Site icon IMLebanon

خشية سعوديّة من ثمن يقبضه حزب الله بعد “الترسيم”!

 

الرياض لا تثق بالأميركيين… وتتوقع “ضربة تحت الحزام” واشنطن تلوّح بدعم مُؤتمر “حواري” إذا طال الفراغ؟

 

4 كانون الاول المقبل تاريخ مفصلي..

 

المملكة لا تخشى “واقعيّة” الحزب

 

بل “براغماتيّة” الولايات المتحدة

 

اذا كان صحيحا اعتبار اتفاق الترسيم البحري بين لبنان و”اسرائيل” انتصارا ديبلوماسيا للرئيس الاميركي جو بايدن، بعد اخفاقه بالعودة الى الاتفاق النووي مع إيران، وفشله بإقناع السعودية بزيادة معدلات إنتاج النفط، فان ثمة مبالغة غير بريئة من قبل البعض بالترويج لحصول نوع من “التطبيع” غير المعلن بين حزب الله و”الاسرائيليين” برعاية اميركية، وهو امر لم تتحدث عنه “اسرائيل”، ولا يجد الحزب نفسه في موقع نفي تهمة غير قابلة للتسويق، مع ترقب شرح مستفيض للوقائع من خلال اطلالة للسيد حسن نصرالله بعد او عشية التوقيع الرسمي على التفاهم. لكن الهامش “المبهم” بين منزلتي التطبيع غير القائم ، والانتصار الديبلوماسي المحقق لكافة الاطراف ضمن صفقة “رابح – رابح”، سمح بتسلل القلق وربما “الهلع” لدى بعض الاطراف في الداخل اللبناني وكذلك في الاقليم من التداعيات المحتملة لهذا الحدث. وتقف المملكة العربية السعودية في مقدمة هؤلاء، فهي تخشى خروجها مجددا من “المولد بلا حمص” على الساحة اللبنانية، ومن ملفات اخرى يقف فيها حزب الله وايران على الجانب الآخر. فهل القلق السعودي مبرر؟

 

ترى مصادر ديبلوماسية في بيروت بان التوتر السعودي يبدو مبررا، وعملية “اجهاض” العشاء في السفارة السويسرية كان الدليل الاكثر وضوحا على وجود هواجس كبيرة ازاء اي حراك يمكن ان يمنح حزب الله “اليد العليا” في اي تسوية مفترضة، الرياض التي كانت على علم مسبق بتفاصيل الدعوة واهدافها، ومنحت “القوات اللبنانية” والحزب “الاشتراكي” الضوء الاخضر لتلبيتها، راجعت حساباتها بعد التوصل الى التفاهم على الترسيم البحري، وكذلك اهتزاز علاقتها مع الادارة الاميركية، ووجدت ان الوقت ليس مناسبا في ظل اختلال الموازين لصالح خصومها، واختارت “قلب الطاولة” دون قفازات هذه المرة، فتحرك السفير السعودي الوليد البخاري في وضح النهار بين المقرات الرئاسية، وضغط على الحلفاء للتراجع بالتزامن مع حملة اعلامية مبرمجة تحذر من “سقوط” اتفاق الطائف.

 

طبعا السعودية ليست مقتنعة بترويج البعض بان “الترسيم” يشبه اتفاقيات “إبراهام”، فحزب الله يبقى عدوا وتهديدا أمنيا “لإسرائيل” بإقرار اميركي- “اسرائيلي”، لكن ظهور الحزب مجددا كأكبر قوة محلية واقليمية، ويملك “الفيتو” الفعلي على قرارات الحكومة اللبنانية التي لم تكن لتقبل الاتفاق دون “الضوء الاخضر” من قبله، اعاده الى “رأس الطاولة” من جديد وجعله الطرف الاهم، الذي يمكن ان تبحث واشنطن معه عن “صفقة” محتملة تتعلق بملفات داخلية وخارجية، وقد تكون هذه المرة برعاية فرنسية بعدما اثبتت الديبلوماسية الفرنسية جدواها باعتبارها الطرف الغربي الوحيد الذي حافظ على علاقات جيدة مع حزب الله، ولعبت دورا محوريا وراء “الكواليس”، حيث تفيد المعلومات بان مسؤولين فرنسيين التقوا بممثلين عن حزب الله قبل التوصل الى الاتفاق الشامل، وهو ما عبرت عنه وزارة الخارجية الفرنسية بالتأكيد ان فرنسا ساهمت بفاعلية في الاتفاق، لا سيما من خلال نقل الرسائل بين الاطراف المختلفة بالتنسيق مع الوسيط الاميركي. ولهذا تعتبر التجربة ناجحة، ويمكن ان يقاس عليها في الاستحقاقات الدستورية وفي مقدمها الانتخابات الرئاسية!

