي نحن فيه(…) إننا في حرب إلغاء على موقع الرئاسة ولا أحد يحق له تعطيل البلاد في سبيل زيادة حظوظه الرئاسية»، وكتبنا يومها أنّ جعجع يُعايش اليوم «حرب إلغاء» أشدّ خطورة من كلّ ما مرّ على لبنان منذ التوصل إلى اتفاق الطائف، وأن لبنان إن سقط هذه المرّة فهو سينتهي إلى إعلان «الجمهورية الإسلاميّة في لبنان»!!

وفي 19 آذار 2014 جددت القوات حرصها على لبنان فوقفت النائب ستريدا جعجع خلال جلسة مناقشة البيان الوزاري للحكومة فقالت: «لماذا الإصرارُ على زجّ لبنانَ في لعبةِ الكبار؟ وما هي مصلحةُ اللبنانيينَ  في ذلك؟ لقد جرّبنا جميعاً لعبةَ الكبارِ مرّاتٍ عدة  في لبنان، وماذا كانت النتيجة إلاّ الحروبَ والويلاتِ والمآسي؟ فهل من الضروري أن نعيدَ تكرارَ مآسينا من جديد؟»

أما آخر ما أريد إنعاش ذاكرة اللبنانيين به فيعود تاريخه إلى لحظة تجاوز أزمة القانون الأرثوذكسي بين القوات اللبنانية وتيار المستقبل، يومها قصد نائب بيروت نهاد المشنوق معراب كان له رؤية كوّنها بعد اجتماعه وجعجع على مدى ساعتين ودارت مناقشات صريحة جداً بينهما، قال: «في الأصل والبدء. مستحيل أن يخطر ببال أي سياسي يعرف جعجع احتمال أن ينتقل إلى ضفة 8 آذار، هذه أوهام وأخطاء شائعة لا أعرف إذا وقع فيها بعضهم، وهي نتاج خيال لا علاقة له بالواقع. لم أخبئ أي نقطة أو فكرة خلال حديثنا الطويل، حكينا وحللنا في التفاصيل وفي الإستراتيجية وعرضت رأيي بوضوح تام(…) جعجع حريص على هامش كبير من الحرية والإستقلالية في حركته السياسية. لا أذيع سراً في كلامي هذا. ونعم كانت ثمة مشكلة اتصال لكنها محدودة قابلة للعلاج. إلا أن خياره في 14 آذار ليس خاضعاً لمناورة أو مساومة أو حتى لأخذ وردّ. أبداً. لا ينسَ أحد أن الرجل سار في خيار «الربيع العربي» في وقت لم يكن أي فريق يجرؤ على إعلان تأييده هذا الربيع، خصوصا في سوريا، باستثناء قلة ضئيلة كنت من بينها. من يأخذ هذا الخيار ويقدم مشهدية مشاركة شباب «الربيع العربي» من ليبيا ومصر وتونس وسوريا عام 2011 في احتفال شهداء «القوات»، لا يمكن أن يطرأ تغيير في استراتيجيته».

في 8 أيار 2014 قال نائب بيروت نهاد المشنوق: «للدكتور جعجع شفاعات عند المسلمين. تبدأ بتعامله الصادق مع الرئيس سعد الحريري طوال السنوات الثماني الماضية، ثم تأييده الثورة السورية، وتمر بعلاقات وثيقة بناها بدول مجلس التعاون الخليجي وبقيادات «مستقبلية»، نسبة إلى «تيار المستقبل» وحركة التاريخ. وهو لم يكن يتكتك عندما ذهب في انفتاحه إلى غزة. لكن النائب جنبلاط حشره في موضوع قانون الستين إلى درجة حملته على تحريك الوضع بالطريقة التي رآها الأنسب. وإن لم تكن كذلك».

دعوا سمير جعجع يُرشّح ميشال عون، ولنرَ ونتأكد عندها أن حزب الله يكذب حتى في ترشيح ميشال عون وأنه يستخدمه أداة تعطيل لا أكثر، وأنّه لا يريد رئيساً ولا جمهورية لبنانيّة، حزب الله يريد «الجمهورية الإسلاميّة [الإيرانيّة] في لبنان»!!