IMLebanon

دريان يطفئ شمعة الـ10 سنوات من التمديد للمـجالس الوقفية!

 

ككل عام تقترب فيه ولاية المجالس الوقفية التابعة لدار الفتوى من نهايتها، يُخرج مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان من صندوقه الحلّ السحري المعتاد: التمديد للمجالس في بيروت والمناطق.

 

وككل عام أيضاً، يتجاهل المفتي الانتقادات التي تطالب بإصلاح بنيوي حقيقي في عمل هذه المجالس، ويشطب خيار الانتخاب، متمسكاً بالتمديد مع تعديلات محدودة يصفها معارضوه بأنها أقرب إلى «تصفية حسابات»، وإقصاء لمن تجرّأ على النقد خلال الولاية المنصرمة.

 

ويأخذ هؤلاء على المفتي أيضاً أنّه لا يُشاورهم لا في التمديد ولا في التعيين، رغم أن بعض المناصب، كالمدير العام للأوقاف الإسلامية مثلاً، يتطلّب موافقة المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى الذي غالباً ما يتم تجاوزه وتهميش دوره.

 

ففيما لم ينعقد المجلس منذ مطلع نيسان الماضي، تؤكد مصادر مطلعة أن المفتي مدّد للمجالس الوقفية الأسبوع الماضي، وأصدر أمس قراراً بالتمديد للمدير العام للأوقاف الشيخ محمد أنيس الأروادي (73 عاماً) من دون علم أعضاء المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى، باستثناء الحلقة الضيّقة المحيطة بدريان.

 

في المقابل، يدافع المقرّبون من «عائشة بكّار» عن خيار التعيين في باعتباره الأكثر واقعية، مستندين إلى أن «تجربة الانتخاب الوحيدة قبل أكثر من 13 عاماً»، أدت إلى خلافات حادّة بين أعضاء غير متجانسين، بعضهم محسوب على قوى سياسية متنافرة، ما انعكس سلباً على عمل المجالس.

 

كما أدت إلى تغييب كفاءات واختصاصات مهمّة كالقانونيين والمحاسبين والإداريين وغيرهم، في حين يتيح التعيين – وفقاً لهؤلاء – تنوّعاً في التمثيل ودماً جديداً، خصوصاً أنّه يتم سنوياً بناءً على تقييم الأداء والنشاط والكفاءة.

 

ويشدّد هؤلاء على «قانونية الإجراء» استناداً إلى صلاحيات المفتي، وإلى ما صدر عن مجلس النواب في سبعينيات القرن الماضي، والذي استند إليه المفتي الشهيد حسن خالد ثم اعتمده المفتي السابق محمد رشيد قباني، ومن بعدهما دريان.

 

ويذهب آخرون إلى تبرير القرار بأنه «يضبط للساحة الإسلامية، لأنّ الانتخاب قد يفتح الباب أمام تيّارات غير منضبطة قد تكتسب شرعيّة تؤهّلها لدخول المساجد والتأثير في الأرض».

 

المعارضون: صفر تنمية

هذه الذرائع لا تُقنع المطالبين بإجراء انتخابات منذ انتهاء ولاية آخر مجلس منتخب عام 2015. ويزداد استياؤهم من إصرار المفتي على تجاهل ملاحظاتهم، خصوصاً في ما يتعلق بالتمديد السنوي للأروادي المُحال على التقاعد منذ نحو عشر سنوات، والذي يعزوه معارضو دريان إلى «علاقة شخصية وطيدة» تجمعه بالأروادي أكثر ممّا تستند إلى معايير الكفاءة أو الحاجة.

 

المجالس الوقفية بلا انتخاب منذ عام 2015: استنزاف للأوقاف وتغييب للمساءلة

 

 

ويُبدي هؤلاء اعتراضهم على التمديد للأروادي لأسباب عدّة، أبرزها أنّ النصوص القانونية تنص على وجوب الانتخاب، إلا في حالات استثنائية وضيقة، فيما لا تنطبق هذه الحالة على الأروادي.