 

وفي هذا السياق، عمّمت السفارة السعودية في بيروت على “اصدقائها” كلاما منسوبا الى السفير البخاري يشير فيه الى ان بلاده لا تزال فاعلة على الساحة اللبنانية ولن تنكفئ مجددا كما حصل خلال السنوات الماضية، لكنها لن تنخرط في اي تسوية إقليمية أو دولية تتعارض مع رؤيتها لمستقبل البلاد. هذا الكلام “المنمق” يخفي، برأي اوساط مطلعة، حقيقة المخاوف السعودية من خسارة جديدة على الساحة اللبنانية، ولهذا تعلن التمسك باتفاق الطائف، وتناضل كي لا يعاد مناقشته كمقدمة لتعديله في توقيت غير مناسب كما هو حاصل اليوم، خصوصا ان مفاعيل البيان الثلاثي مع واشنطن وباريس، والذي صدر على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك “تلاشت” بفعل الخلاف المستجد مع واشنطن على خلفية الخلافات النفطية.

 

ووفقا لتلك المصادر، تخشى السعودية من ضعف الموقف الفرنسي امام الاميركيين، ولا تعوّل كثيرا على الاجتماعات الباريسية، كما تبقى حصيلة المحادثات التي أجراها الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته للسعودية مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، موضع شك في تحويلها الى امر واقع دون الغطاء الاميركي. وفي هذا السياق، تشير المعلومات الى وجود توجه لدى واشنطن لدعم حوار تنظمه مع الفرنسيين لإعادة صياغة تفاهمات داخلية ، بعد اخفاق اتفاق الطائف بتأمين الاستقرار السياسي والمالي والامني للجمهورية اللبنانية، وذلك في حال طال امد الفراغ الرئاسي ولم يتم التوصل الى تفاهمات على رئيس “تسوية”.

 

هذه التسريبات اثارت حفيظة الرياض التي عبّرت للفرنسيين عن “هواجسها” وحذرتها من مغبة الاستجابة لاي طرح مماثل، واعتبرتها “ضربة” اميركية “تحت الحزام” على الساحة اللبنانية، باعتبارها لا تشكل اهمية استراتيجية في العلاقة بين البلدين، وقد تكون اهون “الشرين” اميركيا، لأنها تقع ضمن سلسلة خيارات عقابية اميركية ردا على الموقف السعودي الاخير، بدأت بدعوة الشركات الأميركية الى عدم توسيع علاقاتها التجارية مع الرياض، ومقاطعة مؤتمر “دافوس في الصحراء” الاستثماري في السعودية الأسبوع المقبل، فيما يعتبر اجتماع “أوبك” المقبل في 4 كانون الأول مفصليا، فواشنطن تهدد جديا بتخفيض علاقاتها الديبلوماسية والعسكرية مع السعودية اذا لم تصحح القرارات السابقة، واهمية هذا الاجتماع انه سيعقد قبل أيام من دخول قرار فرض سقف على اسعار النفط الروسي حيّز التنفيذ، ولهذا سيترتب عليه الكثير من التداعيات على العلاقة الثنائية بين الطرفين.!

 

وفي هذا السياق، تخشى السعودية من دفع “ثمن” علاقاتها المتدهورة مع واشنطن على الساحة اللبنانية، انطلاقا من “واقعية” حزب الله في ملف الترسيم، وحاجة واشنطن الى “صندوق بريد” غير مكلف لتوجيه “رسائل” قاسية للمملكة، ولهذا تحاول منع الحزب من “قبض الثمن” كي لا تنسحب التفاهمات الضمنية التي تخشاها على ساحات أخرى وفي طليعتها اليمن، ولهذا يمكن فهم “الهلع” السعودي والحساسية المفرطة ازاء اي حراك سياسي ذات ابعاد اقليمية- ودولية، حتى لو كان على مستوى عشاء في السفارة السويسرية. وينقل احد زوار السفارة السعودية عن البخاري قوله ان القلق ليس من “براغماتية” حزب الله التي لها حدود لا يمكن ان يتجاوزها، وانما من “براغماتية” واشنطن غير المحدودة والتي لا تلتزم باي “سقف” ولا تراعي مصالح “الحلفاء”..