 

كما يأخذون على الأخير ضعف أدائه، كونه طبيب صحة عامة يفتقر إلى الخلفية الإدارية اللازمة، وكذلك غيابه شبه التام عن متابعة التعديات على الأوقاف أو النزاعات المتعلقة بها أمام القضاء، ما أدى إلى خسارة بعض القضايا، إلى جانب افتقاره إلى رؤية إدارية وتنموية، وغيابه عن مواكبة شؤون الأوقاف في المناطق وعدم قيامه بزيارات ميدانية دورية.

 

كذلك يشكك معارضو المفتي في قانونية التعيينات الجزئية للمجالس الوقفية في بعض المناطق، والتجديد لغالبية المجالس الأخرى، مؤكدين أنّها تتعارض مع أحكام المرسوم 18/1955 الناظم لشؤون دار الفتوى.

 

ويشير هؤلاء إلى أن التمديد لم يُفضِ في السنوات الماضية إلى أي نتائج ملموسة أو تطوير إداري حقيقي، بل أسهم في تعميق حال الترهّل وغياب التصوّر الحديث للإدارة، نتيجة استمرار العقلية التقليدية في التعيين وتقديم الولاءات السياسية والمحاصصة على الكفاءة والرؤية الحديثة. فيما يمنح الانتخاب المجالس شرعية تمثيلية وشعبية، ويعزّز من حماسة الأعضاء ودافعيتهم للإنتاج.

 

غياب الإدارة والتنمية

ويلفت أنصار الانتخاب إلى الجمود الإداري الذي تعاني منه المجالس الوقفية في المناطق، وعجزها عن أداء وظائفها الأساسية، نتيجة التمديد المتكرّر وغياب آليات المساءلة، وسط حديث متزايد عن شبهات فساد مالي في بعض الإدارات، إضافة إلى غياب أي رؤية استثمارية واضحة للنهوض بالأوقاف، ما أبقى مئات العقارات الوقفية، تقدَّر قيمتها بملايين الدولارات، خارج أي خطة استثمارية جادة، فيما تُركت أملاك أخرى مستأجرة بأسعار رمزية منذ عقود، أو عرضة لتعديات لم تُلاحق قضائياً، ما تسبّب في تآكل صناديق الأوقاف، وتراجع القدرة على دفع الرواتب، وتعثّر تغطية النفقات الأساسية.

 

ففي وقت تملك دار الفتوى أوقافاً ضخمة تُعدّ من أبرز مصادرها المالية، وتُرفد صناديقها بمليارات الليرات، لا يزال بعض المشايخ والموظفين يتقاضون رواتب تقلّ عن 300 دولار شهرياً، من دون أي تغطية صحية، رغم أن مشايخ بيروت يتمتعون بوضع أفضل مقارنةً بزملائهم في باقي المناطق.

 

وهذا ما يدفع بعض العلماء إلى المطالبة بتوحيد الموازنة بين المجالس، في حين يصرّ المفتي دريان على التمسّك بمبدأ الاستقلالية الإدارية والمالية لكل مجلس مناطقي.

 

كما تُسجَّل اعتراضات على تعطيل آليات الرقابة التي يمتلكها المجلس الشرعي. إذ إنّ كل عمليات التأجير أو الاستثمار التي تقلّ مدّتها عن ثلاث سنوات لا تستوجب موافقته، ما يتيح تمرير معظم القرارات من دون أي مراجعة فعلية. وحتى الموازنات وقطع الحسابات تصل متأخرة لسنوات، وغالباً ما تُصدَّق من دون أي تدقيق، كما يحصل حالياً في المصادقة المتأخرة على موازنة 2021!

 

«الجماعة»: دار الفتوى تُهمّشنا!

تشكو الجماعة الإسلامية من إقصاء دار الفتوى لها عن التعيينات نزولاً عن توصيات عربيّة خارجية لإبعادها عن مراكز النفوذ السياسي والديني، خصوصاً بعد مشاركتها في عمليات عسكرية خلال «طوفان الأقصى». ويقول مشايخ من «الجماعة» إنّ إصرار مفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان على تعيين المجالس بدلاً من الانتخاب يصبّ في هذا الإطار التهميشي. ويؤكد هؤلاء أن بعض المواقع تستدعي تعيين بدلاء، إلا أن المفتي فضّل خيار التمديد، لأنّ البديل كان سيؤول حكماً إلى مرشّح من «الجماعة»، كما حدث في صور.